"حتى التعليم الذي كنا نتمنى أن ينتشل أولادنا من الفقر سيرتفع سعره ويزيدنا هماً"، بهذه الكلمات عبرت أم أمنية، عن غضبها من قرار رفع المصروفات المدرسية لطلاب المدارس الحكومية في مصر.
وكانت مصر شهدت جدلاً واسعاً بعد قرار وزارة التعليم برفع الرسوم الدراسية لطلاب المدارس الحكومية في العام الدراسي الذي يوشك على البدء بعد أيام، وتحديداً في 17 أكتوبر/تشرين الأول.
أم أمنية، التي لديها ولد وبنتان في التعليم الثانوي بالإضافة لابن بكلية الصيدلة، هي سيدة بسيطة جاءت من الريف إلى القاهرة قبل سنوات بعد موت زوجها لتعمل خادمة في المنازل للإنفاق على أولادها، تصف القرار بـ"الظالم"، ومن شأنه أن يؤدي إلى عزوف الأهالي عن تعليم أبنائهم، على حد قولها.
وأوضحت أنها تعيل كل هؤلاء عبر المَال الذي تتحصل عليه من خدمتها في المنازل فضلاً عن "مساعدة ولاد الحلال"، بصعوبة شديدة، لكن صدمتها جاءت عندما ذهبت للمدرسة لدفع مصروفات العام الدراسي الجديد، وعلمت أن عليها تدبير مبلغ لا يقل عن 1500 جنيه للمصروفات فقط.
لكن الصدمة الأكبر لها جاءت عندما سألت عن مجموعات التقوية التي أعلنت عنها الوزارة لمحاربة الدروس الخصوصية، لتجد أن الحصة الواحدة تتكلف 80 جنيهاً، أي أن المادة الواحدة للابن الواحد ستحتاج إلى 400 مقابل 5 حصص شهرية.
المشكلة هنا كانت أن قرار وزير التعليم يمس أولياء أمور ما يزيد عن 21 مليون طالب في مختلف المراحل الدراسية دون الجامعية، فضلاً عن مغزاه السياسي بمخالفة الحكومة المصرية للدستور الذي تنص مادته التاسعة عشرة صراحة على أن التعليم المجاني حق أساسي لكل مواطن مصري.
أم أمنية فكرت جدياً أن تكتفي بتعليم الولد فقط والاكتفاء بهذا القدر من التعليم لابنتيها حتى تساعداها في العمل، خصوصاً أن صحتها لم تعد تتحمل تنظيف المنازل يومياً 6 أيام في الأسبوع، "صحيح ليس هذا هو المستقبل الذي كنت أطمح فيه لبناتي لكن ما باليد حيلة وماذا أفعل إذا كانت حكومة بلدنا لا ترأف بحال الغلابة في مصر".
وأبدى كثير من المواطنين والمتخصصين اعتراضهم على لجوء وزير التعليم المصري طارق شوقي لزيادة المصروفات، كما شكا آخرون من إثقال كاهلهم بزيادة مصروفات المدارس الحكومية مشيرين إلى أنها "هم فوق هم".
وإضافة لما سبق سيضطر قطاع واسع من المصريين الاشتراك في باقات إنترنت منزلية بمتوسط 160 جنيهاً شهرياً من أجل الحصول على سرعة تلائم الدروس التي سيأخذونها أونلاين كونهم سيذهبون للمدرسة 3 أيام بالأسبوع والباقي سيكون دروساً من المنزل.
الهم الأول: المصروفات المدرسية
يَوم 21 سبتمبر/أيلول، عممت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني القرار الوزاري رقم 155 لسنة 2020، الخاص بتحديد الرسوم والغرامات والاشتراكات ومقابل الخدمات الإضافية التي تحصل من طلاب وطالبات المدارس بمختلف مراحل التعليم العام والفني للعام الدراسي 2020/202.
وحددت الوزارة المصروفات الدراسية لطلاب المدارس الحكومية بمبلغ 300 جنيه من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثالث الابتدائي، ومن الصف الرابع حتى الثالث الإعدادي 200 جنيه، ومن الصف الأول الثانوي حتى الصف الثالث الثانوي 500 جنيه، وطلاب صفوف التعليم الثانوي الفني بكافة أنواعه وأنظمته (3 و5 سنوات): 200 جنيه.
