في وقت يعيش فيه لبنان على وقع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بدأت الضغوط تظهر على الحكومة اللبنانية من أجل عودة تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
وتشير مصادر خاصة إلى استعدادات وتحضيرات تدور الآن بين لبنان وسوريا من أجل التجهيز لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب إلى دمشق ولقاء بشار الأسد.
وتقول المصادر إن الزيارة مازالت في إطار الدراسة المعمقة، كونها ستكون أول زيارة لرئيس حكومة لبنانية منذ عام 2009، والتي كان الزائر حينها سعد الحريري في ذروة الاتفاق السعودي – السوري، والذي تعزز بزيارة الحريري حينها بعد سنوات من الحرب والتحالفات بين مؤيد لسوريا وخصم لها يتهمها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
نائب لبناني يجهز مع علي مملوك
تتحدث مصادر خاصة لـ "عربي بوست"، مطلعة على عملية ترتيب زيارة دياب لدمشق، عن أن النائب البرلماني جميل السيد يقوم بترتيبات الزيارة المرتقبة، ويعمل على تنسيقها مع كل الجهات السياسية المرتبطة بالزيارة، كالتيار الوطني الحر وحزب الله والقيادة السورية في دمشق.
السيد كان يتولى إدارة لبنان إبان فترة الوجود السوري من خلال ترؤسه جهاز الأمن العام اللبناني، وهو المرشح لخلافة نبيه بري في رئاسة البرلمان.
ينسق السيد مع نائب الرئيس السوري اللواء علي مملوك على الزيارة، إذ سيكون الشكل الظاهري للزيارة هو حل أزمة المعابر الحدودية والتهريب، وهو ما يعيد إحياء العلاقات الرسمية لإنعاش نظام الأسد.
ويؤكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الزيارة تنتظر أيضاً موافقة الجانب الروسي الذي لا يكترث كثيراً لأبعادها وأهدافها، في ظل اهتمامه بالواقع السوري الأكثر تعقيداً.
ويرى المصدر أن تضخيم تبعات الزيارة هو في إطار البعد السياسي الذي رسمه فريق سياسي يناوئ نظام دمشق، وليس هناك موانع بعد عودة سوريا بمعظمها لحضن النظام.
ويشدد المصدر على أن دولاً عربية بدأت بإعادة العلاقة مع دمشق منذ فترة، أبرزها مصر والإمارات، وشهدت المرحلة السابقة اتصالات بين الجانبين وتنسيقاً أمنياً، واختتمت باتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وسبقه إعادة فتح السفارة الإمارتية في دمشق.
"هذا يؤشر لغطاء أمريكي لمحور عربي بعينه بالتواصل مع نظام الأسد، فهل هذا محرم على لبنان الذي يرتبط بسوريا جغرافياً وسياسياً وتاريخياً بسوريا؟"، هكذا يتساءل المصدر.
ضغوط حزب الله من أجل التطبيع
قبل أيام، شدد أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في كلمة له عن الملف السوري، اختصر الرجل كل المطبات الاقتصادية والمالية والمعيشية والسياسية والتهريب الذي يعيشه لبنان بوجوب التطبيع مع النظام السوري.
تلك المعادلة تشبه إلى حدّ بعيد معادلة التوجه نحو الشرق التي اقترحها كحل ذات يوم لأزمة الاقتصاد اللبناني، وركزت على ضرورة فتح الحدود مع سوريا وتطبيع العلاقات والاستفادة من فتح معبر البوكمال لاستيراد المواد وتصدير المنتجات.
وطوال سنوات كان حزب الله يقوم بعمليات تهريب للبضائع من لبنان باتجاه سوريا، وفي الآونة الأخيرة، قام بمضاعفة كميات المواد المهربة رغم حاجة السوق اللبناني لها.
ويبدو أنه عند كل أزمة مفصلية منذ انتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة سعد الحريري، يفتح نصرالله ملف تطبيع العلاقة مع نظام بشار الأسد.
كانت المحاولات كثيرة لفرض هذا التوجه، لكن الحريري لم يقدم التنازلات. فيما توجه بعض الوزراء المحسوبين على حزب الله وحلفائه بشكل رسمي لدمشق، وهو ما فتح حينها معركة سياسية خاضها حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي وانتهت بإغلاق الحريري للملف.
