خلال السنوات الأخيرة وقعتا لبنان ومصر في فخ صندوق النقد الدولي والدائنين الكبار عبر التوسع في الاقتراض الخارجي بشكل غير مسبوق، ولا يتناسب مع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، أفلست بيروت حينما أعلنت قبل أسابيع توقفها عن سداد الديون الخارجية بما فيها الأعباء من أقساط وأسعار فائدة، وبالتالي دخلت دائرة الإفلاس، فهل تتفادى القاهرة هذا المأزق وتفرمل قطار الاقتراض الذي تسارع خلال الأسابيع الأخيرة حيث اقترضت أكثر من 13 مليار دولار، ومدت أجل سداد مليارات الدولارات كانت مستحقة لدول الخليج الثلاث السعودية والإمارات والكويت؟
هذا السؤال يقودنا بداية إلى محاولة التعرف على نقاط الاتفاق والاختلاف بين التجربتين المصرية واللبنانية، ليس في مجال الغرق في وحل الديون عبر التوسع الكبير في الاقتراض الخارجي، والاعتماد على الدائنين الدوليين في تغطية عجز الموازنة العامة والفجوات التمويلية للدولة، وسداد الرواتب والأجور في الدولة، وتمويل مشروعات كبرى تمثل عبئاً على الاقتصاد، لكن في الوضع الاقتصادي بشكل عام، والأزمات المالية التي ترهق الدولتين، والأزمات المعيشية الحادة التي يعانيها الشعبان.
تعثر لبنان
ما الذي أوصل لبنان إلى أن تعلن يوم 7 مارس/آذار 2020 على لسان رئيس حكومتها حسان دياب عجزها عن سداد ديونها الخارجية التي تقترب من 90 مليار دولار، وما الذي أوصل اللبنانيين إلى الخروج إلى الشوارع وقطع الطرقات للتظاهر ضد حكومة سعد الحريري، ثم ضد خلفه حسان دياب بعد أن قرص الجوع بطونهم، وانتشرت البطالة والفقر بين الشباب، وانهارت عملتهم، وفلت معه عقال أسعار كل شيء، بداية من رغيف الخبز والأدوية وحتى السيارات؟ وما الذي أوصل بعض اللبنانيين للانتحار قبل أيام بالسلاح الناري، والشنق، والارتماء من شرفات المنزل، وحرق أنفسهم بعد أن عجزوا عن إيجاد لقيمات يسددن بطونهم وأمعاء ذويهم الفارغة.
ببساطة بات لبنان يتخبّط في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، حيث خسر عشرات الآلاف من المواطنين وظائفهم، وفقدوا رواتبهم، وتآكلت قدرتهم الشرائية، وانهار الاحتياطي الأجنبي المخصص لتمويل واردات سلع رئيسية مدعومة كالقمح والأدوية والوقود، وسداد أعباء الديون الخارجية ومكافحة المضاربة على العملة المحلية الليرة.
وفي المقابل يعاني المصريون منذ نحو 7 سنوات من قفزات متواصلة في أسعار السلع الرئيسية، بما فيها الغذاء والدواء، وتهاوي قيمة عملتهم الوطنية، وتآكل في قيمة مدخراتهم المحلية، كما يعانون زيادة غير مسبوقة في معدلات الفقر بما فيها الفقر المدقع، وانهيار في الطبقة الوسطى، وزيادات في الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية، وخفض متواصل في الدعم الحكومي المقدم للوقود " البنزين والسولار والغاز" والكهرباء والمياه، كما يعانون الأمًرين في إيجاد سرير في مستشفى عند مرضهم، وصعوبة في إيجاد مقعد لأولادهم في المدارس.
