دعا رئيس وزراء السودان، عبدالله حمدوك، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021، نظيريه المصري مصطفي مدبولي، والإثيوبي آبي أحمد، إلى اجتماع قمة خلال عشرة أيام؛ لتقييم مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بعد وصولها إلى طريق مسدود.
حسب ما نشرته وكالة السودان الرسمية للأنباء، ستناقش القمة الثلاثية المحتملة، الاتفاق على الخيارات الممكنة للمضي قدماً في التفاوض، وتجديد الالتزام السياسي للدول الثلاث بالتوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب وفقاً لاتفاق المبادئ الموقَّع عليه بين الدول الثلاث في 23 مارس/آذار 2015.
فشل جميع الوساطات
جاء ذلك في رسالة وجهها حمدوك إلى نظيريه الإثيوبي والمصري، في وقت وصلت فيه أعمال تشييد سد النهضة لمرحلة متقدمة، مما يجعل من التوصل إلى اتفاق قبل بدء التشغيل ضرورة مُلحة وأمراً عاجلاً، حسب مراقبين.
فيما نصت رسالة حمدوك على أنه "من المؤسف أن تنقضي عشر سنوات من المفاوضات دون التوصل لاتفاق، وعلى الرغم من أنه قد تم إحراز تقدُّم ملحوظ في جولة المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، فقد بقيت عدة نقاط خلاف بلا حل".
فضلاً عن ذلك، لم تُفضِ بدورها المفاوضات التي رعاها الاتحاد الإفريقي منذ يونيو/حزيران 2020 إلى اتفاق، وضمن ذلك الاجتماعات الوزارية التي عُقدت مؤخراً في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي فشلت في وضع إطار للتفاوض مقبول لكل الأطراف، وقد رفضت إثيوبيا المقترح السوداني، الذي أيدته مصر، بالاستعانة بوساطة دولية رباعية بقيادة الاتحاد الإفريقي، رحبت بها الجهات المدعوة للتوسط، طبقاً لما أوردته رسالة حمدوك.
حمدوك رأى أن دعوته تأتي وفقاً لإعلان المبادئ، الذي تنص المادة العاشرة منه على إحالة الموضوع إلى رؤساء حكومات الدول الثلاث إذا تعذَّر التوصل لاتفاق على المتفاوضين، وبما أن المفاوضات المباشرة، وتلك التي تمت برعاية الاتحاد الإفريقي قد فشلت في التوصل لاتفاق، فإن السودان يدعو إلى اجتماع مغلق بين رؤساء وزراء البلدان الثلاثة عبر تقنية الفيديو كونفرنس.
حتى نشر هذا التقرير لم يتسنَّ الحصول على تعقيب إثيوبي أو مصري بشأن الموقف من هذه الدعوة، إلا أنه مؤخراً بات هناك تنسيق واضح بين القاهرة والخرطوم حول تطورات تلك الأزمة.
أمن واستقرار المنطقة بالكامل
كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد صرّح، يوم الإثنين 12 أبريل/نيسان 2021، بأن عدم حل قضية سد النهضة "من شأنه أن يؤثر بالسلب على أمن واستقرار المنطقة بالكامل"، مؤكداً استمرار بلاده في "إيلاء هذا الموضوع أقصى درجات الاهتمام في إطار الحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وذلك باعتبارها مسألة أمن قومي".
جاء ذلك في بيان للرئاسة المصرية عقب لقاء بين السيسي ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي وصل إلى القاهرة، الإثنين، في زيارة غير محددة المدة.
اتفاق قانوني شامل وملزم
خلال هذا اللقاء، شدّد السيسي على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، وفق البيان ذاته.
بدوره، قال وزير الخارجية المصري، في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع وزير الخارجية الروسي، إن بلاده تعول على قدرة روسيا في الدفع نحو وقف الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا في ملف سد النهضة، مشدّداً على أن القاهرة أبدت مرونة في مفاوضات السد، ومعرباً عن أسفه لتعثر المفاوضات بسبب ما وصفه بالتعنت الإثيوبي.
