شهدت العاصمة المصرية القاهرة دراما هوليوودية غير معتادةً، يوم الثلاثاء 14 أبريل/نيسان، في أعقاب عملية تبادل إطلاق نار شهدتها منطقة الأميرية بالعاصمة المصرية القاهرة، أسفرت عن مقتل 7 مسلحين وضابط مصري.
وعاش أهالي منطقة الأميرية الشعبية شرق العاصمة المصرية القاهرة، ساعات من الرعب والفزع، استمرت ما يقارب ست ساعات، وسط دويِّ طلقات الرصاص، التي لم يألفوا سماعها بهذه الصورة إلا في الأفلام.
يأتي هذا في وقت لم تكشف فيه وزارة الداخلية المصرية تفاصيل كثيرة عن المعركة التي اندلعت بين قوات الأمن والمسلحين، لكن "عربي بوست" التقى عدداً من شهود العيان والمصادر الذين رووا تفاصيل ما حدث منذ البداية وحتى النهاية لحظة بلحظة.
المشهد الأول: مصادرة أسلحة قبل يومين
ذكر مصدر أمني بقطاع الأمن العام في وزارة الداخلية، لـ"عربي بوست"، أن المعلومات الأولية لحادث الأميرية ظهرت عقب ضبط سيارة ربع نقل كانت تحمل شحنة من الخضراوات قادمة من طريق الصعيد متجهةً إلى القاهرة، يوم 12 أبريل/نيسان.
وبتفتيش السيارة عُثر على كمية من الأسلحة الرشاشة والثقيلة، وهو ما نشرته وسائل إعلام محلية منذ أيام بالفعل. وبعد التحريات ومطابقة معلومات أخرى لدى الأمن الوطني عن احتمال تنفيذ مسلحين عملية إرهابية، تم رصد "وكر خلية إرهابية في منطقة الأميرية"، على حد تعبيره.
وأوضح المصدر الأمني أن الأسلحة المضبوطة في سيارة الخضراوات كانت مفاجأة لقوات الأمن، فهي أسلحة ليست عادية، بل كان ضمنها مضادات للطائرات؛ ومن ثم تمت إحاطة الأمن الوطني لتولي القضية، فهي لم تكن قضية أسلحة عادية لمجرد تجار مخدرات أو سلاح.
وأضاف المصدر أنه بعد اكتشاف خط سير الشحنة، "لم نتأكد من المعلومات بشكل كافٍ، فتوجهت قوات للتعامل، ولم يكن من الممكن استدعاء قوات مكافحة الإرهاب، من أول لحظة للاشتباك؛ حيث لم تكن المعلومات متاحة بشكل كامل".
المشهد الثاني: أَسر الضابط
أما عن بداية أحداث اليوم الدامي، فكانت في شارع عباس مصطفى، أحد الشوارع الهادئة النادرة بعزبة محمود شاهين، تلك المنطقة التي تكتظ عادة بالمواطنين، سواء من السكان أو عمال الورش المنتشرة فيها، أو الأشخاص المترددين على تلك الورش لإصلاح سياراتهم.
التقى "عربي بوست" مصطفى، الذي كان واقفاً أمام إحدى العمارات حديثة البناء التي لا يزيد عمرها على 6 سنوات تقريباً، ولا يعرف كثير من المارين رقمها المطموس على اللوحة الصغيرة المثبَّتة على الجدار المجاور لمدخل العمارة والذي أكد أن العمارة تحمل رقم 3، وهي العمارة التي شهدت الأحداث الدامية.
العمارة المنعزلة نسبياً عن بقية الأبنية في الشارع، تقع أمام الشركة المصرية الألمانية للمنتجات الكهربائية (إيجيماك)، وتنتشر حولها محال من الصاج، وخلفها يقع مبنى هيئة المواصفات والجودة، وتنتشر حولها ورش لتصليح السيارات.
يحكي مصطفى لـ"عربي بوست" أن الأحداث بدأت في الساعة الرابعة إلا ربع عصراً تقريباً بتوقيت القاهرة، حيث كان هناك 4 أفراد في زي مدني يتتبَّعون خط سير 3 أشخاص آخرين كانوا قد نزلوا من "توكتوك" ومعهم "جوال" غير واضحٍ ما كان فيه.
