ينتابُ الشارع الفلسطيني شعور بالغضب الشديد تجاه البنوك العاملة في فلسطين بعد أن شرعت بإغلاق حسابات مصرفية لأسرى يقبعون في السجون الإسرائيلية وآخرين محررين؛ متهمين إياها بالاستجابة للضغوط، وذلك قبيل أيام من انتهاء مهلة بذلك قد منحتها تل ابيب لهذه البنوك.
يأتي هذا في أعقاب تعديل إسرائيل قانوناً سيدخل حيز التنفيذ بعد أيام يفرض عقوبات السجن الفعلي وغرامات مالية على مسؤولين في مصارف فلسطينية تواصل تقديم خدماتها لمن وصفتهم بـ "إرهابيين مسجونين في إسرائيل"، على حد تعبير إسرائيل.
وتفاجأت عائلات فلسطينية يقبع أبناؤهم في السجون الإسرائيلية، بتلقيهم اتصالات من بعض البنوك، تطالبهم بالحضور إلى مقراتهم، وإغلاق حساباتهم البنكية، بذريعة ممارسة الاحتلال الإسرائيلي تهديدات بحقها، ما أثار ردود أفعال منددة بهذا القرار.
وثارت تساؤلات حول دور السلطة الفلسطينية في هذا الأمر، في وقت صب فيه فلسطينيون جام غضبهم على البنوك لرضوخها لهذا التدخل الإسرائيلي. وعما إذا كانت هناك مقدمات سياسية لهذا الإجراء الاحتلالي الجديد؟
اتصالات إسرائيلية أمريكية مع السلطة
مصدر مسؤول في السلطة الفلسطينية، فضل عدم ذكر اسمه، كشف لـ "عربي بوست" عن وجود "اتصالات سرية طويلة" أجرتها إسرائيل وأمريكا مع السلطة الفلسطينية على مدار الأشهر الأخيرة، رافقها حملة ضغط على السلطة بهدف إلغاء قانون الأسرى أو تعديله.
وبحسب المصدر، فإن السلطة حاولت إيجاد "تخريجة" أمام الرأي العام الفلسطيني والأسرى لتعديل القانون، ولكنها أدركت أن خطوة من هذا النوع من قبلها سيظهرها متعاونة مع إسرائيل وتسبب لها ضرراً سياسياً كبيراً في المشهد الداخلي.
لذلك، لم يكن أمام رئيس السلطة محمود عباس -بحسب المصدر- إلا أن بعث رداً لإسرائيل، مفاده "أنه لا يستطيع من طرفه أن يُقدم على هذه الخطوة وإلغاء القانون كونه يخشى أن يتحمل مسؤولية كبيرة جراء ذلك".
ووفق ما يكشفه هذا المسؤول لـ "عربي بوست"، فإن طرفاً فلسطينياً -بعينه- على اتصال مستمر مع الجانب الإسرائيلي، قام بنصح تل أبيب أن تقدم على هذه الخطوة من طرفها هي، ما دامت السلطة لا تستطيع إلغاء أو تعديل قانون رواتب ومستحقات الأسرى.
وبحسب المصدر الذي بدا ممتعضاً من أداء السلطة الفلسطينية إزاء القضية، فإن السلطة حاولت اقناع اسرائيل وامريكا بأن الاستقرار الأمني وبقاءها يحتاج إلى مواصلة دفع هذه الأموال لعائلات الأسرى، وأن وقفها من شأنه أن يضرّ بالوضع الراهن ويشكل خطراً على وجود السلطة واستمراريتها.
ويصف هذا المسؤول الفلسطيني، القرار الإسرائيلي الجديد بخصوص حسابات الأسرى المصرفية، بأنه يندرج ضمن قيام اليمين الإسرائيلي والأمريكي بتدريب المنطقة وتدجين السلطة الفلسطينية، على حد تعبيره.
يذكر أن رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض يُحسب له أنه هو مَن قام بهندسة تعديلات على قانون الأسرى والمحررين، بطريقة تُرتب وتُنظم مستحقاتهم وحقوقهم بناء على نضالاتهم وعدد السنين التي قضوها في سجون الاحتلال.
استياء البنوك من السلطة
وبينما أقدم مسلحون في مدينة جنين الليلة الماضية على إطلاق الرصاص على بنك القاهرة – عمان، تزامناً مع إضرام النار في صراف آلي لفرع له في أريحا، شنّ مدير فرع أحد البنوك في رام الله غضبه من حالة "التخوين" التي تتعرض لها البنوك من قبل الشارع الفلسطيني.