فما أوجه التشابه والاتفاق بين الحالتين المصرية واللبنانية؟ وإذا كانت لبنان قد دخلت في حائط سد، وتشهد حالياً أزمات مالية واقتصادية ومعيشية غير مسبوقة كان نتيجتها التوقف عن سداد الديون الخارجية، فهل سيلحق هذا القطار بمصر بعد أن دهس قطار الغلاء الشريحة الأكبر من المصريين، وبات أكثر من 90% من إيرادات الدولة يوجه لتغطية بند واحد هو سداد الديون المستحقة وأعبائها، حيث إن تكلفة ديون العام المالي الحالي 2020-2021 يبلغ 1.1 تريليون جنيه، في حين يبلغ إجمالي إيرادات الدولة خلال هذا العام 1.2 تريليون جنيه؟
أولاً .. نقاط الاتفاق بين البلدين:
1-التوسع في الاقتراض الخارجي
خلال السنوات الماضية توسعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة في الاقتراض الخارجي سواء عبر القروض المباشرة، أو من خلال طرح سندات "اليوروبوند" في الأسواق الدولية، وزادت وتيرة الاقتراض عقب انخفاض إيرادات البلاد من النقد الأجنبي مع تراجع إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، وهروب الاستثمارات الخارجية، وزاد التراجع أيضاً عقب زيادة المخاطر الجيوسياسية والأمنية داخل لبنان، ومرور البلاد بحوادث إرهابية من وقت لأخر كان أخطرها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، كما زاد الوضع تأزماً عقب توقف دول الخليج، خاصة السعودية، عن تقديم الدعم المالي للبنان وودائع مساندة لمصرف لبنان المركزي على خلفية تزايد دور حزب الله في المعادلة السياسية اللبنانية ورفض الولايات المتحدة لهذا الدور أصلاً.
وفي مصر تضاعف رقم الديون الخارجية خلال السنوات السبع الأخيرة، فقد تجاوز حجم الدين الخارجي 120 مليار دولار حالياً مقابل نحو 43 مليار دولار في منتصف العام 2013، واقترضت مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة نحو 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، كما اقترضت أكثر من أربعة أضعاف هذا الرقم من مؤسسات مالية ودولية وإقليمية منها البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية وصناديق عربية دولية، إضافة إلى القروض التي حصلت عليها الحكومة من دول الخليج عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في صورة ودائع مقدمة للبنك المركزي المصري، إلى جانب الحصول على مساعدات خليجية تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار ما بين مساعدات نقدية وعينية ونفطية.
2- تهاوي قيمة العملة
تراجعت قيمة العملتين في كل من مصر ولبنان بدرجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وزاد تدهور العملتين بسبب الضغوط التي تعرضتا له، إما بسبب التوسع في الاقتراض الخارجي والمحلي، أو بسبب ندرة النقد الأجنبي وتراجع الاحتياطي الأجنبي الذي تستخدمه البنوك المركزية في وقف المضاربات على العملة الوطنية وكبح جماح تجار العملة والسماسرة.
عقب إبرام مصر اتفاقاً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016 للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، كان من شروط الصندوق تعويم الجنيه المصري، وقد كان، حيث تم تنفيذ القرار من قبل الحكومة المصرية على عجل، والنتيجة انهيار العملة المصرية من 8.8 جنيه للدولار إلى ما يقرب من 20 جنيهاً، قبل أن تعاود التحسن وتستقر حالياً عند 16 جنيهاً، وبذلك يفقد الجنيه أكثر من 70% من قيمته مقارنة بسعره في العام 2013 والبالغ نحو 7 جنيهات، وما زال الجنيه يتعرض لضغوط بسبب تراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات تدر سيولة دولارية سريعة مثل السياحة وتحويلات المصريين في دول الخليج.
وفي لبنان شهدت الليرة انهياراً كبيراً مقابل الدولار في السوق السوداء خلال الشهور الأخيرة، فقد فقدت نحو 80٪ من قيمتها منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتسارع الانهيار الشهر الماضي، وهو ما يمهد بدفع الاقتصاد إلى دوامة تضخم غير مسبوقة، كما يؤدي إلى حدوث قفزات في أسعار الأغذية والسلع المستوردة خاصة أن التهاوي في قيمة الليرة مستمر ويعد جزءاً من انهيار اقتصادي أوسع نطاقاً. وبعد أن كان سعر الدولار يبلغ 1517 ليرة قبل شهور، فإن السعر تجاوز مؤخراً نحو 10 آلاف ليرة، وهو ما ترتب عليه موجة غلاء غير مسبوقة لم تشهدها لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت في الفترة بين 1970 و1990.
3-الاستنجاد بصندوق النقد
عندما شهدت مصر أزمة مالية خانقة بسبب تهاوي قطاع السياحة عقب سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015 وهروب الاستثمارات الأجنبية من البلاد، والضغط الشديد على الدولار بسبب ضخامة تكلفة تفريعة قناة السويس والمشروعات المكملة لها " 8 مليارات دولار"، سارعت الحكومة المصرية إلى صندوق النقد للحصول على قرض ضخم يتم من خلاله سد الفجوة التمويلية التي تعاني منها البلاد ويساهم في وقف نزيف الاحتياطي الأجنبي وسعر الجنيه المصري.