وعندما اقترب الثلاثة من العمارة التي يترددون على إحدى الشقق بها، بدأوا في التعامل مع مراقبيهم، من خلال الاشتباك بالأيدي معهم.
وبعد معركة عنيفة بالأيدي والعصي، تطوَّر الأمر عندما علِم بالمشاجرة بقية أفراد المجموعة، وعددهم 4 كانوا في إحدى الشقق بالعمارة المذكورة.
بادر هؤلاء الأربعة بالنزول لمساعدة زملائهم ومعهم بنادق آلية، وبدأوا في إطلاق النار على المراقبين الذين لم تكن هويتهم معروفة للمواطنين الموجودين بالمنطقة، سواء من عمال الورش أو المارين الراغبين في الوصول إلى منازلهم قبل بدء حظر التجول في الثامنة مساء.
وأسفر إطلاق النار عن إصابة واحد من المراقبين، تبين لاحقاً أنه أمين شرطة، في كتفه الأيسر ورجله، في حين فر اثنان محاولَين النجاة بحياتهما. وتمكن المسلحون السبعة من أَسر الرجل الرابع، الذي تبيَّن لاحقاً أنه مقدم الأمن الوطني، محمد الحوفي، الذي لقي حتفه فيما بعد.
المشهد الثالث: تدخُّل الشرطة وهروب بعض المسلحين
محمد، وهو عامل في ورشة لتصليح السيارات، كان يشاهد ما يجري، وجذب الشخص المصاب من ملابسه، ليبعده عن ساحة المعركة، ووضعه على كرسي في شارع جانبي حتى يستردَّ أنفاسه. كان في نيته أن يطلب له الإسعاف؛ اعتقاداً منه أنها مجرد مشاجرة، لكنه علمِ من الرجل أنه شرطي، وسمعه يتحدث في هاتفه المحمول، ليحكي ما حدث ويطلب قوات تعزيز.
عاد محمد -كما روى لـ"عربي بوست"- إلى ساحة الأحداث، فوجد 3 رجال تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين عاماً، وهم يمسكون بشخص ثانٍ كان أحدَ المراقبين الأربعة، ثم حملوه عنوةً معهم وصعدوا به إلى الطابق الخامس حيث تقع الشقة التي يقطنون فيها.
وشاهد محمد بعينيه -كما يقول لـ"عربي بوست"- فرار اثنين من العمارة، أحدهما يرتدي جاكيت أسود والآخر يلبس سويتر أصفر، يحمل في يده حقيبة سوداء، تزامناً مع وصول أول عربة شرطة من قسم الشرطة القريب.
حاولت السيارة مطاردة الشخصين، لكنها توقفت بعدما فتح أحدهم الحقيبة، ما جعل أفراد الشرطة يخشون من أن يرميهم بعبوة ناسفة. وفي التو استقل الاثنان توكتوك ولاذا بالفرار.
سمع محمد أحد المراقبين الذي قد فر هارباً، وهو يطلب استدعاء مزيد من القوات عبر هاتفه المحمول، قائلاً: "الإرهابيون أخذوا محمد بيه"، وهو اللقب الذي يُنادى به عادةً ضباط الشرطة في مصر، خصوصاً من المدنيين، أو ممن يقلّون عنهم في الرتبة من أفراد الوزارة الداخلية.
عرف محمد في تلك اللحظة أن المراقبين الأربعة كانوا في مهمة لمراقبة خط سير الأشخاص الثلاثة، الذين قال عنهم أحد أمناء الشرطة إنهم إرهابيون يقطنون مع آخرين في تلك العمارة، وكانوا يستعدون للقيام بأعمال تفجير وقتل خلال فترة أعياد الأقباط مطلع الأسبوع المقبل.
المشهد الرابع: تعزيزات الشرطة وتبادل إطلاق النار
شاهِد عيان ثالث، رفض ذكر اسمه، قال لـ"عربي بوست" إن العناصر المسلحة، كانوا يقطنون في شقة يستأجرها شخص يُدعى أحمد سلمان، في بداية الأربعينيات من عمره، يعمل مع أخيه في تجارة قطع غيار السيارات، ولم تظهر عليه منذ أن انتقل إلى الإقامة في المنطقة قبل نحو 3 سنوات، أية أعمال مريبة أو نشاط غريب، ولم يُثر الشكوك حوله نهائياً.
