حالة من الصمت الإجباري تم فرضها على كل المتعاملين مع ملف التغييرات في مجموعة إعلام المصريين، مع التشديد على عدم التعليق نهائياً على الأنباء المتداولة عن التحقيق مع قيادات مالية في المجموعة، والتجهيز لإقالة تامر مرسي، رئيس مجلس إدارتها بتهم إهدار المال العام.
وكان "عربي بوست" انفرد قبل حوالي أسبوع بتأكيد أن ملف تامر مرسي وتجاوزاته المالية موجود في الوقت الحالي أمام قيادات كبرى في جهاز سيادي مهم، حيث يجري التحقيق في تلك التجاوزات، وربما ينتهي التحقيق بإبعاده من الشركة المتحدة وإعلام المصريين بالكامل، خصوصاً بعد تهم استغلاله لمنصبه في الشركة المتحدة لشراء الدراما التي تنتجها شركته سينرجي فقط دون غيرها، أي أنه هو الذي يبيع وهو نفسه الذي يشتري.
هذا ولم يتسنّ لـ"عربي بوست" التأكد من صحة التهم الموجهة لمرسي.
تجاوزات تامر مرسي أمام جهاز سيادي
وعلم "عربي بوست" من مصادره في إعلام المصريين أن ملف المخالفات المالية لتامر مرسي ورجاله في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يجري التحقيق فيه حالياً بالفعل، لكنه عبارة عن تحقيق داخلي مع تامر مرسي وحسام شوقي مدير الإنتاج الدرامي في الشركة، وأحمد وجيه المدير المالي، وعدد آخر من المسؤولين الأقل شأناً، لكن هناك تعليمات بعدم ذكر أي تفاصيل عن هذه التحقيقات لوسائل الإعلام منعاً لاثارة البلبلة حول مجموعة إعلام المصريين التابعة لجهاز المخابرات العامة.
وقالت المصادر إن التحقيقات تتركز على ملف الفساد المالي تحديداً، بعدما تبين وجود أوجه صرف غير منطقية في بعض المسلسلات، سواء التي عرضت في رمضان الماضي أو التي لم تعرض بعد.
فهناك مثلاً مسلسل "نسل الأغراب" الذي بلغ مجموع الإنفاق عليه 95 مليون جنيه بحسب المعلن، وهو أحد المسلسلات التي راهن عليها تامر مرسي لكسب معركة الشعبية، لكنه بدلاً من ذلك تحول إلى "كعب أخيل" في مستقبله داخل إعلام المصريين، بعدما أثار مشهد في الحلقة الأخيرة له حالة من الغضب العارم لدى قيادات في الدولة ضد مرسي وشركة سينرجي.
مسؤول كبير في المخابرات يعنف تامر مرسي
وكان مرسي قد حاول التبرؤ من المسلسل الكارثي من خلال إصدار بيان باسم الشركة المتحدة، يتهم فيه مخرج المسلسل محمد سامي بإضافة وحذف مشاهد تخالف السيناريو الذي تم الاتفاق عليه، في محاولة للتبرؤ من المشهد الذي اعتبر مسيئاً للشرطة في الحلقة الأخيرة من المسلسل.
لكن البيان تسبب في نتيجة معاكسة، حيث اتهمه مسؤول كبير في المخابرات بأن هذا الكلام لو صح "تبقى نايم على ودانك (أذنك) ولا تصلح لأن تكون في مكانك، هو إحنا (نحن) سايبينك (تركناك) تعمل هذه الفلوس كلها علشان (من أجل أن) الناس تشتغل على كيفها وأنت نايم".
كما تضمن ملف التحقيق مسلسل "أحمس" الذي توقف التصوير فيه بسبب ما قيل إنه شكوى من وزير الآثار والسياحة المصري خالد العناني، الذي ارتبط بعلاقة طيبة مع المخرج محمد سعدي بعد تعاونهما الوثيق معاً لتنفيذ موكب نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير إلى متحف الحضارات الجديد.
