رغم تفاؤله ووثوقه من قدرة المملكة المغربية في مواجهة جائحة تفشي فيروس كورونا "كوفيد 19" بعدما تجنبت وقوع وفيات تقدر بـ200 حالة وإصابات تتجاوز الـ6000 حالة يومية، إلا أنه لم يخف توقعاته بوقوع موجة تفش جديدة للفيروس بعد التخفيف التدريجي لإجراءات الحظر الوقائي، متوعداً بإجراءات مشددة لحماية أبناء المملكة من فيروس كورونا..
هذا ما قاله الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي بالبلاد في حواره مع "عربي بوست" الذي وعد بتطبيق إجراءات وقرارات من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي الذي تضرر جراء تفشي الجائحة.
وكشف السياسي المغربي، المنحدر من أسرة علم ومعرفة عريقة بمدينة أغادير، عزم حكومته على تخفيف عقبات عودة العالقين في الدول الأخرى، وتعديل قانون الموازنة العامة لإعطاء الأولوية للتعليم والصحة والبحث العلمي.
فيما نفى أية نية لحكومته أن تكمم أفواه المعارضين المغاربة في التعبير عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي بما عرف إعلامياً "قانون الكمامات"، وشدد قائلاً: "لن تكمم الأفواه بعد دستور 2011"..
وإلى الحوار:
أسابيع مرت على إغلاق الحدود وإعلان الطوارئ، ماذا تجنب المغرب من وراء هذه الإجراءات؟
استطاع المغرب أن يتجنب الأسوأ، وهو فقدان الأرواح واتساع انتشار الفيروس، وذلك بفضل الله تعالى ثم التوجيهات الملكية السامية والقرارات الاستباقية المتعددة وتعاون كافة المؤسسات والانخراط الجماعي للمواطنين المغاربة.
وتؤكد الدراسات، أننا تجنبنا وقوع ما يقرب من 200 حالة وفاة و6000 إصابة يومياً منذ بدأنا بفرض الحظر الصحي الوقائي نهاية مارس/آذار الماضي.
ما يعني أننا تجنبنا كذلك أن تقف منظومتنا الصحية عاجزة عن التعامل مع الوضع الوبائي في ظل محدودية إمكانياتها بالمقارنة مع إمكانيات المؤسسات الطبية في الدول المتقدمة، ورغم ذلك عانت تلك الدول كما رأينا، وفقدت العديد من الأرواح.
يضاف إلى ذلك أننا تجنبنا وضعاً اجتماعياً أكثر صعوبة نتيجة توقف عدد من الفئات عن العمل بسبب الحجر الصحي، وذلك بفضل إنشاء صندوق لمواجهة تداعيات انتشار كورونا بلغت مداخيله أكثر من 32 مليار درهم (حوالي 3,3 مليار دولار).
وقد تمكنت الحكومة من خلاله، بالإضافة إلى تقوية المنظومة الصحية، من تقديم دعم مالي مؤقت لأكثر من 5 ملايين من المتوقفين عن العمل من الأُجَراء المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي، ومن غير المنخرطين فيه من أصحاب المهن الحرة والمشتغلين في القطاع غير المهيكل. وهذه أكبرعملية دعم مالي لشرائح من المواطنين تتم في تاريخ المغرب.
ما المهنجية التي سوف تتبعونها في تخفيف وإنهاء إجراءات الحظر الوقائي؟
الحكومة عاكفة اليوم على تدقيق تفاصيل خطة تخفيف إجراءات الحظر الوقائي، وخاصة على المستوى الصحي والاقتصادي. ويمكن أن أقول إن التخفيف سوف يقوم على 4 مبادئ أولها التدرج، وذلك باعتماد إجراءات تخفيف عبر مراحل مصحوبة بتدابير مواكِبَة حسب تطور الوضعية الوبائية.
