كانت مطالبة وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا، الأربعاء 22 أبريل/نيسان 2020، الأردن بالتوقف عن دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، سابقةً أولى من نوعها، إذ لم يسبق أن وجهت حكومة الوفاق اتهاماً رسمياً إلى عمَّان.
ويؤكد اتهام حكومة الوفاق للأردن بدعم حفتر ما نشره "عربي بوست" قبل 3 أشهر، عن تفاصيل عمليات الدعم التي تقدمها عمّان لقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
وكان الوزير الليبي قال في مؤتمر صحفي، الأربعاء 22 أبريل/نيسان 2020: "لقد حان الوقت لكي تتوقف الإمارات ومصر والأردن وروسيا عن دعم حفتر وتمكينه من إرهاب المدنيين واستهدافهم، كما حان الوقت لهذه الدول أن تتوقف عن تسهيل انتشار جائحة كورونا في ليبيا وخارجها".
وتابع: "التقارير التي لا تتوقف حول انتهاكاتكم، وسجلات رحلات طائراتكم العسكرية التي لم تتوقف عن انتهاك سيادتنا على أجواء بلدنا، وصمةُ عار يسجلها التاريخ لأنظمتكم، ودلائل سنلاحقكم بها في المحافل والمحاكم الدولية".
تفاصيل الدعم الأردني
وكان "عربي بوست" نشر يوم 27 يناير/كانون الثاني 2020، تقريراً يتضمن تفاصيل الدور الأردني في تقديم الدعم لخليفة حفتر.
وأكدت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن الدعم الأردني بدأ مع صعود حفتر في عام 2015، على الساحة الليبية، حيث كانت المعارك مشتعلة والصراع محتدماً في مدينة بنغازي.
فمنذ أن بدأت الحرب بمدينة بنغازي في مايو/أيار 2014، وحتى منتصف 2017، كانت المعارك محتدمة والاشتباكات في عدد من أنحاء ومناطق المدينة، وكانت هناك فرق مخابراتية وعسكرية عربية وغربية على حد سواء، منها ما يراقب ما يحدث ويجمع المعلومات، ومنها ما يقدم الدعم العسكري بالأسلحة والذخائر.
الطرفان المصري والإماراتي كانا حاضرَين، لكن حضورهما كان مكشوفاً للعالم وليس عندهم ما يخبِّئانه بخلاف الحضور الأردني، فدعمهما لقوات حفتر بالأسلحة والذخائر كان قديماً منذ بداية الحرب ولا يزال مستمراً، عبر أنواع الدعم كافة، سواء اللوجيستي أو المعلوماتي أو السياسي، لكن الأردن ليس له أي دور سياسي واضح ومعلن في الأزمة الليبية، كما هو الحال لدى الإمارات والسعودية ومصر.
وأكد النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، فوزي العقاب، لـ"عربي بوست"، أن الأردن دعم حفتر بالعربات والمدرعات المصفَّحة والمسلحة، وهذا ما أكدته التقارير الصادرة الأخيرة عن الأمم المتحدة بخصوص ليبيا، خاصةً التقرير الأخير الذي أكَّد دعم الأردن لحفتر، خاصةً بالسلاح.
وأشار إلى أن هناك زيارات متبادلة بين اللواء خليفة حفتر ومسؤولين كبار في الأردن، وقد استقبله الملك عبدالله شخصياً رغم أنه لا يحمل أي صفة شرعية ويسفك دماء الليبيين، وكانت غالبية اجتماعات حفتر المهمة قد عُقدت في عمَّان.
وبحسب المعلومات الخاصة الواردة لـ"عربي بوست"، فإن هناك أسلحة وذخائر شُحنت من الأردن ووصلت إلى قوات حفتر شرق ليبيا، وذلك في أثناء احتدام المعارك والاشتباكات عام 2015، في بنغازي.
ضباط حفتر تلقوا تدريبهم بالأردن
وذكر الإعلامي والصحفي الليبي أحمد خليفة، مراسل "الجزيرة" في ليبيا، أن الدعم العسكري الأردني لقوات حفتر ارتفعت وتيرته في عامَي 2015 و2016، فكانت هناك زيارات قام بها خليفة حفتر للأردن عدة مرات، وأيضاً أبناء حفتر كانوا يترددون على الأردن.