حل يحقق مصالح الأطراف كافة
من جانبه، أكد وزير الخارجية الروسي موقف بلاده الثابت بـ"رفض المساس بالحقوق المائية التاريخية لمصر في مياه النيل، ورفض الإجراءات الأحادية في هذا الصدد"، معرباً عن تقديره ما وصفه بـ"الجهود الحثيثة والمخلصة التي تبذلها مصر في هذا الإطار"، وعن تطلع موسكو إلى "التوصل إلى حل يحقق مصالح الأطراف كافة، من خلال المفاوضات في أقرب وقت ممكن".
لافروف أشار إلى أن بلاده تولي "تطورات ملف سد النهضة اهتماماً كبيراً، كما تتطلع إلى استمرار الحوار بين الدول الثلاث، بشأن التوصل إلى اتفاق مُرضٍ لجميع الأطراف"، مضيفاً: "نحن مقتنعون بأن هناك حلاً لأزمة سد النهضة يضمن المصالح الشرعية للدول الثلاث".
لكن وزير الخارجية الروسي استدرك: "نعول على دور الاتحاد الإفريقي في استئناف المفاوضات"، مشيراً إلى أن روسيا لم تتم دعوتها من قبلُ إلى الوساطة في ملف السد.
تطور العلاقات المصرية الروسية
تأتي زيارة لافروف للقاهرة، تزامناً مع تواتر تقارير إعلامية بشأن قرب استئناف حركة الطيران العارض (رحلات غير منتظمة) من روسيا إلى مطارات البحر الأحمر شرقي مصر، عقب توقفها لأكثر من 5 سنوات، إثر سقوط طائرة روسية قرب مطار شرم الشيخ، ما أسفر عن مقتل 224 شخصاً.
خلال السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات المصرية الروسية تطوراً لافتاً، لاسيما عقب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاهرة، أواخر عام 2017، والتي شهدت توقيع عقود محطة "الضبعة" النووية واتفاقيات اقتصادية أخرى.
إثيوبيا تستنكر رفض السودان ملء السد
إلى ذلك، استنكرت إثيوبيا، الإثنين، رفض السودان بدء المرحلة الثانية من ملء "سد النهضة"، مؤكدةً أنها "عالجت" جميع المخاوف التي تثير حفيظة الخرطوم.
حيث قالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان نشرته على "تويتر"، إن بلادها "عالجت جميع مخاوف السودان التقنية بشأن سد النهضة، خاصة بعد أن قدمت البيانات والمعلومات الضرورية بهذا الشأن"، مشيرة إلى أن سلامة السد "قضية تهم أديس أبابا في المقام الأول"، فيما تساءلت حول "هوية المستفيد من رفض السودان ملء السد".
كما أضافت وزارة الخارجية الإثيوبية أن المسؤولين السودانيين أشادوا لسنوات بأهمية السد لردع الفيضانات، وتنظيم تدفق المياه للري، وإزالة جزء كبير من الطمي والترسيب، وتوفير الطاقة الرخيصة، متسائلة: "كيف سيخدم رفض ملء السد مصالح السودانيين؟".
"سخاء إثيوبي"
في السياق ذاته، اعتبرت الخارجية الإثيوبية أن "مصر لم تعترف بسخاء إثيوبيا، ولم تقدر تفهم أديس أبابا لعقد مفاوضات بحسن نية".
تجدر الإشارة إلى أنه قبل أسبوع، فشل السودان ومصر وإثيوبيا في الوصول إلى اتفاق حول أزمة "سد النهضة"، خلال مفاوضات في عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا، بالتزامن مع حديث مصري سوداني منفصل عن خيارات "مفتوحة" لتأكيد رفضهما للملء الإثيوبي للسد في يوليو/تموز المقبل.
فقد رفضت أديس أبابا مقترحاً للوساطة الرباعية تقدمت به الخرطوم وأيدته القاهرة، يضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي الذي تمسكت بوساطته، التي لم تنجح منذ أشهر طويلة ماضية.
الملء الثاني للسد
تأتي تلك التطورات في ظل إصرار أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل.
جدير بالذكر أن مصر والسودان رفضتا، السبت 10 أبريل/نيسان الجاري، اقتراحاً إثيوبيّاً لتبادل المعلومات بشأن عمليات سد النهضة على النيل الأزرق بعد فشل المفاوضات الأخيرة.
وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات، قال السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".