في إطار المساعي الأردنية الجديدة للتماهي مع الإدارة الأمريكية وتوجهاتها، وفي إطار ترتيب المرحلة القادمة مع الجانب الإسرائيلي، عمد الأردن للتوجه نحو تجديد وإنعاش العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، لكن ليس من خلال رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، بل عبر حزب أزرق-أبيض المنافس الحقيقي لنتنياهو.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نشرت خبراً عن قيام العاهل الأردني الملك عبدالله بالاجتماع سراً في عمّان مع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع وزعيم حزب أزرق-أبيض بيني غانتس.
كما تم الكشف عن اجتماعات أخرى قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع نظيره وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي المحسوب على حزب أزرق-أبيض.
يأتي هذا في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى أنّ حظوظ حزب أزرق-أبيض ليست كبيرة في الحصول على مقاعد كافية لعبور نسبة الحسم بالانتخابات التي ستجري خلال أيام قليلة.
فما الغرض من هذا التقارب بين الأردن وحزب أزرق-أبيض؟
رسالة أردنية لنتنياهو
كشفت مصادر مطلعة في الأردن، رفضت الكشف عن اسمها، لـ"عربي بوست"، أنّ الأردن يسعى إلى إيصال رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو، مفادها أن عمّان لن تقبل بتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وفي هذا السياق رفض الأردن التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب توجهاته المعادية تجاه مسألة حل الدولتين وتجاه ضم الأغوار والوصاية الهاشمية، وبالتالي تعمل على كسر الحاجز والعزلة السياسية التي تعرضت لها القيادة الأردنية منذ أيام الرئيس السابق ترامب.
الأردن وسيط في حل الدولتين
وأوضحت المصادر أن الأردن يترقب انتخابات الكنيست القادمة في 23 مارس/آذار، والتي ستفرز حكومة إسرائيلية جديدة، إذ تسعى عمّان لتدعيم المعسكر الإسرائيلي الذي يؤمن بحل الدولتين، رغم أنه لا يمكن التنبؤ بنتائجه القادمة على المستوى السياسي الإسرائيلي.
فقد بات الأردن مؤمناً أنّه لا يمكن إيجاد حل مع معسكر اليمين المتطرف الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحزب الليكود.
وكانت اجتماعات وزير الخارجية الأردني ونظيره الإسرائيلي، تطرقت إلى التأكيد على مسألة حل الدولتين التي تسعى الأردن إلى لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلاله، بل تسعى إلى استثمار هذا الملف لإنهاء حالة العزلة السياسية التي تعرضت لها منذ سنوات.
توجهات نحو تخفيف حدة التوتر مع الأردن
على الجانب الآخر، ذكرت مصادر مطلعة في مناطق الداخل الفلسطيني لـ"عربي بوست"، أنّ الاجتماعات الأخيرة التي تمت بين العاهل الأردني مع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي واجتماع وزير الخارجية الأردني مع نظيره الإسرائيلي، كانت منسقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وذكرت المصادر أنه تم تخويل كل من بني غانتس وغابي أشكنازي من قبل نتنياهو للقيام بهذه اللقاءات لتخفيف التوتر بين البلدين، ومنها ما يتعلق بإزالة خطة الضم عن جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية، وهذا سيساعد بإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه.
ويسعى حزب أزرق-أبيض إلى إعادة العلاقات الأردنية-الإسرائيلية إلى سابق عهدها، وهذا ما تترجم عبر تصريحات بني غانتس الذي أكدّ على أنّ نتنياهو ساهم في إلحاق الضرر بالعلاقات الأردنية-الإسرائيلية، لكن يبقى هذا الاتهام- بحسب المصادر- ضمن الحملة الانتخابية لحزب أزرق-أبيض الذي يرأسه بني غانتس، فهذا الأخير يعدّ منافساً لنتنياهو في الانتخابات المقبلة في إسرائيل، وكل حزب وطرف إسرائيلي يسعى لتحسين وتعزيز مكانته قبل الانتخابات المقبلة في إسرائيل.
ويحاول بني غانتس استمالة الإسرائيليين للتصويت له في الانتخابات عبر مهاجمة نتنياهو من خلال مسألة العلاقات الأردنية-الإسرائيلية.
لكن في المقابل فإنّ إسرائيل تهدف عبر هذه اللقاءات الأخيرة مع الجانب الأردني، بحسب مصادر مطلعة، إلى تحويل العلاقات مع الأردن إلى علاقات ودية وحميمة بشكل أكثر، وتريد دفع العلاقات إلى الأمام كما حصل مع الإمارات والبحرين، عبر حزب أزرق-أبيض، كما أنّ الأردن يريد أن يكون لها دور أكثر فاعلية في عملية السلام وتسعى إلى الحصول على نفوذ أكثر في المنطقة وتريد استئناف المفاوضات بين إسرائيل والجانب الفلسطيني.