وأضاف خليفة لـ"عربي بوست"، أنه كانت هناك وحدتان تابعتان لقوات حفتر درستا في كليات عسكرية أردنية، وتحديداً بعد الانقسام الذي حصل عام 2014، حيث كانت هناك سلطة في الشرق وسلطة بالغرب، وهناك عمليات عسكرية في الشرق وأخرى بالغرب.
ولفت إلى أن هذا الانقسام لم يقف الأردن منه موقف الحياد، بل دعم حفتر واستقبل عسكريين على أراضيه وقدَّم لهم دورات ومقاعد دراسية في الكليات العسكرية الأردنية، وما يثبت ذلك حفلُ تخرُّج عدد من العسكريين الليبيين والذي أقيم بالأردن وحضره أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي "حفتر"، وصدام حفتر نجل خليفة حفتر.
ويضيف أحمد خليفة قائلاً: "الملحقية العسكرية التابعة للسفارة الليبية في الأردن كان على رأسها العقيد طيار أحمد مسعود البرغثي، ولاؤه لحفتر وقواته بالكامل، وكان حلقة الوصل بين الأردن وقوات حفتر في التعاون العسكري والأمني بين الجانبين".
ويؤكَّد خليفة أن الدعم الأردني شمل في الأساس الأسلحة والذخائر والمدرعات، وقد أثبتت عدة تقارير وجود حركة طيران بين الأردن وإسرائيل وقواعد جوية تابعة لحفتر في شرق ووسط ليبيا، حيث كانت تتنقل عدة طائرات بين هذه الأماكن.
ماذا يستفيد الأردن؟
يسعى الأردن لتحقيق عديد من المكاسب من خلال دوره في الأزمة الليبية، وعلى رأسها إعادة إحياء أدوار الدبلوماسية الأردنية بالمنطقة العربية بعد سنوات من الغياب في عديد من الملفات التي كانت فيها عمّان لاعباً أساسياً، ووسيطاً موثوقاً به.
كما يحاول تحقيق مكاسب مالية من وراء تعاظم دوره في ليبيا، من خلال حجز نصيب بملف إعادة إعمار ليبيا، والذي من شأنه أن يحقِّق انتعاشة مالية للبلد الذي يعيش أزمات اقتصادية مستمرة، خصوصاً في ظل الحديث المتواتر من جانب مسؤولين ليبيين عن أهمية وجود دور أردني في ملف إعادة الإعمار.
ولكن يبدو أن الدعم الأردني لحفتر أهم أسبابه مرتبط بمحاولة الأردن إرضاء دول الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية، وتقليل الضغط عليه في ملفاتٍ أكثر أهمية وأخطر بالنسبة له مثل صفقة القرن.
ومن الواضح أن العاهل والنظام الأردني يتعرضان لضغوط إماراتية بدرجة أولى، وبدرجة ثانية من السعودية، فهما اللتان أقحمتا الأردن ودفعتاه إلى اتخاذ موقف العداء من قطر في البداية، وكذلك دفعتاه لدعم خليفة حفتر.
كل هذا يأتي نتيجة لموقع ووضع الأردن الاقتصادي، وهذا ما يؤكده كل من فوزي العقاب وأحمد خليفة لـ"عربي بوست"، مؤكِّدَين أنه من الواضح أن الضغط السياسي الإماراتي على الأردن ضغط كبير جداً وليس عادياً.
فالذي يجبر الأردن على التدخل في ليبيا البعيدة عن حدوده وينساق وراء أبوظبي في توجهاتها الداعمة لحفتر بحسب رؤيتها، هو الضغط الإماراتي الذي كان أيضاً وراء مشاركة الأردن جزئياً في مقاطعة قطر.
ولكن تبيَّن أن الأردن شعر بأنه أخطأ في خياره وتوجُّهه هذا، وهو ما بدا واضحاً في مراجعة المملكة الهاشمية لعلاقاتها مع الدوحة وإعادة السفير إلى هناك.