وتراوحت الزيادة التي أقرتها الوزارة ما بين 17% للتعليم الثانوي الفني، وبين 156% للتعليم الثانوي العام، حيث كانت رسوم مصروفات المدارس الحكومية العام الماضي تبلغ لمرحلة رياض الأطفال: 145 جنيهاً، وفي المرحلة الابتدائية: 160 جنيهاً، والمرحلة الإعدادية: 150 جنيهاً، والمرحلة الثانوية العامة: 195 جنيهاً، والتعليم الفني بجميع أنواعه: 170 جنيهاً.
هذا يعني أن الطالب في المتوسط سيدفع 300 جنيه مصروفات دراسية سنوياً.
الهم الثاني: باقة الإنترنت
واشار أولياء أمور إلى أن عدد مرات الحضور خلال أيام الأسبوع تم تحديده بيومين أو ثلاثة فقط في المدارس، وهو ما يعني أن على ولي الأمر شحن باقات إنترنت مناسبة حتى يتمكن أبناؤه من الدخول على المنصات التعليمية المختلفة.
يذكر أن الطلبة في مصر سيدرسون عدداً من المقررات عبر منصات تعليمية ويتلقون دروساً عبر تطبيقات زووم وغيرها، لشرح المواد الأساسية.
هذا يعني تكلفة إضافية على الأسر المصرية التي كانت تكتفي في بعض الأحيان بباقة إنترنت منزلي في حدود 70 جنيهاً شهرياً، لكن الآن عليها أن ترتفع إلى 160 جنيهاً في الشهر حتى تكون بسرعة ملائمة لتلبية الاحتياجات والدخول على المنصات التعليمية وتلقي الدروس بالفيديو.
هذا الأمر يعني قرابة 1500 جنيه خلال الشهور الثمانية أو 2000 جنيه خلال العام كله.
الهم الثالث: مجموعات التقوية
لم يتوقف مص دماء الغلابة عند هذا الحد بل قام الوزير بإغلاق مراكز الدروس الخصوصية تحت مبرر القضاء على كل تعليم مواز للتعليم المدرسي يستنزف جيوب أولياء الأمور الذين ينفقون أكثر من 30 مليار جنيه سنوياً عليه.
لكن يبدو أن الوزارة "طمعت" في أموال الدروس الخصوصية وجهزت المدارس على مستوى الجمهورية لبدء مجموعات التقوية في أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والتي تأمل وزارة التربية والتعليم أن يعتمد عليها أولياء الأمور كبديل عن الدروس الخصوصية.
وكان الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، قد أعلن أن نظام مجموعات التقوية الجديد سيجعل المعلم هو المستفيد الأول بأكثر نسبة من مبالغ هذه المجموعات، حيث تكون نسبته 80% من إجمالي الحصيلة، علما بأن أسعار مجموعات التقوية في المدارس تبلغ 80 جنيهاً.
وبحسبة بسيطة، فإن الطالب سيحتاج إلى 400 جنيه شهرياً للمادة الواحدة، وقرابة 2000 جنيه لخمس مواد في المتوسط، وهو ما يعني حوالي 16 ألف جنيه خلال 8 شهور من الدراسة في العام الواحد.
وبإضافة المصروفات المدرسية ورسوم باقة الإنترنت وحوالي 100 جنيه رسوم تأمين لجهاز التابلت التعليمي الذي تسلمه الوزارة للطلبة، فإن الطالب المصري يحتاج سنوياً لحوالي 18 – 19 ألف جنيه.
مجموعات تقوية أم دروس خصوصية؟
وأضاف شوقي خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "على مسؤوليتي"، عبر فضائية "صدى البلد" أن "المدرس ممكن يعمل 3000 جنيه في يوم واحد في ساعتين"، أي نحو 90 ألف جنيه شهرياً، موضحاً أن الوزارة تقدم نماذج اقتصادية تسمح للمعلم بزيادة دخله كلما اجتهد أكثر.
واعتبر متخصصون في التعليم مجموعات التقوية هي الاسم الحركي للدروس الخصوصية بعد إجراء تعديل عليه، مع الفارق أن الوزارة أصبحت شريكة في الدروس الخصوصية، وتحويلها من خارج أسوار المدارس إلى داخلها تحت مسمى آخر وهو مجموعات التقوية.
ويرى طارق السيد وهو صحفي متخصص في التعليم أن الوزير ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية ستكون مجموعات التقوية تقنيناً للدروس الخصوصية، خاصة أن الوزارة لم تنجح في مواجهتها والقضاء عليها بشكل جذري، ومن ناحية أخرى تخفف عن الوزارة عبء زيادة رواتب المعلمين الذين باتت مطالبهم صداعاً في رأس النظام هم والأطباء.
