لم يكن يوم 25 يوليو/تموز 2020 يوماً عادياً في تونس، حيث أحيت البلاد الذكرى 63 لإعلان النظام الجمهوري والذكرى السابعة لاغتيال محمد البراهمي (قيادي قومي ) والذكرى الاولى لوفاة الرئيس الباجي قايد السبسي.
3 تواريخ كانت فارقة في تاريخ البلاد:
يوم 25 يوليو/تموز 2020 شهد أيضاً زلزالاً سياسياً ستكون له ارتدادات قوية على المشهد السياسي التونسي بتكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد لوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي بتشكيل الحكومة في إطار مشاورات اختيار الشخصية الأقدر وفق ما يقتضيه الفصل 89 في الدستور التونسي.
تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة كان متوقعاً بعد أن طفا الاسم على السطح منذ أيام باعتباره شخصية مقرّبة من رئيس الجمهورية (تكوين قانوني) الذي أكدت كل التطوّرات الحاصلة توجّهه لتجاهل اقتراحات الأحزاب بمنطق قوة الأمر الواقع.
القبول بالحكومة أو المجهول!
اختيار رئيس الجمهورية لهشام المشيشي لتشكيل الحكومة كان قراراً مدروساً باعتبار أن البرلمان سيكون أمام خيار من اثنين لا ثالث لهما، إما المصادقة على التشكيل الحكومي مهما كانت تركيبته، أو الذهاب نحو المجهول، فلرئيس الجمهورية وفق الدستور إمكانية الذهاب نحو حلّ البرلمان والمضيّ نحو انتخابات تشريعية مبكّرة (أمر غير محبّذ للبرلمانيين والكتل والاحزاب ) أو الحكم بالمراسيم، وهو ما يجعل كل السلطات بيد الرئيس دون توقّع السقف الزمني لذلك في غياب المحكمة الدستورية واحتكار القصر لسلطة التأويل الدستوري، وهو ما أكّدته الوقائع منذ سنوات سواء مع الراحل قايد السبسي أو مع قيس سعيد بشكل أكثر وضوحاً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 حيث كانت له الغلبة في كل "المعارك الدستورية".
حكومة تكنوقراط بدون محاصصة حزبية
"نحترم الشرعية لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية".
كانت هذه الجملة خاتمة بلاغ رئاسة الجمهورية خلال تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة مساء ليلة 25 يوليو، وهي جملة أربكت كل الأحزاب، حيث إنها فهمت على أنها محاولة لاحتواء شرعية الرئيس الانتخابية لشرعية البرلمان وابتلاعها.
كل التسريبات والتوقعات تؤكد أن رئيس الجمهورية عبر تكليفه للمشيشي ماض بشكل واضح نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب .
سعيد عدو المنظومة الحزبية
"عشت مستقلاً وسأموت مستقلاً والحزب الوحيد الذي أنتمي إليه هو حزب الشعب التونسي".
كان هذا تصريح قيس سعيد خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لقناة فرانس 24 وهو ما يؤكّد رفض ساكن قرطاج للمنظومة الحزبية برمّتها والنظام السياسي القائم (الديمقراطية التمثيلية) وتبنيه لنظام سياسي طوباوي يقوم على الديمقراطية المباشرة أو المجالسية اللوكسمبورغية تنطلق من أسفل الهرم بانتخاب مجالس محلية تنتخب بدورها أخرى جهوية وصولاً لأعلى هرم السلطة.
سعيد بطريقة غير مباشرة استفاد من "العطالة" البرلمانية التي تسبّبت فيها بالأساس زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي وأعضاء كتلتها بتعطيل الجلسات واختلاق المناكفات مع نواب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، مما تسبب في "ترذيل" العمل البرلماني لدى الرأي العام.
و في سباق متصل، أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه برئيس البرلمان راشد الغنوشي ونائبيه الأسبوع الماضي في قصر قرطاج، رفضه للشلل الذي تعرفه مؤسسة البرلمان، مؤكداً عدم قبوله بتواصل هذا الوضع، ملوّحاً باستعمال ما أسماها "الصواريخ على منصاتها" في إشارة للحلول الدستورية المتاحة لديه والتي تمكنه حتى من حل المجلس النيابي أو تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي والذي يجعل كل السلطات بين يديه وفق المفهوم المنصوص عليه في الفصل المذكور "الخطر الداهم".
جزء من الفصل 80 من الدستور التونسي
"لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب".
المعركة القادمة
كما أسلفنا بالقول، فإن الرئيس التونسي قد استفاد من الأزمة السياسية والاجتماعية والمؤسساتية التي تعرفها تونس حالياً، ومعركته القادمة ستكون مع البرلمان والمنظومة الحزبية التي انطلقت للتوّ، والأكيد أن عهدة 2019- 2024 ستكون إطاراً زمنياً لصراع سياسي بين المنظومة التي أفرزتها الثورة التونسية واستوعبت حتى أحزاب النظام القديم في إطار الديمقراطية، وبين سعيّد الذي يبشر بنظام سياسي جديد يقطع مع التحزب في إطار ما سماه التأسيس الجديد".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.