كما أن هناك تخوفات يبديها الجانب الأردني من جراء التأثيرات السلبية لسياسة نتنياهو التي قد تدخل العملية السلمية في مرحلة الجمود، وهذا ما عمدت اللقاءات التي تمت مؤخراً إلى التركيز عليه، مشيراً إلى بني غانتس وغابي أشكنازي أرسلوا عبر لقاءاتهم الأخيرة رسائل تطمين إلى الأردن.
اختراق أردني في التيار المناهض لليمين المتطرف
يوضح المستشار السياسي والأمني المقرّب من دوائر القرار الأردنية محمد الملكاوي في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن اللقاء الذي جمع العاهل الأردني الملك عبدالله مع نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي بني غانتس رئيس حزب أزرق-أبيض، ولقاءات وزيري الخارجية الإسرائيلي والأردني، كلها محاولة من الجانب الأردني لتحقيق نوع من الاختراق في التيار المناوئ والمناهض لتيار اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده بنيامين نتنياهو.
وأشار إلى أنّ الأردن يركز على يسار الوسط الإسرائيلي الذي يعتقد المسؤولون الأردنيون أنّه من الممكن تحقيق شيء في هذا المسار.
وأوضح أن المشكلة التي يواجهها الأردن أن نتنياهو يحاول أن يقنع السلطة الفلسطينية وبعض القيادات الفلسطينية بأنّ الفلسطينين داخل الخط الأخضر يجب أن يقفوا إلى جانب نتنياهو، وألا يقفوا بجانب القائمة العربية المشتركة، مقدماً وعوداً وتنازلات للسلطة.
وبحسب الملكاوي، فإن فإن الأردن بات يعي هذه المواقف ويبدي استياء تجاهها، خاصة في ظل أنّ الصف الفلسطيني في الخط الأخضر يبدي انحيازاً نسبياً إلى جانب نتنياهو. كما يبدي الأردن قلقاً من عدم توحد الصف العربي في مناطق الـ48، واصطفاف الكثير منه إلى جانب نتنياهو، مما يعني وقوفهم في وجه حل الدولتين الذي لا يؤيده نتنياهو.
وتبدو خيارات عمان محدودة جداً في هذه المرحلة، لذلك يأمل في حدوث تغيير وانقلاب في المعادلة السياسية في الانتخابات الإسرائيلية القادمة حتى يكون هناك ائتلاف جديد مناهض لنتنياهو ومناهض لليمين الإسرائيلي المتطرف في تشكيل حكومة إسرائيلية.
رفض التعامل مع نتنياهو
وأوضح الملكاوي أن دوائر صنع القرار الأردني تحاول أن تتحرك وتفعل شيئاً تجاه ما يجري وما يحدث في الساحة الفلسطينية والإسرائيلية، لكن اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده نتنياهو لا يزال يسيطر على المشهد السياسي في الداخل الإسرائيلي وقادر على تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة التي ستكون حكومة عداء لكل ما يجري.
ويكشف الملكاوي أن الملك عبدالله يرفض التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، لأنّه غير صادق مع الفلسطينيين والأردنيين ويتعامل بطريقة ملتوية مع القضايا الداخلية والخارجية.
رهان خاسر
لكن يرى الملكاوي أنّ رهان الأردن على زعيم حزب أزرق-أبيض هو "رهان خاسر"، بحسب رؤيته، لأنّ غانتس لم يعد له قوة ونفوذ في إسرائيل، على حد تعبيره. واستشهد الملكاوي بطلب أكثر من 100 جنرال وضابط إسرائيلي طلبوا منه عدم خوض الانتخابات حتى لا يعطي فرصة لنتنياهو للنجاح بقوة في الانتخابات.
ويشير الملكاوي إلى أنّ التحليلات الإسرائيلية العميقة تؤكدّ أنّ الانتخابات الرابعة التي ستجرى في شهر مارس/آذار لن تكون ناجحة وستقود إلى انتخابات إسرائيلية خامسة بعد ذلك، ومن هنا فإنّ رهان الأردن على يسار الوسط الإسرائيلي هو رهان ليس في محله ومكانه، مشدداً على أنّ الأردن يجب أن يجد طريقاً آخر حتى تكون له قوة نافذة داخل الحكومة الإسرائيلية وداخل الكنيست الإسرائيلي.
مرجعيات العلاقات الأردنية-الإسرائيلية
العلاقات الأردنية-الإسرائيلية محكومة بعدد من المرجعيات، أولاها مسألة التعامل مع إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو منذ ما يزيد على عشر سنوات ورئاسته للحكومة بالتعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة.