واتهم المسؤول في حديثه لـ "عربي بوست" السلطة الفلسطينية بأنها تركت البنوك وحيدة في مواجهة تهديدات إسرائيل وقانونها الجديد الذي بدأ مفعوله الشهر الحالي.
ويتساءل هذا المسؤول المصرفي، قائلاً: "عندما تهددنا إسرائيل بسجن مدير فرع البنك في حال تم فتح حساب مصرفي لأي أسير أو عائلته من الدرجة الأولى وكذلك المُحررين، علاوة على غرامات مالية كبيرة بحقنا، فماذا بوسعي أن أفعل، وما هو خياري؟ أنا لا أستطيع المواجهة".
وطالب مدير الفرع البنكي، الشارع الفلسطيني أن يغضب ضد السلطة وليس البنوك، لأنه مطلوب من السلطة مواجهة هذا الإجراء الإسرائيلي سياسياً وقانونياً، وليس من خلال إلقاء المسؤولية في ملعب البنوك وتخوينها واتهامها بالتساوق مع الاحتلال.
وبحسب بيانات فلسطينية، اعتقلت إسرائيل نحو مليون فلسطيني منذ عام 1967 (تاريخ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة)، فيما بلغ عدد القابعين داخل السجون في 2020، حوالي 5 آلاف معتقل.
السلطة تنفي
في المقابل، نفى مصدر من الرئاسة الفلسطينية لـ "عربي بوست" الاتهامات الموجهة للسلطة بترك البنوك وحدها في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية أو أن تكون قد تقاعست بطريقة أو بأخرى.
لكنه أقر في الوقت ذاته أن "السلطة انكسرت أمام الضغط الإسرائيلي" الذي وصفه بـ "السياسي" كونه يصب باتجاه الضغط والابتزاز عليها عبر البنوك؛ ذلك أن النظام الاقتصادي الفلسطيني يقوم أساساً على البنوك التي ساعدت الحكومة في ظل أزمة "المقاصة" وكذلك كورونا.
ويرى هذا المسؤول المقرب من رئيس السلطة محمود عباس، أن "الأمر العسكري" الإسرائيلي بخصوص حسابات عائلات الأسرى البنكية وكذلك المحررين، يتضمن ثلاث نواحٍ خطيرة: الأولى، المرونة بإمكانية دخول جيش الاحتلال إلى أي بنك فلسطيني ومصادرة أمواله. بينما تتمثل الناحية الثانية بالمسؤولية الشخصية لمدراء البنوك والموظفين إزاء فتح أي حساب بنكي خاص بالأسرى.
وأما الناحية الثالثة، فتقضي برفع دعاوى إسرائيلية ضد البنوك الفلسطينية وتغريمها كلما حانت الفرصة.
الحل عبر البريد
ويكشف المسؤول الفلسطيني أن السلطة تريد معالجة الموضوع بطريقة لا تعرض البنوك للخطر، وفي نفس الوقت تضمن استمرار صرف مستحقات الأسرى والمحررين.
وتتمثل طريقة المعالجة وفق هذا المسؤول، بإحياء بنك البريد. وعليه فإن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية سيجتمع السبت 9 مايو/أيار مع مجالس إدارة البنوك، ليبلغهم عن إعفائهم من هذه المخاطرة جراء القرار الإسرائيلي والطريقة الجديدة لدفع مستحقات الأسرى.
وتقضي طريقة الدفع الجديدة بأن الدفع سيكون عبر مراكز البريد والتي يبلغ تعدادها في الأراضي الفلسطينية نحو "40" مركزاً، حيث تعكف السلطة الفلسطينية على تجهيزها لهذه المهمة في غضون أسبوعين، وفق ما أفاد به المصدر المسؤول لـ "عربي بوست".
لعلّ ما عزز مخاوف البنوك الفلسطينية من القانون الإسرائيلي الجديد، ما تعرض له البنك العربي خلال السنوات الماضية من رفع دعوى قضائية ضده في الولايات المتحدة الأمريكية لاتهامه بـ "تمويل الإرهاب"؛ ما اضطر البنك العربي لدفع أكثر من مليار دولار نتيجة هذه الدعاوى.
ثم عادت هذه الاتهامات الإسرائيلية إلى الواجهة مجدداً مطلع العام الجاري ضد البنك العربي الذي يوصف بأكبر البنوك في المنطقة، بعد رفع عائلات قتلى ومصابين إسرائيليين جراء عمليات فلسطينية بين عام 1995 و2005، بدعوى ضده تتهمه بالضلوع في "تمويل الإرهاب". وقد رد البنك العربي حينها على الدعوى الإسرائيلية التي تطالبه بـ20 مليار شيكل.