"البلاد قد تقع في الفوضى إذا لم يرحل هؤلاء" هذه الكلمات كانت بمثابة تحذير من الجنرال المتقاعد علي الغديري للشباب الذي يقود الحراك في الجزائر، بعد أن فتح المرشح السابق النار على كل الأطراف السياسية في الجزائر إلا طرفاً واحداً فقط.
"عربي بوست"، بعد أن حاور عدة مرشحين في الانتخابات الرئاسية الملغاة، التقى هذه المرة بالجنرال المتقاعد علي الغديري، في حديث كشف فيه المخاطر المحيطة بالحراك الجزائري، الذي يفضل تسميته بالثورة.
الغديري الذي اشتهر بتصريحاته الجريئة ضد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة عندما كان يستعد لمنافسته في الانتخابات شرح الحلول الممكنة للأزمة، في ظل ما اعتبره تعنّتاً من السلطة في الاستجابة إلى مطالب الشعب، كما قدم تقييماً لموقف الجيش الذي يعتبر أحد أهم أطراف الأزمة.
هذه ثورة وليست حراكاً، وهي تكمل ما فعله جيل الاستقلال
خروج عشرات الملايين إلى الشوارع وفي مختلف مدن الجزائر، في نظر الجنرال المتقاعد علي غديري، ملحمة شعبية أبهرت العالم بأسره، وكانت سلميتها مربكة للنظام، الذي لم يجد إلى الآن الحلول اللازمة.
ويرفض الغديري تسمية المسيرات الشعبية في الجزائر بالحراك، بل يراه ثورة، تلتقي أهدافها مع ثورة التحريرة ضد الاستعمار الفرنسي، التي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
فالبيان الذي أصدره مفجرو الثورة الستة حينها حسبما يقول الغديري "كان يهدف إلى دحر الاستعمار الفرنسي وتحرير البلاد من الاستعباد، مع تحقيق جمهورية تتمتع بالاستقلالية والديمقراطية، وهما النقطتان اللتان خرج لتحقيقهما الشعب الجزائري في مسيرات الجمعة التي تبقى محفورة في التاريخ الجزائري".
وقال الغديري: "إن مهندسي الثورة ضد الاستعمار الفرنسي نجحوا في تحرير البلد، لكنهم أخفقوا في تحقيق جزائر ديمقراطية، وهو ما يسعى الشباب اليوم لتحقيقه".
كنت أعلم أنه ستقع ثورة في بلادنا.. وساندتها منذ البداية
وتوقع الجنرال المتقاعد أن يحدث هذا الحراك أو الثورة الشعبية كما يحلو له تسميتها.
واعتبر ذلك نتيجة مجموعة من الظروف التي استنتجها من خلال لقاءاته اليومية مع المواطنين.
وقال في هذا الشأن: "بحكم احتكاكي المستمر مع المواطنين، تأكدت أن الواقع لا يرضي الشعب في الجزائر، وأن النظام غير مرغوب فيه، أو بالأحرى سياساته.
وأضاف أن الثورة الحالية هي تحصيل حاصل لمجموعة من الترسبات التي أدت إلى فقدان الأمل في ظلّ المشاكل الاجتماعية الكبيرة، وهو ما أرغم الشعب، وعلى رأسهم الشباب، على الخروج والمطالبة برحيل النظام وحاشيته".
ويقول في هذه النقطة: "نحن من الشعب ومعه، ونتابع عن كثب تطورات المشهد السياسي في الجزائر، ومن غير المعقول أن نبقى بعيدين عما يحدث، والكل يشهد بأننا شاركنا في المسيرات، وطالبنا بما يطالب الشعب، لأننا نحمل نفس الآمال والأحلام".
كنت أول من دعا إلى جمهورية ثانية
ويشير علي الغديري إلى أن مشواره السياسي الذي أعقب مشواره العسكري، انطلق بانتقاده للوضع العام في الجزائر.
