دفعت الأحداث التي شهدها السودان في الشهور القليلة الماضية، بعد رحيل الرئيس السابق عمر البشير عن الحكم، على أثر مظاهرات ضخمة شهدتها البلاد، ثم مجيء مجلس سيادي لإدارة الدولة لفترة انتقالية، بعض السودانيين المقيمين بالخارج إلى العودة والمشاركة في بناء بلادهم اقتصادياً وسياسياً.
فبعد 33 عاماً في الاغتراب، تخلى السوداني، الصادق محمد عبدالله عن حياته في كندا وقرر العودة إلى بلاده والمساعدة في إعادة بناء السودان الذي يطوي حالياً صفحة ثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي، وفق ما قاله لـ"فرانس برس"، الإثنين 28 سبتمبر/أيلول 2020.
عودة المهاجرين لبلادهم: حيث يقول محمد الذي يرأس حالياً قسم الصحة والبيئة في شركة الثروة المعدنية السودانية، إنه يرى أن هذا الوقت بعد الثورة هو المناسب من أجل العودة لبلاده، رغم الرفاهية التي كان يتمتع بها في الغرب، وأضاف: "إنه بلدي وعليَّ القيام بذلك".
في حين تشرف الشركة التي يعمل بها محمد الآن على عمليات التنقيب والإنتاج وفرض الضرائب على قطاع التعدين في السودان، خصوصاً مناجم الذهب.
يُذكر أن الرئيس المخلوع عمر البشير قد سبق أن حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة 30 عاماً، حتى إطاحته في أبريل/نيسان 2019، بعد أشهر من تظاهرات عمَّت الشوارع بقيادة الشباب السوداني.
تجارب لبناء الوطن: من جانبه قال عبدالله، المهندس المدني الذي يبلغ من العمر 55 عاماً والأستاذ السابق بجامعة كالغاري والذي عاد إلى الوطن في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد ستة أشهر من إطاحة البشير: "نظام البشير دمر كل شيء على مدى 30 عاماً. أعتقد أنه من واجبي المشاركة في… بناء سودان جديد".
في حين يعاني اقتصاد السودان من أزمة، بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية تحت حكم البشير، والعقوبات الأمريكية، وانفصال الجنوب الغني بالنفط عام 2011.
بقِي مبارك أردول، وهو المدير العام للشركة، في المنفى لمدة ثماني سنوات، وتعرَّض منزله الواقع في جبال النوبة بجنوب السودان، لهجوم من القوات الحكومية، فيما قاد مجموعة من المتمردين ضدهم.
فيما فرَّ أردول، البالغ من العمر 38 عاماً، إلى أوغندا في عام 2011. وروى: "ظننت أن هذا النزاع لن يستمر طويلاً. لقد عملنا بكل قوتنا لإسقاط النظام"، وأضاف: "شعرت بأنني سأعود إلى الديار قريباً جداً".
لذلك عندما أُجبِر البشير على التنحي، عاد أردول من كمبالا بأسرع ما يمكنه، وأوضح: "خرجت من السودان عام 2011 بعد الحرب بين طرفي اتفاق السلام في مدينة كادوقلي. خرجت كمواطن (…) تركت البيت الذي بنيته على مدى خمس سنوات. خرجت وحدي وتركت أسرتي في المنزل".
تم تعيين أردول من قِبل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وهو زميل له في المقاومة، جعل تحقيق السلام مع المتمردين الذين قاتلوا البشير أولوية. ويسعى أردول إلى زيادة عائدات الشركة التي تعتبر من أنجح الشركات في البلاد الإفريقية.
وكالة الأنباء السودانية: ومن بين مئات المنفيِّين الذين عادوا إلى السودان من أنحاء العالم منذ العام الماضي، محمد عبدالحميد الذي قال إنه سعيد وفخور بعودته، لتولي منصب المدير العام لوكالة الأنباء الحكومية (سونا).
حيث أضاف هذا الصحفي البالغ من العمر 64 عاماً، من مكاتب الوكالة في الخرطوم: "كنا نعلم أنه تحدٍّ كبير… عُدت إلى الوطن، لأنني أردت العودة، ولأنني شعرت بأنه يمكنني أن أكون جزءاً مما يحدث". وتابع: "نحن سودانيون في النهاية، وهذه الوظائف مؤقتة، ووجودنا فيها هو فقط لخدمة الشعب".
يُذكر أن عبدالحميد عاش في اليمن قبل أن ينتقل إلى هولندا، حيث أطلق برامج إذاعية وتلفزيونية باللغة العربية. وقال: "لم تكن مسألة مال… كنت أكسب نحو ثلاثة آلاف دولار في الشهر… الآن أكسب 80 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 180 دولاراً".
لكن عودة المنفيين من الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج لشغل مناصب حكومية وخلافة شخصيات من نظام البشير الإسلامي على رأس مؤسسات حكومية، لم تحظَ بترحيب الجميع.
حيث قال أمين بشير، رجل الأعمال والناشط البالغ من العمر 32 عاماً، متذمراً: "لقد جاؤوا لجني ثمار النصر، لكننا نحن من عانى".
فيما قدَّم أديب يوسف، وهو حاكم محلي في إقليم دارفور عاش ست سنوات في الولايات المتحدة بعدما أمضى فترة في السجن وفرَّ خوفاً من تعرُّضه لعملية اغتيال، نصائح للجانبين في السودان الجديد.