ويعتمد ثانيها على البعد الجغرافي والمحلي، لأخذ التفاوت الموجود في الوضعية الوبائية بين الأقاليم والعمالات (المحافظات) بعين الاعتبار، فيما يرتكز ثالث مبادئ تخفيف الحجر على المرونة وإمكانية المراجعة، وذلك بخضوع إجراءات تخفيف الحجر الصحي أو رفعه للمراقبة المستمرة.
وعند بروز بؤر جديدة، أو ارتفاع في عدد الحالات، يمكن وقف تنفيذ بعضها على مستوى الأقاليم والمحافظات المصابة، تفادياً لتصاعد انتشار الفيروس والعودة إلى تدابير أكثر صرامة.
أما المبدأ الرابع، فيتجلى في التمييز الإيجابي، وذلك بتوفير حماية أكبر للفئات الهشة صحياً، مثل كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.
يَنْبَني تخفيف الحجر الصحي على شروط وبائية، وشروط لوجيسيتكية وتدبيرية، من أبرزها تطوير قدرة البلد على توفير ما يكفي من اختبارات أو تحليلات طبية للذين يعانون من أعراض "كوفيد19" بحيث يكون اكتشاف الحالات الجديدة بشكل أسرع وتَتَـبُّع مخالطيهم بطريقة أكثر فاعلية، وفي هذا السياق يندرج عمل الحكومة على توسيع قدرة النظام الصحي على إجراء الاختبارات الخاصة بكوفيد 19، وهو الأمر الذي وصلنا له اليوم من خلال حوالي 13 ألف اختبار في اليوم.
وبطبيعة الحال فإن المرحلة المقبلة تقتضي استمرار التقيد والعمل بالإجراءات الاحترازية، الشخصية والمهنية، بل سيتعين استصحاب عدد من التدابير ذات الطابع العام، من قبيل الإبقاء على التدابير الوقائية، خاصة التباعد الاجتماعي، وإجراءات النظافة الشخصية، والتطهير المنتظم للأدوات والمِساحات المستعملة بكثرة، والالتزام بارتداء الكمامات في الفضاء العام، وربما يجب أن نتعايش مع هذا الوضع لزمن ليس بالقصير.
أما فيما يخص استئناف أي نشاط اقتصادي أو تجاري، فهو مرهون بالتقيد بإجراءات احترازية وصحية مضبوطة، تراعي خصوصية هذا النشاط، وقد وضعت القطاعات الحكومية عشرات الدلائل المرجعية التي توضح تلك الإجراءات وتفصلها بالنسبة للأنشطة التجارية والاقتصادية التي تدخل في اختصاصاته بتنسيق مع وزارة الصحة.
ألا تتخوفون من موجة ثانية للوباء؟
نظرياً هذا الاحتمال وارد بعد تخفيف الحجر الصحي، ولذلك نؤكد على التقيد بإجراءات الوقاية والتعايش معها وعدم الاستخفاف بها لزمن غير قصير.
وللحيطة من وقوع هذا الاحتمال عملنا على رفع القدرة على المراقبة الفعالة، وتتبع جميع الحالات المؤكدة ومخالطيهم بطريقة ناجعة وسريعة، كما تعمل الحكومة على توفير مخزون كاف من المستلزمات الطبية ومعدات الحماية الشخصية، وخصوصاً الكمامات والمُطهِّرات، لمواجهة أي ارتفاع محتمل لحالات الإصابة بعد تخفيف الحجر الصحي.
كما قامت صناعتنا الوطنية وتقوم بمجهود كبير لتوفير هذا المخزون الضروري، وسيكون بحول الله مُتيسّراً لمنظومتنا الصحية.
في السياق نفسه، عملت وزارة الصحة ووزارة الداخلية على تطوير تطبيق معلوماتي مغربي، للإشعار وتتبع الحالات المحتملة التي تعرضت لفيروس كورونا الجديد يحمل اسم "وقايتنا"، لتحديد مخالطي الحالات المصابة والتواصل معهم، وهو للاستعمال بطريقة تطوعية.