ويقول إن من أبرز سياساته المطالبة بالتغيير العميق، والحلم بجزائر جديدة أكثر ديمقراطية وحرية، وتجعل منها بلداً يزخر بكامل الإمكانات التي تضعه بعيداً عن الأزمات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.
وأردف قائلاً: "إن النظام الحالي صرف أكثر من ألف مليار دولار وعجز عن وضع الجزائر في مأمن".
إذ إن البلاد تعتمد على الاقتصاد الريعي القائم على مبيعات الطاقة الذي يموت، حسب وصفه، بانهيار أسعار النفط في كل مرة.
وأضاف: "كل هذه المعطيات جعلتني أول سياسي يدعو إلى تأسيس جمهورية ثانية، تتحقق فيها آمال وطموحات المواطنين، وتُحسن من وضعهم المعيشي بعيداً عن أحلام الهجرة والهروب والضغوط المستمرة، كما دعوت في 2015 إلى ضرورة تغيير الوضع السياسي في الجزائر، وهو ما بدأ يتحقق مع هذه الثورة الشعبية الملحمية".
قلتُها: يا بوتفليقة يا أنا
بقرار الدخول إلى سباق الرئاسيات التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019، قبل تأجيلها بانسحاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، كان هدف الجنرال المتقاعد علي الغديري، حسب تصريحاته لـ "عربي بوست" هو إزاحة الرئيس المترشح حينها من سدة الحكم.
ويضيف: "على الرغم من قرار بعض الأحزاب الانسحاب من السباق بحجة ترشح الرئيس للعهدة الخامسة، فإنني قررت البقاء في المضمار، لأن الهدف الذي كنت أنشده في البداية هو، إما بوتفليقة أو أنا".
وتابع قائلاً: "كان رأيي في هذه الأوضاع أنه لا يجب الانسحاب وترك الساحة شاغرة لأهداف النظام الحالي".
وأضاف: "ومن الغريب أن بوتفليقة في رئاسيات 1999 وجد الساحة فارغة بعد قرار ستة أحزاب الانسحاب من السباق آنذاك، ما جعله يفتح لنفسه فترات وليس فترة واحدة فقط".
واعتبر أن "إلغاء الانتخابات الرئاسية وإرغام 20 شخصية مترشحة على الخروج من السباق، يعد ضرباً بالقوانين واستهتاراً بالرئاسيات".
بوتفليقة داس على الدستور منذ البداية
التعديلات المتتالية للدستور في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ثم تأجيل الانتخابات الرئاسية، معناه أن بوتفليقة داس على الدستور الجزائري، حسبما يرى الجنرال المتقاعد.
وقال: "إن قراره تأجيل الرئاسيات، هو شكل من أشكال تمديد ولايته خارج القانون".
وأضاف الغديري: "بقرار الرئيس بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الشهر الجاري، يكون قد داس على الدستور الجزائري، واتخذ قرارات بعيدة على النص القانوني".
وأردف قائلاً: "كان بوتفليقة قادراً على سحب ملف ترشحه بالنظر إلى وضعه الصحي، أو لأي أسباب كانت، لكن أن يؤجل أو يلغي الرئاسيات، فهذا ضرب لقوانين الجمهورية والدستور على وجه التحديد".
ولذا عبَّر الغديري عن عدم رضاه بقرارات الرئيس بتأجيل الرئاسيات، وإرغام المترشحين الـ20 على الخروج من السباق.
رئيس الوزراء لن يتجرأ بالتواصل معي
سأله "عربي بوست" إذا كان رئيس الوزراء الجديد قد تواصل معه لضمّه إلى حكومة التكنوقراط التي رأت النور قبل يومين.
وقال علي الغديري: "إن ذلك لم يتم، ولن يتم في حضور رئيس الوزراء نور الدين بدوي".
بل زاد على ذلك قائلاً: "بدوي هذا لن يتجرأ على التواصل معي، لأنه يعرف ما فعل لما كان على رأس وزارة الداخلية والجماعات المحلية في عهد حكومة أحمد أويحيى".
