كشف موقع Middle East Eye البريطاني، الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أنَّ شرق السودان شهد احتجاجات واسعة النطاق في الأيام الأخيرة، حيث عطَّل المتظاهرون أكبر ميناء في البلاد، وهددوا بقطع إمدادات النفط، ودعوا إلى الاستقلال عن الخرطوم.
إذ وقَّعت حكومة الخرطوم الانتقالية، يوم السبت 3 أكتوبر/تشرين الأول، اتفاقاً لحل النزاع مع الجبهة الثورية السودانية، وهي تحالف يضم العديد من الجماعات المتمردة الحالية والسابقة في إقليم دارفور، وولايتي النيل الأزرق، وجنوب كردفان في الجنوب.
رفض اتفاق السلام: أفادت مصادر لموقع Middle East Eye البريطاني، بأن العمل قد استُؤنف بميناء بورتسودان يوم الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول، بعد مفاوضات بين العمال المضربين وحكومة الخرطوم.
مع ذلك، ما يزال الغضب موجوداً، حيث يواصل المتظاهرون التعبير عن غضبهم من اتفاق السلام بين الحكومة ومتمردي الشرق.
إذ وقَّع القائد العسكري السوداني محمد حمدان دقلو المشهور باسم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية سيئة السمعة، الاتفاق نيابةً عن الحكومة السودانية.
تضمَّن اتفاق السلام الموقَّع في جوبا، عاصمة جنوب السودان، خمسة مسارات تهدف إلى إنهاء عقود من الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص.
لكن المتظاهرين طالبوا بتجميد "المسار الشرقي" للصفقة، التي قالوا إنّ مَن وقَّعها جماعات لا تمثل القوى السياسية الرئيسية على الأرض. وطالبوا باستقلال شرق السودان، وهو مطلب غير مسبوق في تاريخ البلاد التي شهدت انفصال جنوب السودان قبل أقل من عقد من الزمان.
حتى الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول، أغلق المتظاهرون الموانئ الرئيسية على الساحل، وضمن ذلك ميناءا بورتسودان وسواكن، وكذلك قطعوا الطريق الرئيسي الذي يربط الأول ببقية البلاد، ومنها العاصمة الخرطوم. كما هددوا بالاستيلاء على خطوط أنابيب النفط والموانئ التي تصدِّر النفط من دولة جنوب السودان المجاورة.
إذ تعد مدينة بورتسودان، الواقعة على البحر الأحمر، مركز الاحتجاجات، وبوابة لنحو 80% من صادرات وواردات البلاد.
لماذا يرفض "الشرق" الاتفاق؟ كان سكان بورتسودان من أوائل الذين انضموا إلى الاحتجاجات الشاملة التي هزت البلاد في العام الماضي، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
أما الاضطرابات الحالية، فبدأت يوم الأحد 4 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أغلق محتجون، من بينهم عمَّال في الميناء وسكان محليون ينتمون إلى قبائل البجا الأصلية، عدداً من بوابات المحطة الجنوبية؛ للتنديد بما وصفوه باستبعادهم من المحادثات التي أدت إلى الاتفاق.
كانت أقلية البجا العرقية في عام 2005 ضحيةً لما أصبح يُعرف فيما بعد بمذبحة بورتسودان، حيث قتلت قوات البشير الأمنية نحو 21 من أفرادها وأصابت مئات آخرين، خلال احتجاجات في بورتسودان تطالب بتخصيص موارد أكبر للشرق الفقير.
كما شهدت المنطقة الشرقية كذلك اشتباكات قبلية دامية في يونيو/حزيران 2019، وسط فراغ أمني أعقب الإطاحة بالبشير.
إضافة إلى المظالم القبلية والاقتصادية التي تمثل قلب الصراع، تُحرِّك المتظاهرين أيضاً مخاوفُ من التدخل الأجنبي من قِبل داعمي الاتفاق في الخليج العربي.
في بداية عام 2019، أشعلت تقارير عن صفقة سرية موقعة بين حكومة البشير وشركة فلبينيةٍ مقرها دبي، اضطرابات واعتصامات من قِبل عمَّال الميناء، أدت إلى شل أحد أهم الشرايين الاقتصادية في البلاد.
ففي ذلك الوقت، كان يُعتقد أنّ الشركة الفلبينية كانت واجهة للمستثمرين الإماراتيين؛ مما أثار مخاوف من فرض هيمنة أجنبية على هذا الميناء الحيوي. ومع ذلك، نجحت الاحتجاجات في تعليق عقد الإيجار.
"باي باي خرطوم": قال شهود عيان ومتظاهرون لموقع Middle East Eye، إن الآلاف شاركوا في احتجاجاتٍ، هذا الأسبوع، في بورتسودان وسواكن، وكذلك في مدن سنكات وهيّا ودرديب وغيرها.
أظهرت مقاطع مصورة تداولها نشطاء وأفراد من قبيلة البجا، محتجين يهتفون: "باي باي خرطوم" و"البجا دولة".
وفقاً لمصادر متعددة، شهدت شوارع وموانئ شرق السودان هدوءاً نسبياً منذ التوصل إلى اتفاق يوم الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع الحكومة المركزية، على عقد مؤتمر مع قادة الاحتجاج؛ لمناقشة اتفاق السلام.
بينما صرَّح عبودي الشربيني، رئيس تجمُّع عمال هيئة الموانئ البحرية، لموقع Middle East Eye، الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول، بأن المتظاهرين أغلقوا جميع بوابات النواحي الجنوبية والشمالية من بورتسودان وكذلك سواكن، محذراً من أن المحتجين قد يغلقون الميناء في بشائر، حيث يُصدَّر النفط القادم من جنوب السودان.
كما اتّهم الشربيني الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بترتيب اتفاق السلام في جوبا؛ من أجل "إعادة تصميم البلاد والسيطرة عليها"، من خلال الاستيلاء على موانئ السودان الاستراتيجية.
تدخلات خارجية ومحاولات للسيطرة: فيما أشار أبوبكر البخيت، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة البحر الأحمر، إلى أن التنافس الإقليمي والدولي على السواحل والموانئ الإفريقية- خاصةً على البحر الأحمر والقرن الإفريقي- يؤجج الصراعات في شرق السودان.
كما قال إن المنافسة اشتدت بعد الخلاف بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى. وأضاف أن التنافس قد يشمل أيضاً سباقاً بين الولايات المتحدة والصين. وصرَّح: "كل هذه القوى تريد الاستفادة من الهشاشة السياسية والأمنية والاقتصادية للسودان خلال الفترة الانتقالية، لكسب موطئ قدم في السواحل السودانية".