المفارقة أنه حتى العاملين في وزارة التعليم لا يعرفون الفرق حتى الآن حيث كشف مدير بإحدى الإدارات التعليمية بمحافظة القاهرة، لـ"عربي بوست" أنه لا يعرف أي معلومات عن نظام ورسوم مجموعات التقوية ولا يستطيع بالتالي التحدث عن أي تفاصيل تخصها انتظاراً لوصول تعليمات مكتوبة من الوزارة، يفترض أن توضح آليات تنظيم عمل المجموعات المدرسية.
ورغم عدم وضوح الرؤية إلا أن المدير كشف أنه أعطى توجيهات للمدارس التي تقع في نطاق إدارته بتجميع أسماء الطلاب الراغبين في أخذ مجموعات والمعلمين المرغوب في الدراسة معهم، حتى "نكون جاهزين فور وصول تعليمات الوزارة لبدء المجموعات فوراً قبل نهاية الشهر الحالي".
في الجهة الأخرى من المشهد رفض كثيرون من أولياء الأمور فكرة المجموعات المدرسية لأنها ليست سوى نسخ لفكرة الدروس الخصوصية.
وقال عماد محمد وهو أب لثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة: هل معقول تغلق الوزارة مراكز الدروس الخصوصية اللي كانت الحصة فيها 30 و40 و50 جنيهاً ويكون البديل مجموعة تقوية مدرسية بـ 80 جنيهاً في الحصة الواحدة.. كيف يكون بديل الوزارة أغلى من المراكز الخصوصية؟
ويتساءل عما إذا كانت عودة مجموعات التقوية وزيادة أسعارها طريقة لتحسين دخل المعلمين، مقابل زيادة العبء على كاهل ولي الأمر؟ وهل سيكون القضاء على أباطرة الدروس الخصوصية، بأن تدخل الوزارة شريكة في تحصيل الأموال التي تدفع في تلك الدروس؟!
ويستكمل قائلاً إنه ليس ضد تحسين وضع المعلم المادي بشرط ألا يكون على حساب ولي الأمر الذي بالتبعية لا يثق في المحتوى المقدم للطالب، كما أن أولياء الأمور الذين يعطون أبناءهم مجموعات تقوية هم الأسر البسيطة، فكيف يستطيعون دفع هذه المبالغ في المجموعات.
يذكر أن مجموعات التقوية متواجدة منذ خمسة عقود تقريباً وظهرت في المدارس الحكومية في أواخر عام 1970 وانتشرت منذ بداية عام 1980، بهدف دعم وتقوية الطلاب الضعاف داخل كل مدرسة بمقابل مادي رمزي لا يكلف ولي الأمر، وبعد تفاقم الدروس الخصوصية وانتشارها تحولت كبديل للتعليم الحكومي، وتم الاستغناء عن مجموعات التقوية من قبل أولياء الأمر لقناعتهم بعدم جدواها.
السيسي يعد المعلمين بتحسين أوضاعهم
يوم 14 سبتمبر/ أيلول 2019، تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال جلسة "اسأل الرئيس"، ضمن فعاليات المؤتمر الوطني الثامن للشباب عن مطالب المعلمين بزيادة الحافز المادي في المنظومة الجديدة، قائلًا إن مصر بها 1.8 مليون معلم، وإنه في حالة زيادة رواتبهم بمعدل 1000 جنيه شهرياً سوف تبلغ تكلفة ذلك على ميزانية الدولة 13 مليار جنيه.
ولم يعرف بعد كيف حسب الرئيس المصري تلك الأرقام، لأن الزيادة المطلوبة في الميزانية شهرياً ستبلغ ملياراً و800 مليون جنيه، ما يعني أن تبلغ سنويا 21.6 مليار جنيه.
وبعد مرور عام، عاد الرئيس المصري في 16 سبتمبر/ أيلول 2020 خلال افتتاح الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا بمدينة برج العرب بالإسكندرية، ليعلن بشرى سارة للمعلمين بتكليف الحكومة بتحسين الأوضاع المالية للمعلمين في المدارس الحكومية بأسرع وقت ممكن، وعرض خطة الزيادة المالية عليه شخصياً تمهيداً لاعتمادها بشكل يتناسب مع وضعهم الاجتماعي.
وأوضح أن الدولة قررت أن تقوم بإعفاء المدرسين من الضرائب.