كذلك فعلت لبنان، فعقب توقفها عن سداد الديون الخارجية، وما أحدثه هذا القرار الخطير من ذعر في القطاع المالي والمصرفي، وفقدان ثقة المدخرين في النظام المصرفي، والتكالب على سحب الودائع وهروب الاستثمارات الأجنبية، سارعت حكومة حسان دياب إلى صندوق النقد لإنقاذها من أزمتها المالية ومساعدتها في تغطية فجوة تمويلية في الدولة تبلغ قيمتها 56 مليار دولار.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الحكومة المصرية في إبرام اتفاق مع صندوق النقد، تتعثر المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، ففي الحالة المصرية تم الإذعان لكل شروط الصندوق وفي مقدمتها تعويم العملة المحلية وتحرير سوق الصرف، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الضرائب والأسعار بمعدلات قياسية، وخفض الدعم المقدم لسلع رئيسية مثل الوقود والكهرباء والمياه تمهيداً لإلغائها تماماً.
أما في حالة لبنان، فإن هناك تخوفاً من حكومة حسان دياب للاستجابة لشروط الصندوق ومنها تعويم الليرة، وزيادة الرسوم والضرائب الحكومية، وتنفيذ خطة إعادة هيكلة قطاع الكهرباء الذي تتراوح كلفتها السنوية ما بين 1.7 مليار و2 مليار دولار سنوياً، ومكافحة فساد النخبة الحاكمة، خاصة أن هناك صوتاً قوياً داخل الشارع برفض هذه الشروط، وهذا الصوت لا يمكن قمعه بالعصا الأمنية كما حدث في مصر عقب تطبيق خطة صندوق النقد التقشفية، كما أن حكومة دياب غير قادرة على فرض أي اتفاق مع الصندوق على الشارع خاصة إذا تعلق بزيادة سعر البنزين والسولار وغاز الطهي، وإغلاق الحدود السورية اللبنانية، وإخراج حزب الله من المعادلة السياسية.
كما أن هناك خلافات كبيرة بين لبنان والصندوق حول خسائر البنوك اللبنانية تعرقل المفاوضات الجارية، ففي حين قدّرت الحكومة هذه الخسائر بنحو 241 ألف مليار ليرة، تدخل البرلمان عبر لجنة تقصي حقائق قالت إن الخسائر تتراوح بين 60 و91 ألف مليار ليرة. لكن صندوق النقد يعتبر أرقام الحكومة أقرب إلى الواقع. وامتد الخلاف إلى الجهة التي ستتحمل تغطية هذه الخسائر الضخمة، خزانة الدولة الفارغة أصلاً، كبار المساهمين في البنوك، صغار المودعين.
4-زيادة غير مسبوقة في الفقر
أدت سياسة زيادة الأسعار وخفض الدعم الحكومي التي طبقتها الحكومة المصرية منذ يوليو/تموز 2013 إلى زيادة التضخم في بعض الفترات إلى معدلات لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية التي دارت في الفترة من 1939-1945، ورفعت قفزات التضخم معدلات الفقر في البلاد، خاصة مع زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وحسب أرقام البنك الدولي الصادرة يوم 1 مايو/أيار 2019 فإن "حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجاً"، كما أن "الإصلاحات الاقتصادية" أثرت على الطبقة الوسطى، التي تواجه ارتفاع بعض تكاليف المعيشة نتيجة للإصلاحات.
حتى الأرقام الرسمية اعترفت بحدوث قفزات في معدل الفقر بمصر بدرجة غير مسبوقة، فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر نهاية يوليو/تموز 2019 ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5٪ من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8٪ لعام 2015/ 2016، كما أن ما يقرب من 46 قرية في محافظتي أسيوط وسوهاج، بصعيد مصر، تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80 إلى 100٪، فضلاً عن معاناة 236 قرية في سوهاج من الفقر، وهي نسبة بلغت 87٪ من قرى المحافظة، ما جعلها تسجل النسب الأعلى بين أفقر 1000 قرية في مصر.
وفي لبنان تقول الأرقام الحديثة إن 55% من المواطنين باتوا فقراء، بسبب زيادة معدلات البطالة، وإغلاق آلاف المؤسسات التي سرّحت موظفيها، وانهيار قيمة الليرة إلى مستويات لم تشهدها منذ الحرب الأهلية، وما أسفر عنها من تآكل للرواتب والأجور، وبات همّ المواطن الأول هو تأمين تكاليف المعيشة اليومية، ولن نتحدث هنا عن حال اللاجئين السوريين داخل لبنان الذين يواجهون صعوبة أصلاً في الحصول على الغذاء.