بعد مرور نحو 10 دقائق، وتحديداً في الساعة الرابعة و10 دقائق، وصلت إلى المنطقة سيارة تابعة للأمن المركزي من قسم شرطة الأميرية الذي يبعد عن العمارة بمسافة لا تزيد على كيلومتر واحد، نزل منها بضعة جنود وضابط وحاصروا العمارة، لكنهم قُوبلوا بوابل من إطلاق النار الكثيف من المسلحين الذين كانوا موزَّعين بين شرفة الشقة في الدور الخامس، وسطح العمارة المكونة من 10 أدوار.
وبعد دقائق تحدَّث الضابط في جهاز لا سلكي كان يحمله، ليبلغ أن "الوضع زي الزفت، موش عارفين نسيطر على الموقف يا فندم، معاهم أسلحة ثقيلة ومتمركزين في أماكن مرتفعة يصعب معها إصابتهم من الشارع، حيث نقف وليست هناك عمارة توازيها ارتفاعاً أو تفوقها، لكي يعتلوها ويضربوا عليهم".
التقط مصطفى خيط الحديث، كاشفاً مزيداً من التفاصيل التي عرفها، فقال إن ثلاثة من المسلحين اعتلوا سطح العمارة، في حين بقي اثنان بشرفة الشقة، بينهما أحمد سلمان مستأجِر الشقة، فيما خرج اثنان إلى بهو العمارة الداخلي، لمنع قوات الأمن من اقتحام العمارة.
وطلب الضابط المسؤول من الأهالي الابتعاد عن الشرفات والنوافذ، كما طلب من أصحاب الورش والمحال المصنوعة أبوابها من الصفيح، إغلاقها والابتعاد عن المكان؛ حفاظاً على حياتهم.
وبعد ما يقرب من نصف ساعة، وصلت إلى المكان قوات إضافية، عرف الشاهد الذي رفض ذكر اسمه، أنهم من أقسام شرطة المطرية والزيتون وحدائق القبة، وهي المناطق القريبة من منطقة الأميرية، وتحوَّل الشارع إلى ثكنة عسكرية.
ثم بدأت قوات الأمن في تبادل إطلاق النيران مع المسلحين، الذين كانوا يتمتعون بميزة وجودهم في مكان مرتفع، وهو الأمر الذي صعَّب على قوات الأمن إصابة أحد من السبعة، كما لاحظ الشاهد العيان الذي قال إنه يعرف بعض تكتيكات إطلاق النار، بحكم خدمته في الأمن المركزي عدة سنوات، قبل أن يفتح ورشة لإصلاح السيارات.
المشهد الخامس: الشرطة تقتحم
لجأت الشرطة إلى قطع الكهرباء عن المنطقة، حتى تحرم المسلحين من تفوُّقهم المكاني، واستمر تبادل إطلاق النار، من الخامسة أو الخامسة والنصف تقريباً، حتى التاسعة مساء، حيث نجحت قوات الأمن أولاً في تتبُّع عنصرين مسلحين موجودين في بهو العمارة، وقضت عليهما، وهو ما ساعد القوات المهاجمة على اقتحام الشقة، لتقضي على العنصرين اللذين كانا بداخلها، لكن بعد أن كانا أجهزا على مقدم الأمن الوطني الأسير لديهما.
وأوضح شهود العيان أن الوقت الذي أعلنت وزارة الداخلية فيه بيانها -الذي قالت فيه إن قوات الأمن قضت على عناصر الخلية الإرهابية بالكامل- لم يكن دقيقاً؛ لوجود 3 عناصر في شقة بالدور العلوي من العمارة، وكانت غير مأهولة بالسكان؛ وما زالت تحت التأسيس.
وبعد ساعة، تمكنت القوات المهاجمة من الإجهاز على العناصر الثلاثة المتمركزين في الشقة، لتخرج من العمارة في حدود الساعة العاشرة مساء، ويبدأ رجال الإسعاف والنيابة في الدخول؛ لمعاينة أماكن الأحداث ونقل جثث القتلى.
