بدأت كل من القاهرة والخرطوم، الأربعاء 9 يونيو/حزيران 2021، التحرك في اتجاه جديد لمواجهة التعنت الإثيوبي المتعلق بالمفاوضات "المتوقفة" حول الملء الثاني لسد النهضة محل الخلاف بين الدول الثلاث.
القاهرة والسودان تريان أن مرور الوقت دون إنجاز ما تريدانه بملف التفاوض، سوف يتسبب في أزمة بالنسبة لنهر النيل، وأن أديس أبابا تسعى إلى وضع بلدَي المصب أمام الأمر الواقع، في ظل عدم وجود موقف دولي داعم للقاهرة والخرطوم.
تحرك دولي
لذا سعت القاهرة، من خلال لقاء وزير الخارجية سامح شكري ومعه وزير الري والموارد المائية محمد عبدالعاطي بنظرَيهما السودانيين مريم المهدي وياسر عباس، إلى خلق موقف مشترك بين البلدين، للبدء في تحرك دولي ضد إثيوبيا.
رغم أن التحرك المصري السوداني جاء متأخراً، فإن إبراهيم ناصر، الباحث السوداني، يعول في تصريحه لـ"عربي بوست"، على أن يكون تحرك كلا البلدين في الاتجاه الإيجابي؛ لإنقاذ حصتهما من مياه النيل من الأذى والنقصان إذا ما أقدمت إثيوبيا على ملء ثانٍ لسد النهضة دون التنسيق معهما.
الوزيران المصريان في لقائهما بنظرَيهما السودانيَّين اتفقوا على تنسيق الجهود "لدفع إثيوبيا على التفاوض بجدية" على اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الضخم على النيل الأزرق.
وكالة رويترز نقلت عنهما أنهما اتفقوا خلال محادثات في الخرطوم على "تنسيق جهود البلدين على الأصعدة الإقليمية والقارية والدولية لدفع إثيوبيا إلى التفاوض بجدية وبحسن نية وبإرادة سياسية حقيقية، من أجل التوصل لاتفاق شامل وعادل وملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة"، متهمين إثيوبيا بالتسبب في فشل مفاوضات سد النهضة.
تحرك رئاسي
في اليوم الذي وصل فيه سامح شكري ومحمد عبدالعاطي إلى السودان لمناقشة التحرك الجماعي المشترك ضد إثيوبيا، كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يُجري اتصالاته في الإطار ذاته، من أجل إيجاد حشد دولي وإفريقي داعم لموقف بلاده وكذلك السودان ضد التعنت الإثيوبي.
إذ نقلت صفحة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، بياناً تضمن الحديث عن اتصال أجراه السيسي بالسيدة سامية حسن، رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة.
الاتصال الهاتفي بين الرئيسين وبعد مناقشة كثير من الملفات، تطرق أيضاً إلى الملف الخاص بسد النهضة، بيان الرئاسة المصرية قال إن السيسي أكد ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وعادل لملء وتشغيل السد، وقد تم التوافق على دعم مسار المفاوضات، من أجل تحقيق مصالح الأطراف الثلاثة والحفاظ على الأمن المائي لدولتي المصب.
خبير مصري يكشف تعثر تعلية سد النهضة
من جانبه ذكر الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية "حكومي"، في تصريحات تلفزيونية، أن عدم قدرة إثيوبيا على الانتهاء من تعلية سد النهضة حتى الآن، جاء بسبب ضيق الوقت وليس بسبب مناورة أو تعرضها للضغوط الدولية حسبما يردد البعض.
وأشار إلى أن القاهرة والخرطوم عليهما خلق موقف دولي داعم لهما في مواجهة ما ترمي إليه إثيوبيا من الانفراد بمصير نهر النيل؛ وهو ما سيتسبب في أزمة كبيرة للبلدين.
في حين علق رسلان على بيان القاهرة والخرطوم، في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، بالقول إن أهم النقاط في البيان هي تأكيد رفض التصرف الأحادي من إثيوبيا، وتنسيق الجهود والتحركات بين مصر والسودان إقليمياً ودولياً.
كذلك قال رسلان إن هناك إشارة مهمة إلى ضرورة التنسيق التحرك لحماية الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والقارة؛ وذلك لأن إثيوبيا بمواقفها الحالية أصبحت مهددة للاستقرار والأمن والسلام في كل القرن الإفريقي وحوض النيل.
تطابق موقفَي البلدين
من جانبه قال إبراهيم ناصر، الباحث السوداني، المتخصص في الشأن الإفريقي، والمقيم بالعاصمة التركية أنقرة، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن هناك حالة من التباين في الموقف السوداني من التقارب مع مصر، بخصوص الأزمة الإثيوبية وسد النهضة.
أشار إلى أن المكون العسكري، في إشارة إلى الجيش السوداني، كان متماهياً منذ البدء مع الموقف المصري من أزمة سد النهضة، ولذلك كانت هناك مناورات عسكرية بين البلدين في الفترة القليلة الماضية.
أما بخصوص المكون المدني، في إشارة إلى الحكومة السودانية، فأشار إبراهيم ناصر إلى أن الحكومة السودانية كانت متقاربة مع الموقف الإثيوبي بشكل كبير حتى وصول مريم المهدي لمنصب وزيرة الخارجية السودانية.
أوضح أن وصول مريم المهدي لمنصب وزيرة الخارجية غيَّر موقف المكون المدني تجاه مصر، بل بدا واضحاً أن المكون المدني يغيّر موقفه ويلتحف بالموقف المصري ضد إثيوبيا، التي تتعنت بشكل كامل ضد مطالب البلدين.
من ثم جاء لقاء شكري والمهدي في الخرطوم؛ للإعلان عن تطابق الموقفين المصري والسوداني تجاه الأزمة الإثيوبية، مشدداً على أن البلدين يسابقان الزمن من أجل وقف ملء السد، ووقف الخسائر المرتقبة في حصص البلدين من مياه نهر النيل، وفق ما قاله ناصر لـ"عربي بوست".
جدير بالذكر أن إثيوبيا تصر على ملء ثانٍ للسد يُعتقد أنه في يوليو/تموز وأغسطس/ آب المقبلين، بعد نحو عام على ملء أول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بمصر والسودان، وتسعى للاستفادة من السد في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، وتحمّل البلدين مسؤولية "عرقلة المفاوضات".
بينما تنفي مصر والسودان صحة تلك الاتهامات عادة، وتؤكدان تمسُّكهما بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي، للحفاظ على منشآتهما المائية، وضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.