اليوم يبدو الواقع قد تغيّر، حزب الله يحتاج لبذل كل جهوده وضغوطه، لتعبيد الطريق الرسمية بزيارة من قبل رئيس الحكومة إلى سوريا لإضفاء شرعية عربية ولبنانية على النظام الذي يحاول حلفاؤه إعادة تدويره إعلامياً على أنه مازال حياً.
حسان دياب لا يمانع
وإذا ما عادت الأمور إلى طبيعة حسان دياب وشخصيته، فهو طبعاً يتحمس لزيارة سوريا وعقد لقاءات رسمية هناك، ربما بذلك يكسر العزلة العربية، التي كسرها دبلوماسياً بُعيد تكليفه بلقائه مع السفير السوري في بيروت ولم يلتقّ أي سفير عربي آخر.
فالمنعطف السياسي والاقتصادي الذي يمر به لبنان في ظل القطيعة الدولية والعربية وغياب الراعي الحقيقي لحكومة يرأسها حسان دياب شكلاً وجبران باسيل مضموناً هو أمر ليس بالسهل. دياب لم يتمكن من زيارة أي عاصمة عربية، وتحديداً السعودية ومصر، الرعاة المباشرين لأي رئيس حكومة لبنانية.
السفير السوري أيضاً لم يقُم بزيارة أي رئيس حكومة منذ تعيين سفراء بين البلدين. وحتى في زمن حكومة نجيب ميقاتي التي لقبت حينها بحكومة حزب الله، حرص ميقاتي – على الرغم من علاقاته وشراكته مع رامي مخلوف في مجال شركات الاتصالات وأركان نظام الأسد – من عدم زيارة لا علنية ولا سرية إلى دمشق.
فميقاتي يقود تياراً سنياً ويدرك تبعات تطبيع مع نظام يخاصم طائفته، وشارك يوماً بقصف المدينة التي تنتخب الرجل نائباً عنها.
بينما حسان دياب لا طموح سياسي له ولا تنتابه فكرة زعامة السنة، الرجل يدرك أنه يقود حكومة تصفية حسابات وتقاطع مصالح وتمرير وقت، وهناك من يشير إلى أن بعض الكواليس السياسية تضج في مسألة ترتيب زيارة إلى سوريا، ولكن في المقابل هناك رسائل تحذيرية متعددة من مغبة الإقدام على مثل هذه الخطوة.
المعارضة تخشى من تبعات الزيارة
فيما تخشى مصادر سياسية معارضة لـ "عربي بوست" من أن أي خطوة من هذا النوع، ستنعكس سلباً على لبنان، لا سيما أن سوريا ستكون في الشهر المقبل أمام استحقاق "قانون قيصر" الأمريكي، والذي سيعاقب كل المتعاونين مع النظام السوري.
وترفض أطياف المعارضة على اختلاف مكوناتها قيام حسان دياب بزيارة لسوريا، وترى أن الزيارة ستكون مقدمة لازدياد الحصار الدولي على لبنان في ظل العقوبات الأمريكية التي ستفرض على الأسد ونظامه.
ويحاول لبنان الالتفاف على هذه العقوبات، تارة بتهريب الدولار إلى سوريا وتارة أخرى بتهريب الوقود والطحين لمناطق نفوذ إيران في سوريا.
ويؤكد مصدر مطلع في المعارضة أن الزيارة تأتي بعد خطاب نصرالله الذي طلب بإعادة التنسيق مع الجانب السوري، وهذا يعزز فرضية سيطرة الحزب على قرارات الحكومة حتى في السياسة الخارجية التي تخالف الإجماع العربي والدولي.
وحول فرضية أن الزيارة تأتي بعد تواصل عربي مع النظام، يؤكد المصدر أن الموقف الإماراتي والمصري ينطلق من سياق مختلف وهو سياق غير مرتبط بالأسد، بل بالتمدد التركي والإخواني في العالم العربي.
هذا التمدد يشكل تهديداً مباشراً لدور القاهرة وأبوظبي في المنطقة الحريصتين على عدم دخول الإخوان المسلمين في المشهد السوري المقبل، ودليل ذلك عدم إعادة النظام للجامعة العربية والموقف الغربي من الأسد.