وبحسب المصادر، فإن العناني قيل إنه اشتكى للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حضور الأخير الحفل الذي أعقب نقل المومياوات من أن مسلسل "أحمس" حافل بالأخطاء التاريخية والدرامية بما يسيء إلى مصر ويشوه الإنجاز الكبير الذي تحقق في موكب نقل المومياوات الذي أشاد به السيسي نفسه، فما كان من الرئيس المصري إلا أن وجه مساعديه بوقف تصوير المسلسل لحين عرض السيناريو على متخصصين والتأكد من أنه سيكون عملاً مشرفاً لمصر وتاريخها.
مصادر مقربة من وزير الآثار المصري، لـ"عربي بوست" لم تستبعد أن تكون شكوى الوزير بدافع من حليفه محمد سعدي الذي يخوض منافسة شرسة وغير معلنة منذ عامين مع تامر مرسي على توسيع دور كل منهما في مجال الإعلام والإنتاج الدرامي في مصر.
وبالعودة لمصادر "عربي بوست" في "إعلام المصريين"، فقد ذكرت أن توقف إنتاج المسلسل بعدما تم الانتهاء من تصوير 60% من مشاهده تقريباً بتكلفة 55 مليون جنيه مصري، أثار حنق المسؤولين في المخابرات، وعادت نفس نبرة التهكم من تامر مرسي من جديد، حين علق أحدهم على الأمر بقوله "إزاي (كيف) توافق على سيناريو مسلسل وتدفع التكاليف دي من غير ما يتعرض على لجنة من المتخصصين في الآثار والتاريخ المصري لتجيزه؟!".
بقاء تامر مرسي مستبعد
وأفادت المصادر أن التحقيق سري حتى على العاملين في إعلام المصريين، ولا أحد يعرف شيئاً عن تفاصيله ولا موعد الانتهاء منه أو النتائج التي سوف تترتب عليه، لكن المؤشرات كلها تقول إن بقاء تامر مرسي على رأس إعلام المصريين والشركة المتحدة لم يعد مطروحاً.
وتوقع بعضهم أن يكون المؤتمر الصحفي الذي أعلنت عنه الشركة المتحدة والمقرر عقده يوم السبت 29 مايو/أيار مناسبة للإعلان عن القيادات الجديدة للشركة والمجموعة، وخططهم لمستقبل العمل فيها.
صراع أجنحة داخل المخابرات السبب الحقيقي
مصدر سابق بجهاز سيادي مصري، قال لـ"عربي بوست" إن مسألة التحقيق مع تامر مرسي وإقصائه ليست وليدة اليوم ولا الأمس، وكل ما يقال عن وجود مخالفات مالية كلام غير دقيق، لأن المخالفات موجودة منذ تولى تامر مرسي منصبه، وكانت موجودة قبله وستظل موجودة بعده، فهذا هو الحال في مصر، على حد تعبيره.
وأضاف أنه من السذاجة الاعتقاد بأن مسؤولي المخابرات الذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة في الدولة وخارجها كانوا يجهلون أن تامر يراكم ثروته على حساب الشركة المتحدة، "بل لا أبالغ إذا قلت إن كل شيء كان يحدث من تامر مرسي بعلم ورضا مسؤولي المخابرات المشرفين على إعلام المصريين"، على حد قوله.
إذاً ما الذي حدث ليتغير الوضع ويحدث الانقلاب على تامر مرسي؟! يضيف المصدر أنه صراع الأجنحة داخل المخابرات، وهو صراع بدأ منذ قرار السيسي تعيين رجله الموثوق فيه عباس كامل على رأس الجهاز، ثم تعيين نجله محمود وكيلاً للجهاز، فمنذ ذلك الحين حدث انشقاق بين قدامى الضباط في الجهاز، وبين رجال عباس ومحمود السيسي الجدد، وزاد الأمر سوءاً بعد إحالة عدد غير قليل من وكلاء الجهاز إلى المعاش.
وأضاف المصدر أن موضوع الانقلاب على تامر مرسي لم يكن بسبب الفساد المالي، ولكن محاولة من جناح جديد داخل المخابرات استغلال عثرات "فرعون الإعلام" الأخيرة للإطاحة به، وتعيين محمد سعدي مكانه، وبالتالي تحقيق انتصار معنوي على الجناح الذي يدعم تامر مرسي، لأنه في حالة إدانة الأخير سيكون رجال هذا الجناح أمام اختيار وحيد هو التواري عن الأنظار خوفاً من أن يسقطوا بدورهم في شرك الفساد المالي.