بنسبة 60%وهذا سيتم تطبيقه خلال العام القادم، مضيفاً أن علاواتهم ستزيد بنسبة 10% إلى 12%، لافتاً إلى أن الدولة زادت الحافز الإضافي للمدرسين من 150 جنيهاً لـ375 جنيهاً.
في المقابل أمسك وزير التعليم العصا من المنتصف بقوله إن الوزارة تدرس زيادة رواتب المعلمين، ولكن لن يتم تطبيقها بالسرعة التي يتوقعونها، مؤكداً أن الأمر سوف يستغرق حوالي 3 أشهر حتى تتم دراسة الموارد التي تسمح بتنفيذ هذا القرار.
الحكومة المصرية تلجأ إلى "جيوب الغلابة" لتمويل زيادة المعلمين
وأوضح الوزير أن أغلب المعلمين يقترحون طرقاً مختلفة لتحقيق الزيادات، ولا يعلمون أن وزارة المالية هي التي تمنع زيادة رواتبهم، لأنه لا توجد نصوص في قانون الخدمة المدنية تسمح بهذه الزيادة.
ولفت الوزير خلال لقاء تليفزيوني إلى أن الوزارة تبحث عن حلول غير تقليدية لتحسين رواتب المعلمين لكن عليهم أن يصبروا.
وألمح الوزير إلى أن هذا العام هو عام تقدير المعلم وسوف نقدم له العديد من الطرق التي يستطيع أن يرفع بها دخله المعيشي من المجموعات المدرسية وغيرها من الطرق.
الطريف أن أحداً لم ينتبه إلى أن الوزير قصد بكلمته "طرقاً غير تقليدية لزيادة دخل المعلمين" أنه ينوي تحميل تلك الزيادات على جيوب أولياء الأمور وعلى حساب مجانية التعليم الذي يعمل به في مصر منذ أكثر من 80 عاماً، منذ أن تبنت حكومة نجيب الهلالي باشا قانوناً يقضي بمجانية التعليم الابتدائي في أول تطبيق للمادة 19 من دستور 1923 الذي نص على أن "التعليم الأولي إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجاني في المكاتب العامة".
لجأ طارق شوقي كعادة الحكومة المصرية إلى الطريق الأسهل وهو "جيوب الغلابة" لتمويل الزيادة التي وعد بها الرئيس، فقام برفع رسوم مصروفات المدارس الحكومية دون أن يأبه لمخالفة ذلك للدستور الذي شدد فى مادته الـ19، على "أن التعليم حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية".
ولم تكد تمر 5 أيام على توجيهات الرئيس حتى ظهر قرار زيادة المصروفات المدرسية.
الزيادة في الرسوم الدراسية تبلغ 1.6 مليار جنيه
وتشير تقديرات "الملخص الإحصائي للتعليم ما قبل الجامعي للعام الدراسي 2019-2020″، إلى أن إجمالي عدد الطلاب في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي في مصر يبلغ 23 مليوناً و567 ألفاً و60 طالباً، منهم 21 مليوناً و53 ألفاً و496 طالباً بالمدارس الحكومية، ومليونين و513 ألفاً و564 طالباً بالمدارس الخاصة.
ووفقاً للملخص الرسمي الصادر عن الإدارة العامة لنظم المعلومات بوزارة التربية والتعليم نفسها، فإن أعداد الطلاب في المدارس الحكومية في مرحلة رياض الأطفال تبلغ 1,458,909 طلاب وبالتالي سوف تبلغ الزيادة التي يتم تحصيلها منهم 226,130,895 مليون جنيه.
أما طلاب المرحلة الابتدائية فيبلغ عددهم وفقاً للملخص 12,820,294 مليون طالب، سوف تبلغ الزيادة التي يدفعونها 512,811,760 مليون جنيه.
وطلاب المرحلة الإعدادية يبلغ عددهم 5,238,908 وبالتالي فإن إجمالي الزيادة في رسومهم الدراسية سوف يبلغ 261,945,400 مليون جنيه. أما بالنسبة لطلاب الثانوي العام فيبلغ عددهم 1,819,497 سوف يدفعون رسوماً دراسية بزيادة تقدر بـ 554,946,585 مليون جنيه، في حين أن الزيادة في مصروفات طلاب الثانوي الفني البالغ عددهم في مختلف أنواع التعليم الفني 2,053,505 مليون طالب، ستبلغ 61,605,150 مليون جنيه.
بموجب هذا الإحصاء فإن الزيادة في الرسوم الدراسية التي سوف تقوم وزارة التعليم بتحصيلها هذا العام سوف تبلغ 1,617,439,790 مليار جنيه.