شاهد عيان رابع من سكان العمارة التي كانت ساحة للمعركة الشرسة، قال لـ"عربي بوست" إن العمارة مملوكة لرجل طيب -حسب تعبيره- يُدعى الشيخ سيد، يملك عدة طلمبات لتوزيع الكيروسين، لكن سكان العمارة والقاطنين في المنطقة لا يشاهدونه كثيراً، لأنه لا يأتي إلى المنطقة إلا نادراً.

أما المسؤول عن تأجير شقق العمارة بنظام الإيجار الجديد (لأن الشيخ سيد يرفض نظام التمليك)، فشخص آخر يُدعى الشيخ عماد، وهو شيخ سلفي معروف على نطاق واسع لكل أهالي المنطقة، لأنه -كما يقولون- رجل مبروك، حيث اعتاد بعض البسطاء من قاطني المنطقة أن يقصدوه ليعطيهم قنّينة مياه مبروكة، قُرئت عليها آيات من القرآن، يزعم أنها تشفي من بعض الأمراض.
لكن الشيخ عماد عندما أخذه الأمن الوطني نفى مسؤوليته عن هؤلاء الأشخاص، وقال إنه لا يعرفهم، وإنه لم يؤجر الشقة لهؤلاء، وإن شريكه صاحب العمارة هو من أجَّرها لهم.
بين الخلية الإرهابية والعصابة المسلحة
لكن من غير الواضح حتى الآن ماذا كانت طبيعة هؤلاء المسلحين بالضبط.
طبقاً لما سبق، نحن أمام احتمالين: الأول أن شحنة الأسلحة التي تم ضبطها يوم 12 أبريل/نيسان، كانت متوجهةً إلى تجار أسلحة ومخدرات بمنطقة الأميرية، فتمت مداهمة المنطقة والعقار، وذلك بعد التحريات التي أُجريت عقب ضبط سيارة الخضراوات المحملة بالأسلحة.
يعزز هذا أن منطقة الأميرية من المناطق الشهيرة بتجارة المخدرات والسلاح، وما يدعم هذا الاحتمال أن الاشتباكات استمرت 4 ساعات، وهو ما يعني أولاً أن هذا التشكيل العصابي علِم بقدوم قوات الشرطة من خلال "الناضورجي" الذي كان يقف أسفل العقار الذي يقطن به التشكيل، فاستعد للمواجهة، ولمعرفته بجغرافيا المكان الذي يقطنه استطاع الهروب.
الاحتمال الثاني أننا بالفعل كنا أمام خلية مسلحة كانت تستعد لعمل إرهابي لاستهداف الكنائس كما ذكرت الداخلية، ولكن من المعروف أن الكنائس مغلقة ولا توجد بها تجمعات؛ نظراً إلى حظر الصلاة والتجمعات بسبب كورونا، فهل كانت هذه الخلية ستستهدف الكنائس خالية؟
هنا يعلِّق المصدر الأمني لـ"عربي بوست"، قائلاً إن الكنائس بداخلها عمال وحراسة، والخلية كانت تستهدف عملاً تخريبياً لإحداث اضطرابات، بغضِّ النظر عن حجم الإصابات أو القتلى الذين سيقعون في العملية، على حد تعبيره.
على الجانب المقابل، لم ينفِ مصدر أمني بوزارة الداخلية ما يتم تداوله ولم يؤيده أيضاً، والتزم بما أعلنت عنه وزارة الداخلية في بيانها، بأنها "مجموعة إرهابية ترصَّدوا حركاتها وداهموها، وقضوا على جميع عناصرها".
وتجاهل المصدر الردَّ على سؤال مفاده: كيف ستتم مهاجمة كنائس مغلقة بالفعل بسبب انتشار كورونا؟! وبالمثل تجاهل كيف لمجموعة إرهابية تخطط لعمل إرهابي ولا يحتوي منزلهم على متفجرات أو قنابل مصنَّعة أو مواد تشير إلى أنهم في طريقهم لفعل ذلك؟! ولم يشر إلى أن هناك اثنين من تلك العناصر هربا.