وأكد المصدر أن أزمة المشهد الأخير في مسلسل "نسل الأغراب" لم تكن إثارتها من قبيل الصدفة كما تصور البعض، ولكن هناك من قام بإثارة وتحفيز مسؤولين في وزارة الداخلية وفي الأمن الوطني ضد المخرج محمد سامي، وضد تامر مرسي نفسه، بهدف تصعيد الأمر.
كما أن مسألة تسريب خبر إقالة تامر مرسي نفسها والتحقيق مع مسؤولين في الشركة المتحدة، تشير إلى وجود أياد خفية نفذت هذا التسريب، بحسب المصدر، وهي معلومات لا يملكها إلا مسؤولون في المخابرات باعتبار أن تفاصيل التحقيق سرية كما يقال، كما أن أحداً في مصر لا يعرف أرقاماً دقيقة حول تكاليف إنتاج مسلسلات سينرجي، فمن أين جاءت تلك الأرقام ومن يملك الشجاعة لتسريبها دون خوف من العواقب إلا إذا كان لديه ثقة في حمايته من بطش تامر مرسي؟!
اجتماع محمد سعدي مع مسؤول في إعلام المصريين
من هم المسؤولون الذين سيخلفون المسؤولين المقالين في إعلام المصريين؟ مصدر كبير في المجموعة قال لـ"عربي بوست" إن كل ما يقال في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المواقع الإخبارية لا يزيد عن كونه تكهنات.
وأشار إلى أن تامر مرسي باق في منصبه حتى الآن ولا يوجد قرار رسمي بإقالته، لكن مصدراً مقرباً من المخرج محمد سعدي كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" أن المخرج المقرب من الرئيس المصري والدوائر المحيطة به منذ مشاركته في تنفيذ الحملة الدعائية للسيسي في انتخابات 2014 الرئاسية، تلقى بالفعل اتصالاً من مسؤول كبير في المخابرات دعاه خلاله إلى الاجتماع معه عصر الثلاثاء 25 مايو/أيار في مكتبه بمقر مجموعة إعلام المصريين في ضاحية مصر الجديدة.
ورفض المصدر الكشف عما دار في ذلك الاجتماع، وما إذا تم فيه تكليف المخرج بمنصب في المجموعة كما يتردد، ورد سعدي على ذلك التكليف إن حدث.
وكانت بعض المواقع والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي قد أشارت إلى أنه تم اختيار رجل الأعمال كامل أبوعلي لتولي رئاسة مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بديلاً لتامر مرسي، خصوصاً أنه يملك خبرة جيدة في مجال الإنتاج الفني بجانب أنه شريك للمجموعة بالفعل حيث يملك 50% من أسهم شركة مصر للسينما التي اشترت إعلام المصريين نصفها في يونيو/حزيران 2016.
كما رشحت التكهنات رجل الأعمال حسن عبدالله الرئيس التنفيذي السابق للبنك العربي الإفريقي ورئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية والفرنسية والمستشار السابق في البنك المركزي، والذي يحظى بثقة طارق عامر رئيس البنك المركزي الحالي وزوج داليا خورشيد رئيسة مجلس إدارة شركة إيجل كابيتال المالكة لمجموعة إعلام المصريين، حيث يتولى الأول رئاسة الشركة المتحدة فيما يكلف الثاني بادارة مجموعة إعلام المصريين، على أن يشرف محمد سعدي على الإنتاج الدرامي في الشركة المتحدة.
لكن حتى الآن لم يحسم -بحسب المعلومات التي وصل إليها "عربي بوست"- أي شيء بخصوص الأسماء النهائية والمناصب التي سوف تتولاها.
لكن المصادر ذاتها لم تستبعد أن يعلن عن ذلك في المؤتمر الصحفي المقرر أن تعقده الشركة المتحدة يوم السبت 29 مايو/أيار المقبل، ومن المنتظر أن يحضره تامر مرسي بنفسه للإعلان عن رغبته في التفرغ لإدارة شركة سينرجي التي يملك 50% من أسهمها بينما يملك إعلام المصريين النصف الثاني، ومن المنتظر أن يكون هذ الإعلان تمهيداً لإزاحة "فرعون الإعلام" تدريجياً من المشهد، لكن بعد أن تكون العاصفة التي تهب حالياً قد هدأت.