وأردف قائلاً: "لقد أصدر تعليمات لجميع الولاة، ومن خلالها إلى رؤساء البلديات من أجل منعهم من توقيع استمارات الترشح للانتخابات الرئاسية الملغاة، وهذا خرق للقوانين وخدمة لأطراف ما".
ويضيف: "لقد وجه الغديري تعليمات أيضاً إلى المحضرين القضائيين والموثقين عبر تراب الجمهورية، من أجل منعهم من التصديق على الاستمارات الخاصة بترشحي".
ويردف: "الوزير نور الدين بدوي لن يتجرأ على الاتصال بي، كما أنه في نظري من المسؤولين الذين يطالب الشعب برحيلهم من النظام".
تحذير من الجنرال المتقاعد علي الغديري للشباب.. لم يبق من النظام سوى بعض الأسماء
يرى علي الغديري أن السيول البشرية الأخيرة كانت كفيلة لتغيير الكثير من المعطيات، بما فيها حتى تلك المتعلقة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي قال عنه إنه "انتهى"، ولم يبق في نظره سوى بعض الأسماء التي كانت مؤثرة أو كما سماها بـ "بقايا النظام".
وقال عن هذه البقايا: "يجب أن تفهم رسالة الشعب، وأن تحمل حقائبها وترحل، وتترك جيل اليوم لبناء مستقبل البلاد".
وأضاف: "إن بقاء النظام حتى الآن متفرجاً على ما يحدث وهو صامت، إنما يعد تعنتاً منه، وقد يؤدي ذلك إلى فوضى لا تخدم البلاد والعباد".
وحذّر الغديري من اللعب بمصير الجزائر، وقال: "على هؤلاء إن كانوا وطنيين حقاً، ويحبون الجزائر كما يتغنّون منذ سنوات، عليهم المحافظة عليها، والنزول عند رغبة الملايين المطالبين بالرحيل، وفتح صفحة جديدة للبناء والتشييد والتسيير العقلاني للبلاد، بدل التشبث بالمصالح الشخصية والمناصب".
أقول لزروال: شكراً لكم ودعونا بسلام
أمام الحديث المتوالي حول إمكانية الاعتماد على الرئيس السابق للجزائر اليامين زروال في تسيير المرحلة الانتقالية، فقد أبدى الجنرال المتقاعد علي الغديري رفضه القاطع للفكرة، واعتبرها فكرة منبعها العاطفة وغير مدروسة.
وقال في هذه النقطة: "لم يبق مكان لجيل الثورة، يكفي ما قدموه للبلاد، ونشكرهم على ذلك، والآن حان الوقت لتسليم المشعل والانطلاق بالجزائر نحو الجمهورية الثانية".
وأضاف: "كان لي خلال مساري العسكري شرف العمل تحت قيادة اليامين زروال، وأكنّ له الاحترام، لكن أقول له في هذه الظروف اذهب لترتاح، واترك منصب الرئاسة ينتقل من جيل الاستقلال لجيل النماء والتطور".
وتابع قائلاً: "فما قدَّمه هؤلاء سواء في عهد الثورة ضد المستعمر الفرنسي أو بعد الاستقلال جدير بالشكر، ونقول لهم شكراً لكم، واتركونا نبني الوطن بسلام".
ورفض الغديري فكرة تسيير زروال للبلاد، حتى وإن كان لظرف مؤقت، وقال: "أنا أرفض الفكرة حتى وإن كان تجسيدها لدقيقة واحدة فقط".
لعمامرة داس على كل مبادئ الجزائر
زيارات وزير الخارجية الجزائري الأسبق رمطان لعمامرة لعدد من الدول الأوروبية مؤخراً أثارت انتقادات واستغراب الغديري.
واعتبر ذلك خرقاً لكل المبادئ الجزائرية المعروفة على مر التاريخ، برفضها لأي تدخل أجنبي، بالجزائر وخارجها.
وقال علي الغديري: "لأول مرة في تاريخ الجزائر يلجأ مسؤول حكومي إلى الخارج من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وهي سابقة خطيرة وغير مقبولة إطلاقاً".