خبراء يحذرون
قرارات الوزير أثارت استياء خبراء تربويين، ومنهم كمال مغيث الذي انتقد بشدة قرار زيادة مصروفات المدارس لمختلف المراحل التعليمية، متسائلاً بتهكم عن السبب الذي جعل وزارة التعليم تقرر رفع المصروفات الدراسية أضعافاً مضاعفة، دون أن تعبأ بالدستور الذي ينص على مجانية التعليم فى مدارس الدولة.. ودون أن تعبأ بأن أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر.
وتابع تساؤلاته ساخراً "أيضاً ما الذى يدفعها (الوزارة) لتجبر أهالي طلاب الثانوي على الاشتراك في باقات الإنترنت لمجرد قراءة كتبهم أونلاين بعدما امتنعت الوزارة عن طباعتها.. والدخول على بنك المعرفة والمنصات التعليمية.. ودون أي دراسة لقدرات ولا واقع ولا بيئات الطلاب، الإجابة لن تبتعد كثيراً عن فكرة المراوغة واللصوصية".
وانتقل مغيث من السخرية إلى التحذير الجدي من كارثة سوف تحدث في المستقبل القريب بأن وزير التعليم وقراراته يساهم في تفريخ ملايين المتشددين الدينيين فيقول إن المعاهد الأزهرية تضم نحو مليوني طالب وطالبة فى نحو عشرة آلاف معهد أزهري، وقد كتب كثيرون عن خطورة مناهج الأزهر الشرعية التى تخاصم العصر، وطالبوا بتوحيد جميع أنواع التعليم قبل الجامعى باعتباره واحداً من أهم مكونات المواطنة الفعالة والمسؤولة.
لكن عندما يأتي وزير التعليم ويرفع قيمة الرسوم المدرسية أضعافاً مضاعفة بينما تكون مصروفات الأزهر 49 جنيهاً للابتدائي و59 جنيهاً للإعدادي، و72 جنيهاً للثانوي، فإن معنى هذا ببساطة أن ملايين من الأسر سوف تسعى لنقل أولادها من التعليم الحكومي للتعليم الأزهري، أو التقدم إليه منذ البداية، لتتفاقم مشكلات الازدواجية التعليمية والانتماء الوطني والتطرف الديني. في دولة تقول إن محاربة التطرف والإرهاب أولى أولوياتها.
واختتم التربوي كلامه معلقاً بعصبية ظاهرة على ما يحدث مستغرباً أن "كل هذا يتم دون مشاورة مجلس أعلى للتعليم.. ولا مجلس نواب.. ولا مجلس خبراء.. ولا أي مجلس استشاري، وليس هذا سوى مفهوم جديد للإدارة هو (الإدارة بالبلطجة)".
في نفس الطريق سارت رشا عزب، وهي صحافية مصرية حيث انتقدت في تويتر هذا القرار بزيادة المصروفات.
وفي تبرير غير منطقي رد طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، على زيادة المصروفات خلال برنامج "الحكاية" على شاشة mbc مصر، فقال إن الطالب سيحصل على كل وسائل التعليم الرقمي التي وفرتها الوزارة، مقابل المصروفات التي سيدفعها.
وأضاف موجهاً حديثه لكل طالب قائلاً "الدولة المصرية تعطيك قيمة عالية جداً بالفلوس دي".
زيادة المصروفات قد تتسبب في عزوف الملايين عن التعليم
وكما تفكر أم أمنية بمنع ابنتيها من استكمال التعليم، انتقد الكثير من المصريين القرار مؤكدين أنه يعتبر بمثابة إلغاء لمجانية التعليم التي ينص عليها الدستور، في وقت يرون فيه أن الحكومة تغض البصر عن أوضاعهم المعيشية الصعبة وتشعرهم أنها تمنّ عليهم فيما هو حق لهم.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، دشن أولياء أمور على بعض المجموعات التعليمية هاشتاج "#ارحمونا"؛ مؤكدين أن لا أحد يحس بالمشكلة مثل من لديه ولد واثنان وثلاثة بالمدارس، خصوصاً أن الرسوم الدراسية ليست نهاية المطاف، ولكن معها مصروفات التابلت ورسوم الإنترنت المنزلي والمصروفات الشخصية للطالب وملابسه وأدواته.