وحسب أحدث الأرقام، فإن 25% من الشعب اللبناني بات دون خط الفقر، حيث إن دخلهم الشهري لا يكفي لتأمين الغذاء الصحي والسليم، و30% فقراء دخلهم يكفي لتوفير الغذاء لكنهم عاجزون عن توفير الدواء والتعليم والسكن الملائم واللباس وغيرها.
وفي لبنان أيضاً زادت معدلات الانتحار التي باتت مرشحة للارتفاع مع تقديرات البنك الدولي بتزايد انتشار الفقر في لبنان إلى 45% عام 2020، وهذا يعني أننا أمام 335 ألف أسرة فقيرة هذا العام، بينها 163 ألف أسرة تحت خط الفقر الغذائي، في ظلّ خسارة آلاف اللبنانيين وظائفهم وسط انهيار مالي ومجتمعي ومعيشي هو الأسوأ منذ عقود وينذر بتداعيات كارثية، يبدو الانتحار واحداً منها.
5-زيادة في معدلات البطالة
خلال السنوات الأخيرة، شهدت كل من مصر ولبنان زيادة ملحوظة في معدلات البطالة، خاصة بين الشباب وخريجي الجامعات، لأسباب عدة منها فشل الحكومتين في خلق فرص عمل جديدة مع عدم الاهتمام بالقطاع الإنتاجي والنشاط الصناعي، وضعف القطاع الخاص الموفر الأساسي لفرص العمل بعد أن قلصت الحكومتان فرص التعيين في القطاع الإداري بالدولة، ومرور قطاع السياحة في البلدين بأزمات بسبب حوادث الإرهاب.
في لبنان مثلاً، لامس معدل البطالة 35%. وعندما ترتفع نسبة البطالة من نحو 25% إلى 35% وهي مرشحة لأن تصل إلى 65% في حال استمر الوضع الحالي حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، فإن معنى ذلك ارتفاع في معدلات الفقر.
ودفعت زيادة معدلات البطالة في البلدين، مصر ولبنان، إلى أن 90% من اللبنانيين لديهم الرغبة في الهجرة والسفر، ويتكرر الأمر في مصر لكن بمعدلات أقل، خاصة مع صعوبة الحصول على فرصة عمل في الخارج، خاصة في منطقة الخليج، وضعف القدرة على تحمل نفقات السفر أو الحصول على تأشيرة سفر من الأصل.
6-انتشار الفساد
يتزايد منسوب الفساد في البلدين، ورأينا كيف وجه حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 الذي اندلع في لبنان ضد حكومة سعد الحريري الأصبع مباشرة إلى النخب الحاكمة في أنها تقف وراء أغلب حالات الفساد التي التهمت مليارات الدولارات من ميزانية الدولة خلال السنوات الأخيرة، وسبق الحراك الحديث عن جرائم فساد كبيرة وعقود من الفساد وسوء إدارة النُخب السياسية التي أفرغت خزينة الدولة، لدرجة أن حكومة حسان دياب اضطرت، في شهر مارس/آذار الماضي، إلى إعلان تخلف البلد عن سداد ديونه الخارجية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، وأن يعلن دياب كذلك في منتصف أبريل/نيسان الماضي أن أموال المودعين "تبخرت" في الأشهر السابقة على تشكيل حكومته في 21 يناير/كانون الثاني. وقد كشفت تقارير دولية عدة حول مستوى الفساد أن لبنان تتصدر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معدلات الفساد، كما تحدث رئيس الجمهورية ميشال عون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن فتح تحقيق بشأن 18 ملف فساد تسببت في ضياع مليارات الدولارات على موازنة الدولة.
الفساد المستشري في لبنان ليس وليد اليوم، فقد كرست النخبة الحاكمة والطبقة السياسية الفساد بعد اتفاق الطائف الشهير الموقع في سبتمبر/أيلول 1989، واعتبار أن هذا السلم الأهلي فوق كل اعتبار حتى لو كان الشخص فاسداً، ثم عززت حماية الفساد وتقنينه بغطاء حزبي باسم "الحماية الحزبية".