وأضاف أن "الجزائر التي كانت على مر التاريخ ترفض التدخل الأجنبي في أي دولة كانت، اليوم يقوم أبناؤها باللجوء إلى روسيا وألمانيا اليوم من أجل إقناعهم بالتدخل في شؤون اعتبرها الملايين عائلية". وأردف قائلاً: "فبدل أن يقوم لعمامرة ومَن معه بالانسحاب نزولاً عند طلب الجزائريين، باتوا يراوغون ويلجأون إلى أطراف خارجية، وهي الأطراف التي كانوا يحذرون منها الشعب منذ سنوات".
الجيش في الطريق السليم حتى الآن
بعد أن انتقد الجنرال المتقاعد كل الأطراف السياسية في البلاد تقريباً، فإنه يرى أن دور الجيش فيما تشهده الجزائر منذ 22 فبراير/شباط 2019، هو دور إيجابي حتى الآن.
وقال الغديري إن كل التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع قائد الأركان القايد صالح تنصب في خانة الشعب ومطالبه".
وأبدى ارتياحه لمطلب الجيش من المجلس الدستوري تطبيق المادة 102، التي تفرض إعلان حالة شغور منصب الرئيس، كحل دستوري منظم.
لكنه استدرك قائلاً: "مع رفض الشعب لهذا المقترح وخروجه في مسيرات الجمعة الماضية، كان لزاماً مراجعة هذه المادة وتكييفها مع ما يناسب مطلب الجماهير".
ويرى أن "على المجلس الدستوري التحرك لتحقيق تلك المطالب وإعلان شغور منصب الرئيس ربحاً للوقت".
أنا ضد النظام ولكنني لست مع المعارضة الشكلية
انتقد علي الغديري في حواره مع "عربي بوست" نظرة بعض الأحزاب المعارضة وتفكيرها، وهي في نظره "معارضة شكلية ومناسباتية، وكثيراً ما تغير من مواقفها ومبادئ أحزابها".
وأضاف في هذا الشأن: "حضرت عدداً من اجتماعات المعارضة، وفي كل مرة أجد عدداً مختلفاً، واختلافاً في الآراء، لذا قرَّرت أن أكون معارضاً للنظام بطريقتي بعيداً عن معارضة المناسبات.
إلا أنه لا يرفض المشاركة أو العمل بأي خريطة طريق تساهم في إخراج البلاد من المأزق الذي تعاني منه".
وقال: "أنا مع أي مبادرة ترضي الشعب وتخدم مستقبله، حتى وإن كان ذلك مستخلصاً من اجتماعات المعارضة".
"الأفلان" و "الآرندي" يتحملان كل المسؤولية
سخر علي الغديري من التصريحات التي أطلقها الحزبان الحاكمان للبلاد، اللذان حاولا التبرؤ مما حدث في السنوات الأخيرة.
وتحديداً التصريحات الأخيرة للناطق الرسمي باسم حزب التجمع الوطني الديمقراطي "الآرندي" حول وقوف قوى غير دستورية في تسيير البلاد في السبع سنوات الأخيرة على الأقل، وكذلك تصريحات رئيس حزب جبهة التحرير الحاكم "الأفلان" معاذ بوشارب، بأن الجبهة كانت فقط طرفاً في الحكم وليست كل شيء.
يقول الجنرال المتقاعد علي الغديري ساخراً: "أنا الذي كنت أحكم إذاً".
ويعود إلى تحميل المسؤولية الكاملة للأحزاب الحاكمة خلال عهدات بوتفليقة الأربع، وما هذه التصريحات سوى محاولة لركوب الموجة والالتحاق بالمسيرات الشعبية، وهو ما رفضه الشعب.
وأضاف: "إن تأكد أن أطراف غير دستورية كعائلة الرئيس وغيرها هي التي تقف وراء تسيير الجزائر، خلال تلك الفترة، فذلك أمر خطير، وعلى الشعب أن يكثف من تحركاته اليوم قبل الغد".