تجربة الوباء ستدفع دول العالم إلى إعادة ترتيب أولوياتها.. فما هي أولويات حكومتكم من أجل الشعب المغربي؟
بالتأكيد، سيدفع فيروس كورونا المستجد، الدول وكذلك المجتمعات والأفراد لمراجعات كثيرة وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات والسلوكيات، لأن ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، وخاصة على المستوى الاقتصادي.
لكن بالنسبة للحكومة فأول ما ستراجعه هو قانون المالية (الموازنة العامة) لسنة 2020، لأن تداعيات الجائحة أثرت على مختلف الفرضيات التي أطَّرت إعداده، ونعمل حالياً على مشروع قانون مالية تعديلي، سيكون مرتكزاً لتفعيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، ويعطي الأولوية للتعليم والبحث العلمي والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية، ويركز كذلك على تسريع التحول الرقمي وتعميمه.
أضرت الجائحة بآلاف من العاملين وتوقفت المقاولات كما قال وزير الشغل.. كيف ستواجه الحكومة هذه الأضرار الاقتصادية؟
للأسف هذه من تداعيات الوباء على الصعيد العالمي، فجُلُّ الدول وجدت نفسها بين نارَيْن، نار الوباء ونار ما وصفته بالشلل الاقتصادي، واحتارت أيهما تطفئ أولاً، والحال أنهما مترابطان.
لذلك، نحن ملزمون بالاستمرار في مواجهة الوباء وتداعياته، واتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة التي من شأنها مواصلة معركة الحد من انتشاره والحفاظ على مُكتسباتنا في هذا المجال، وملزمون أيضاً بإطلاق عجلة الاقتصاد مع تقوية الإجراءات الاحترازية وضمان التزام المقاولات بالتعهدات في هذا الباب.
كما أن الحكومة، بالموازاة مع إعداد مشروع قانون المالية التعديلي، مُنكَبَّة على وضع خطة لإنعاش الاقتصاد الوطني، ستشكل رافعة مهمة من أجل تسريع استئناف النشاط الاقتصادي الوطني، تأخذ بعين الاعتبار التحولات المحلية وأيضاً الدولية.
وتعمل على توفير جو ملائم للمقاولات الوطنية لتنمية أنشطتها والحفاظ على مناصب الشغل وإحداث أخرى، والعمل على استرجاع الديناميكية التنموية التي انطلقت بداياتها خلال الأشهر الأخيرة من السنة الماضية. وقد أُعلن عن عشرات التحفيزات والإجراءات المصاحبة للمقاولة، وسيعلن عن إجراءات أخرى في المستقبل.
أكثر من هذا، نحن مطالبون للاستعداد لعالم ما بعد أزمة الجائحة، بزيادة حجم الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية الواعدة. وهناك شبه إجماع حول الأوراش والقطاعات التي يجب أن نوليها العناية الكبرى ونمُدَّها بالإمكانيات الضرورية في المرحلة المقبلة، وأبرزها قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي والحماية الاجتماعية، بالإضافة لوَرشَين داعمين أساسيين، هما تسريع التحول الرقمي والحكامة الجيدة.
ننتقل للسياسة، هل يمكن تأجيل الانتخابات التشريعية المقررة في منتصف 2021 بسبب كورونا؟
هذا الموضوع غير مطروح اليوم على طاولة النقاش، فنحن منشغلون على الأقل في المدى المنظور، فيما تبقى من السنة الجارية، بالمعركة ضد الوباء وتداعياته، وعندما ننجح وسننجح إن شاء الله، آنذاك لكل حدث حديث.
تداول المغاربة نسخة من مشروع قانون سمّوه بـ"قانون الكمامات" لأنه يهدف للحد من حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي.. فهل هذا صحيح؟
أعتقد أن الموضوع تم تضخيمه أكثر من اللازم، أولاً أعضاء الحكومة وقبل أن يخرج خبر مشروع القانون 22.20، أبدوا ملاحظات عديدة وشكلت الحكومة لجنة تقنية لأخذ تلك الملاحظات بعين الاعتبار وتعديل المشروع، واشتغلت بالفعل على ذلك.