وبالتالي يعد الفساد هو أحد الأسباب الرئيسية للتظاهرات التي شهدتها لبنان في الشهور الأخيرة، والسبب الأساسي للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ شهور، كما أن تفشي الفساد أهدر ثروات البلاد وأضعف مؤسسات الدولة، وتسبب في زيادة عجز الموازنة وارتفاع معدلات الدين العام إلى 90 مليار دولار، وهو رقم كبير جداً بالنسبة للناتج المحلي اللبناني.
وفي مصر تتزايد حالات الفساد يوماً بعد يوم لدرجة أن صندوق النقد الدولي طرح هذه النقطة مع المفاوض المصري حينما كان يتم التفاوض حول القرض الأخير الذي طلبته مصر والبالغ 5.2 مليار دولار، ورغم الحديث الرسمي المتكرر عن مكافحة الفساد فإن الأرقام الدولية تشير إلى خطورة هذه الظاهرة، وقد ذكرت تقارير عدة أن تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة، خلال العام 2016 وحده، بلغت 600 مليار جنيه، أي أكثر من 80 مليار دولار بأسعار صرف ذلك الوقت. وتحتل مصر مركزاَ متقدماً في معدلات الفساد حسب منظمة الشفافية الدولية التي أكدت أن مصر والجزائر تتقاسمان المركز السادس بعد المئة في مؤشر مكافحة الفساد، وهو ما يعني درجة متقدمة في الفساد.
7-الاعتماد على تحويلات المغتربين
تعتمد كل من مصر ولبنان على تحويلات المغتربين كأحد أبرز موارد النقد الأجنبي، ويكفي للتدليل على ذلك أن إيرادات المغتربين احتلت رقم واحد في إيرادات مصر الأجنبية بقيمة تزيد عن 26 مليار دولار في العام 2019، لكن من المتوقع تراجع هذا الرقم خلال العام الجاري بسبب عودة عشرات الآلاف من المصريين العاملين في منطقة الخليج بسبب أزمتي تهاوي أسعار النفط وجائحة كورونا.
وفي لبنان تلامس تحويلات المغتربين نحو 9 مليارات دولار سنوياً، وهو رقم مهم مقارنة بحجم الاقتصاد اللبناني، لكن هذه التحويلات جفّت، خلال الشهور الماضية مع تهاوي العملة المحلية وفقدان ثقة المودعين في البنوك، ما دفع المصارف إلى فرض قيود شديدة على سحب الدولار، ثم التوقف عن صرف العملة الأمريكية بالكامل.
وساهم في تراجع تحويلات اللبنانيين المغتربين تفاقم أزمة ثقة المدخرين ونقص السيولة التي يعيشها الاقتصاد منذ شهور، وتعدد سعر صرف الدولار، وحدوث انكماش اقتصادي حاد، وتزايد اختلالات المالية العامة وعجز ميزان المدفوعات حتى قبل أزمة تفشي وباء كورونا.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه لبنان على مصدرين فقط لموارد النقد الأجنبي هما السياحة وتحويلات المغتربين، فإن مصر تتنوع على مصادر عدة أبرزها السياحة والصادرات وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية وإيرادات البترول والغاز، وهذه الإيرادات تمكن مصر من سداد أعباء الدين الخارجي، لكن في المقابل فإن فاتورة الواردات المصرية البالغة أكثر من 60 مليار دولار تلتهم النسبة الأكبر من إيرادات البلاد من النقد الأجنبي.
8-الاعتماد على الخارج
وإضافة إلى أوجه التشابه السابقة في الحالتين المصرية واللبنانية، فإن هناك أوجه تشابه أخرى، منها الاعتماد على الخارج في توفير احتياجات السوق المحلية، فمصر مثلاً تعد أكبر مستورد للقمح والزيوت في العالم، وتستورد نحو 60% من احتياجاتها من السلع الغذائية، كما تستورد قطع الغيار والمواد الخام والسلع الوسيطة وغيرها من مدخلات الإنتاج، وفي لبنان يزداد الأمر سوءاً، حيث تستورد البلاد معظم احتياجات الأسواق في ظل قطاع صناعي وإنتاجي ضعيف.
هذا عن نقاط التشابه بين الحالتين المصرية واللبنانية، فماذا عن أوجه الاختلاف؟ وإذا كانت هناك ثمة اختلافات بين الحالتين، فهل هذه الاختلافات ستحولُ دون وقوع مصر في مستنقع الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تمر بها لبنان منذ شهور وشهدت معها اندلاع ثورة جياع في عموم البلاد خاصة في بيروت وطرابلس كما حدث نهاية شهر مايو/أيار الماضي؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.