سجَّلت الأمم المتحدة، الخميس 1 أكتوبر/تشرين الأول 2020، مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا والمتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية في المتوسط، وذلك بعد يوم واحد من المصادقة عليها من طرف الأمين العام أنطونيو غوتيريش، بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، وفقاً لشهادة التسجيل الصادرة عنها.
ففي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقَّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج.
تتعلق المذكرة الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدولي.
من جانبه، صادق البرلمان التركي على مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2019، فيما نشرت الجريدة الرسمية للدولة التركية، المذكرة في عددها الصادر يوم 7 من الشهر ذاته.
أما في اليوم الخامس من الشهر ذاته، فقد أقر المجلس الرئاسي للحكومة الليبية مذكرتي التفاهم، ودخلت مذكرة التفاهم المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية حيز التنفيذ رسمياً في 8 ديسمبر/كانون الأول.
وهذا قبل أن تتقدم تركيا، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، بطلب إلى الأمم المتحدة لتسجيل مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا.
خلفيات المذكرة: أثار اتفاقان وُقِّعا بين تركيا والحكومة المُعتَرَف بها دولياً في ليبيا بشأن الحدود البحرية والتعاون العسكري، غضب جيرانهما الإقليميين، وهو الأمر الذي يُصعِّد التوتر في البحر المتوسط حول موارد الطاقة ويُعزِّز حليف تركيا في البلد الشمال إفريقي قبيل انعقاد مؤتمر برلين بشأن الصراع في المنطقة.
وقالت صحيفة Daily Sabah الموالية للحكومة التركية، إنَّ حدود البلاد البحرية مع "جارتها" باتت الآن تمتد من ساحل جنوب غربي تركيا إلى ساحل درنة-طبرق الليبي، وهي الفكرة التي رفضها وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، باعتبارها "توشك أن تكون فكرة سخيفة"؛ لأنَّها "تتجاهل أمراً شديد الوضوح"، أي جزيرة كريت، وانتقدت مصر أيضاً الاتفاق، واصِفةً إياه بـ"غير الشرعي".
النزاع بشأن قبرص: لطالما جادلت اليونان وتركيا بشأن الطرف الأحق باحتياطيات النفط والغاز قبالة قبرص، واشتد الصراع في الأشهر الأخيرة، بعدما بدأت تركيا عمليات تنقيب أدَّت إلى اتهامات من قبرص بـ"التنمر" وعقوبات من الاتحاد الأوروبي.
وتركيا ليست دولة مُوقِّعة على معاهدة الأمم المتحدة لعام 1982 والتي تُنظِّم الحدود البحرية، ولا تعترف كذلك بجمهورية قبرص الجنوبية واتفاقياتها المتعلقة بمنطقتها الاقتصادية الخاصة المُبرَمة مع مصر ولبنان وإسرائيل.
وتقول تركيا إنَّها تعمل في المياه الموجودة بجرفها القاري أو المناطق التي توجد بها حقوق جمهورية شمال قبرص التركية المُعلَنة من طرف واحد.
تنافس إقليمي: تُظهِر بيانات البنك الدولي اتجاهاً متصاعداً في واردات تركيا من الطاقة، التي شكَّلت 75% من احتياجاتها من الطاقة عام 2015، وترى تركيا أنَّ تأمين حصتها في التنافس المتنامي على البحر المتوسط أمرٌ حيوي.
قال بشير عبدالفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، لموقع Deutsche Welle الألماني: "تريد تركيا وقف النزيف في الطاقة وتطوير مصادر للنفط والغاز. فوفقاً لاتفاقية عام 1982، تمتد حدودها البحرية إلى 12 ميلاً بحرياً فقط، وهذه المنطقة لا تضم أي آبار نفط أو غاز".
وفي حين قالت أثينا إنَّ مذكرتي التفاهم الجديدتين "لن يكون لهما أثر قانوني"، رفضتهما القاهرة على أساس أنَّ حكومة السراج الليبية لا تملك السلطة للتحرك بصورة أحادية من دون دعم البرلمان. وهذا الوضع مستحيل دون وجود حكومة ليبية موحدة.
وألقت مصر بدعمها خلف القوات الشرقية التابعة لحفتر، وتتسم العلاقات المصرية-التركية بالعدائية منذ أن دعمت تركيا الإخوان المسلمين في مصر حين أُطيح بالقيادي البارز فيها، الرئيس الراحل محمد مرسي، من الحكم عام 2013.
ترحيب ليبي: في فبراير/شباط الماضي، أكد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، أن حكومته وقَّعت مذكرة التفاهم مع أنقرة في العلن، ولم تفعل مثل الطرف الآخر، في إشارة إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
بمناسبة ذكرى ثورة 17 فبراير/شباط 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي (1969-2011)، قال السرج في كلمة له: "وقَّعنا مذكرة تفاهم مع تركيا جهاراً نهاراً، ولم نبرمها في الخفاء، مثلما يفعل الطرف الآخر".
إذ وقَّع كل من السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مذكرتي تفاهم، تتعلق الأولى بالتعاون الأمني والعسكري، وتختص الثانية بمناطق النفوذ البحري بين البلدين في البحر المتوسط.