خلال هذه الفترة كانت محطات تاريخية مهمة جداً كادت أن تصل فيها العلاقة إلى حالة التدهور بين الجانبين الإسرائيلي والأردني، من بين هذه المحطات حادثة الاعتداء الإسرائيلي على مواطنين أردنيين بالسفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأردنية عمان، ومحطة وقف تأجير أراضي الباقورة والغمر، بالإضافة إلى العديد من المحطات السياسية الأخرى التي كانت ترسل رسالة لأي متابع بأنّ هناك خلافات بين الأردن وإسرائيل.
وأوضح الخبير في الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، القريب من الدوائر الرسمية الأردنية، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ اللقاءات الأخيرة التي تمت بين الجانب الأردني والإسرائيلي، راعت التغيير الذي تمّ في الإدارة الأمريكية الذي جاء في أعقاب انحياز إدارة يمينية أمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى جانب إسرائيل، وما تبعه من اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإلغاء قضية اللاجئين واعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان خلافاً للقرارات الدولية، وطرح "صفقة القرن" ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل بين الإسرائيليين وبعض الأطراف العربية وهو ما ترجم عبر تطبيع مع دولة الإمارات والبحرين.
ويضيف الرداد معقباً على تلك الاجتماعات قائلاً: "في ظل هذا الواقع الجديد ممثلاً بقدوم الديمقراطيين برئاسة ترامب، تدرك إسرائيل والأردن وكل الأطراف الفاعلة في المنطقة أنّ هناك تغييراً قادماً استناداً لما جرى في واشنطن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".
وأوضح أن الديمقراطيين يؤمنون ويعلنون الالتزام بحل الدولتين، ومن المؤكد أنّهم لن يذهبوا إلى قضايا اتخذها ترامب ومنها ما يتعلق بقضية القدس، مع إبداء تحفظ على قضية ضم الجولان، التي ستتم إعادة النظر فيها من قبل بايدن في سبيل تحقيق سلام مع سوريا، على حد تعبيره.
وعلى ضوء ذلك فإن الأردن يراهن بشكل جاد جداً على قدوم حزب أزرق-أبيض للحكم وتشكيل ائتلاف إسرائيلي جديد يتناسب مع المرحلة ويتناسب مع التغيير الذي طرأ في الإدارة الأمريكية، إذ يشدد الرداد على أن هذا الرهان غير معروف ما مدى موضوعيته، إذ سيتبين بعد أيام قليلة من عقد الانتخابات الإسرائيلية وعلى ضوء النتائج سوف يتضح موقف وسياسة الأردن بشكل أكبر.
حكومة إسرائيلية أقل تطرفاً
لكن من المرجح وبشكل قوي أنّ حزب الليكود ونتنياهو سيفوز بعدد كبير من المقاعد، رغم ما حصل من انشقاقات داخل الأحزاب الإسرائيلية وخاصة الموالية لنتنياهو، ومع ذلك يبقى التقدير الأردني أنّ شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة سيكون أقل يمينية وتطرفاً، وهذا ما يدفع الأردن لممارسة دور جديد على صعيد القضية الفلسطينية ويعتقد معه أنّه يذهب باتجاهات أخرى تتمثل في وقف الجمود والتعثر في عملية السلام والمنطقة.
علاوة على ذلك فإنّ الأردن أصبح أكثر حضوراً بالمشهد السياسي الإقليمي في المنطقة، وهذا ما يعوّل عليه الأردن بدلالة هذه العلاقات الواسعة التي بدأها في المنطقة وأصبحت تتوثق وتتنفس الصعداء بعد مرحلة ترامب، كان آخرها زيارة العاهل الأردن إلى السعودية.
ومع تعزيز الأردن علاقاته مع الإمارات، والانفراجات الكبيرة مع دولة قطر، بات الأردن قادراً على لعب دور مهم ورئيسي يعيد له ما كان يمارسه قبل قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، حيث تميزت العلاقات الأردنية-الأمريكية بالبرود في ظل توجهات ترامب لبناء علاقات مع دول الخليج وإسرائيل في إطار ما عرف بـ"صفقة القرن".
وفي سياق متصل يؤكد المستشار السابق في وزارة التنمية الدكتور حسام العبداللات، أن الهدف من هذه اللقاءات في ظل التطبيع الذي قامت به عدد من الدول الخليجية والعربية مع إسرائيل مؤخراً، هو رغبة الأردن الخروج من العزلة السياسية، بعد أن شعر أنّ دوره في المنطقة أصبح هامشياً وأنّ دوره الجيو-سياسي لقربه من فلسطين المحتلة بدأ يفقد بصماته.
لذلك الأردن يسعى إلى أن يقول للمنطقة وللعالم إننا هنا، من خلال إعادة بناء جسور التواصل مع إسرائيل، فالدور الذي يبحث عنه الأردن يدخل في هذا الإطار، ويدخل في إطار المحاولة لإعادة الدور الأردني القديم الذي تراجع في المرحلة السابقة، منوهاً إلى أنّ الأردن يبحث عن مقومات استمراريته.