كما اتخذ مجلس الحكومة آنذاك قراراً بتشكيل لجنة وزارية لتعرض عليها نتائج اللجنة التقنية، ولو كانت هناك نيَّة مُبيَّتة بتمريره كما يتوهَّم البعض ويزعم، لفعلت الحكومة ذلك في حينه وأحالته على المؤسسة التشريعية، لكنها كما قلت أحالته على لجنتين تقنية ووزارية للمراجعة والتطوير. كما أؤكد أن النسخة المتداولة، ليست الصيغة التي انتهت إليها اللجنة التقنية في تلك المرحلة مع المراجعة الأولية.
وبعد إبداء الملاحظات في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أنصتت الحكومة وتفاعلت مع تلك الملاحظات والانتقادات، واستجابت لطلب وزير العدل بتأجيل النظر في المشروع وتوسيع التشاور. بمعنى آخر، ليس هناك أي نية لدى الحكومة للحد من حرية التعبير ولا تكميم الأفواه، ولا يستقيم ذلك ولا ينسجم مع توجهات بلادنا وتطور مسلسلها الديمقراطي خاصة بعد دستور 2011.
يعيش آلاف المغاربة العالقين ظروفاً نفسية واجتماعية صعبة دفعتهم للتظاهر والاحتجاج.. ما الذي أخّر إعادتهم للبلاد كل هذا الوقت؟
أتفهم معاناة المغاربة العالقين في الخارج بسبب الجائحة، ومعاناة ذويهم بالمغرب، ومنهم برلمانيون ومسؤولون سامُون، ومنهم أقارب لعدد من المسؤولين.
وتعمل الحكومة جاهدة لتجاوز كل العقبات التي ما زالت تحول دون عودتهم، بشكل آمن لهم ولذويهم.
لقد أعددنا سيناريوهات ليكون دخولهم إلى المغرب في أحسن الظروف. وفي انتظار ذلك، ولمواكبتهم خلال هذه الفترة الصعبة عليهم، كَـلَفت الحكومة القنصليات والسفارات للتواصل معهم، والإنصات إلى احتياجاتهم، وتقديم الخدمات لهؤلاء المواطنين، من رعاية طبية وسكن ودعم إداري.
في ظل أزمة "كوفيد 19" أرسلت "وكالة بيت مال القدس" مساعدات للقدس الشريف.. في أي سياق جاءت هذه الخطوة؟
هي رسالة دعم، ودعم المغرب للقدس والمقدسيين وكل الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه وفي مقدمتها إنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ورفض كل محاولات تهويد القدس والاعتداء على الحرَم القدسي والمسجد الأقصى، موقف ينطلق من ثوابت المملكة، ملكاً وحكومة وشعباً، في تعاملها مع القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق يندرج الموقف من الخطة الأمريكية للتسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن".
وتترجم المساعدات التي أمر جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، مؤخراً بإرسالها للقدس عبر وكالة "بيت مال القدس"، مواصلة الدعم العملي في ظل أزمة صحية عالمية صعبة، أذهلت دول تكتلات اقتصادية وسياسية عن بعضها البعض، لكن جلالته فكَّر في الشعب الفلسطيني وخاصة في مدينة القدس المحتلة لدعمها في مواجهات آثار أزمة فيروس كورونا المستجد.
في هذا السياق، قدمت الوكالة دعماً عينياً لمستشفيات المدينة والقطاع الصحي بها من قبيل أدوات وقائية، وكمامات وألبسة، ومواد تعقيم ومستلزمات خاصة بأقسام الطوارئ والعزل والحجر الصحي.، كما ساهمت الوكالة في إنجاح تجربة التعليم عن بعد في هذه المرحلة الحرجة لمساعدة الطلبة على مواصلة واستكمال دراستهم.
أخيراً، كلمة بحق الراحل عبدالرحمن اليوسفي
الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي رحمه الله، مناضل سياسي وطني، له تاريخ حافل في الدفاع عن الوطن وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو رجل دولة ترك بصمته في تاريخ المغرب المعاصر، وترأس حكومة التناوب في فترة مهمة من تاريخ بلادنا.