عمرو حامد وهو عضو بائتلاف أولياء أمور مصر، يصف القرار بالمحبط خاصة أنهم كانوا يتوقعون خفض الرسوم أو على الأقل بقاءها كما كانت في العام الماضي لأسباب منطقية منها الحالة الاقتصادية المتردية التي يمر بها المواطنون الغلابة، فهناك من فقد عمله وهناك من يحصل على نصف راتبه أو أقل، وثانيها تخفيض أيام الحضور للمدرسة إلى يومين فقط فى الأسبوع فضلاً عن عدم طباعة الكتب المدرسية.
يقول عمرو لـ "عربي بوست" ما هو مبرر الوزارة لتلك الزيادة، وهل درست آثارها على أولياء الأمور، "أنا مثلاً لديّ أربعة أولاد في المدارس وبالتالي يجب أن أدفع 1600 جنيه بينما في العام الماضي دفعت 810 فقط".
ويختتم حديثه قائلاً "إننا كأولياء أمور نتشاور فيما بيننا ونستطيع أن ندفع، لكن القرار في مجمله يتنافى تماماً مع ظروف البسطاء، فهناك غلابة كثر بالكاد يكتبون أسماءهم وهؤلاء يحاربون الظروف الصعبة من أجل تعليم أولادهم، وهؤلاء خرج منهم النماذج المشرفة التي يتباهى بها الرئيس في مؤتمراته مثل بنت البواب وبائع الفريسكا وغيرهم وهؤلاء لَنْ يجدوا من يقنعهم بمثل تلك القرارات ومن الممكن أن يتسبب في عزوفهم عن استكمال تعليم أبنائهم ليصبحوا قنبلة موقوتة في وجه المجتمع، وقتها أتمنى ألا تلوم الحكومة إلا نفسها لأن تكلفة الجهل أضعاف أضعاف ما تجمعه الآن من البسطاء".
المعلمون يتعاطفون مع أولياء الأمور
الغريب في الأمر أن كثيراً من المدرسين المفترض أنهم سوف يستفيدون من قرارات الزيادة لا يرتاحون لها، ومنهم عبدالرحمن محمد موجه لغة عربية الذي يتعاطف مع أولياء الأمور، متسائلاً: ماذا سيفعل العمال الأرزقية الذين لديهم أولاد بمراحل تعليمية مختلفة وينتظرون 500 جنيه إعانة كل شهر بعد أن طُردوا من أعمالهم بسبب كورونا؟ وهل ما تعطيه الحكومة بيدها اليسرى تسترده باليمنى لتمويل مشروعاتها؟ وما هو مبررها لرفع مصروفات المدارس الحكومية لأكثر من ١٠٠٪ مرة واحدة؟
"الناس تعيش حياة بالغة الصعوبة، وأعرف كثيرين منهم يصرون على تعليم أولادهم عبر الاستدانة ويحاربون كل الظروف وقسوة الحياة طول الوقت لكي يثبتوا أنفسهم، فهل يكون جزاؤهم زيادة الأعباء عليهم؟!"
ويشير المدرس الذي رفض طوال فترة خدمته بالتعليم إعطاء دروس خصوصية بسبب الفقر المدقع الذي يحاصر الأهالي إلى أن الوزارة تخففت هذا العام من تكاليف طباعة الكتب الدراسية، وهناك تأمين سيتم دفعه للتابلت أو الصيانة، بجانب أن الدراسة الأونلاين ستحتاج إلى باقات إضافية من الإنترنت ورسوم شهرية، والنسبة الأغلب من المصريين أولادهم ينتظمون في مدارس حكومية فلماذا لم تبادر الوزارة بتخفيض الرسوم الدراسية مراعاة لكل ما سبق بدلاً من زيادة بنسب عالية جداً تتسبب في إحباط الناس.
ويلفت إلى نقطة هامة وهي كسر الخواطر، متسائلاً: هل فكر المسؤولون عن التعليم في الحالة السيئة التي يضعون فيها ولي الأمر وهل شعر أحدهم بمعاناة الطالب الذي يستكمل تعليمه من خلال تبرعات أهل الخير، وكيف سيكون حال الطلبة وهم يرون آباءهم يتسولون مصروفات دراستهم من المقتدرين؟! هل يظن أحد في الدولة أن هؤلاء سيكبرون ولديهم انتماء للوطن الذي أذلهم وآباءهم للحصول على حق أساسي من حقوق الإنسان بموجب كل القوانين المحلية والدولية؟!
وختم كلامه قائلاً بانفعال: "يا ريت الحكومة تفضها سيرة وتقول إن التعليم للي معاه فلوس واللي معهوش ميلزموش! (من لا يملك المال لا يطلب الخدمات والسلع)".