من جملة الملفات المطروحة في جدول زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للمملكة السعودية، الأحد 13 يناير/كانون الثاني، ملفات اليمن وإيران وسوريا، وأن "يطلب آخر الأخبار عما وصل إليه التحقيق في مقتل الصحفي جمال خاشقجي".
جاء ذلك في مقالة نشرها علياء الهذلول، شقيقة الناشطة الحقوقية في ملف المرأة السعودية لجين الهذلول، تحدثت فيها عن تجاهل جدول زيارة بومبيو ملف الناشطات الشجاعات في السعودية، اللائي يُحتَجَزن في سجون المملكة لمطالبتهنَّ بالحقوق والكرامة، وذلك حسبما قالت لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وأضافت: أنا أعتبر لا مبالاة بومبيو أمراً شخصياً بالنسبة لي؛ لأن إحدى أولئك النساء المحتَجَزات لُجين الهذلول هي شقيقتي. لقد عملَت بلا كللٍ ولا مللٍ للحصول على حق النساء السعوديات في قيادة السيارات.
بداية القبض على لجين الهذلول
وحسب المقالة المنشورة في New York Times قالت علياء الهذلول: "أنا أعيش في إقليم بروكسل العاصمة البلجيكية. وفي يوم 15 مايو/أيار الماضي، تلقَّيت رسالةً من عائلتي مفادها أن لُجين قد أُلقِي القبض عليها داخل منزل والدَيَّ في الرياض، حيث كانت تقطن. فأُصِبت بصدمةٍ وارتباكٍ لأن حظر قيادة النساء السعوديات للسيارات كان على وشك أن يُرفَع".
وأشارت إلى أن أسرتها عجزت عن معرفة سبب اعتقالها ومكانه. ويوم 19 مايو/أيار، حيث اتهمتها وسائل الإعلام السعودية هي و5 نساءٍ مُعتَقَلاتٍ أُخرَياتٍ بالخيانة. ونقلت صحيفةٌ مواليةٌ للحكومة تصريحاتٍ من مصادر تتنبأ بالحُكم على هؤلاء النسوة بالسجن لما يصل إلى 20 سنةً، أو حتى بالإعدام.
وكانت لُجين قد أُلقِي القبض عليها للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول من عام 2014 بعد أن حاولت قيادة سيارةٍ من الإمارات إلى السعودية. ثم أُفرِجَ عنها بعد حجزها أكثر من 70 يوماً ومُنِعَت من السفر لعدة أشهرٍ.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت الحكومة السعودية عن رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات في يونيو/حزيران التالي. وتلقَّت لُجين اتصالاً قبل الإعلان من أحد المسؤولين في البلاط الملكي ينهاها عن التعليق أو حتى الحديث عن الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي.
ثم انتقلت لُجين إلى الإمارات وبدأت كتابة رسالة ماجستير في الأبحاث الاجتماعية التطبيقية بمقرِّ جامعة السوربون في أبوظبي. ولكن في مارس/آذار أوقفها بعض ضباط الأمن أثناء قيادتها سيارتها، ووضعوها على متن طائرةٍ ونقلوها إلى سجنٍ في الرياض، العاصمة السعودية. وبعد بضعة أيامٍ أُخلِي سبيلها ولكنها مُنِعَت من السفر إلى خارج المملكة وتلقَّت تحذيراً من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت علياء الهذلول: "ثم جاء القبض عليها في مايو/أيار الماضي. وكنت آمل أن يُطلَقَ سراح لجين يوم 24 يونيو/حزيران، تاريخ رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات. وقد هلَّ هلال ذلك اليوم المجيد، وكنت مبتهجةً برؤية النساء السعوديات وراء عجلات القيادة".
اتهموها بالخيانة
وحسب مقالة علياء الهذلول، فقد قالت إنه في تلك الفترة أدهشها وجود توجُّهٍ مُظلِمٍ على وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية. إذ كان يُلَقَّب بالخيانة أي مَن ينتقد أو يُعَلِّق على أي شيءٍ مرتبطٍ بالسعودية. ومع أن السعودية لم تَشهَد طوال تاريخها ديمقراطيةً، فهي لم تكن دولةً بوليسيةً كذلك.
ما دفعها إلى كتم أفكارها وغمِّها لنفسها. ومن مايو/أيار حتى سبتمبر/أيلول، وُضِعَت لجين في الحبس الانفرادي. وأضافت علياء الهذلول: "أثناء المكالمات الهاتفية القصيرة التي سُمِحَ لها بإجرائها أخبرتنا بأنها محتَجَزةٌ في فندقٍ. سألتها: هل أنت في ريتز كارلتون؟ فضحكت وقالت: لست بمكانة الاحتجاز في ريتز، ولكنه فندق".
زيارة والديها لها
وفي منتصف أغسطس/آب، رُحِّلَت لجين إلى سجن ذهبان في جدة، وسُمِحَ لوالدَيَّها بزيارتها مرةً في الشهر. ورأى والديها أنها كانت ترتعد دون توقفٍ، عاجزةً عن تمالُك نفسها، ولا السير ولا الجلوس بصورةٍ طبيعيةٍ. وألقت شقيقتها القوية الصبورة باللوم على مكيِّف الهواء حسبما قالت علياء الهذلول في مقالتها.
وأشارت علياء إلى أنها بعد مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول، قرأت تقارير تزعم أن عديداً من المُحتَجَزين بأمر الحكومة السعودية بفندق ريتز كارلتون الرياض يتعرَّضون للتعذيب.
وأضافت: "راح أصدقائي وأقاربي يهاتفونني ويراسلونني يسألون إن كانت لُجين هي الأخرى قد تعرضت للتعذيب. فصُعِقتُ من هذه الفرضية. وتساءلت كيف للناس أن يظنوا أن امرأةً قد تتعرض للتعذيب في السعودية. واعتقدت بأن الأصول الاجتماعية في السعودية لن تسمح بهذا".
ولكن بحلول أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، كتبت منظمتا Human Rights Watch وAmnesty International تقارير عن أن كُلاً من النشطاء السياسيين والحقوقيين الإناث والذكور يتعرضون للتعذيب في السجون السعودية. وذكرت بعض التقارير وقوع حوادث اعتداءٍ جنسيٍّ.
اكتشفوا تعذيبها وتهديدها بالاغتصاب
وفي ديسمبر/كانون الأول، زارها والداها في سجن الذهبان. وسألاها عن تقارير التعذيب، فأجهشت بالبكاء. وقالت إنها تعرضت للتعذيب بين مايو/أيار وأغسطس/آب، حين لم يكن مسموحاً لأحدٍ بزيارتها.
وأبلغتهما بأنها وُضِعَت في حبسٍ انفراديٍّ، وضُرِبَت، وعُذِّبَت بالماء، وبالصواعق الكهربية، وتعرَّضَت للتحرُّش الجنسي، وهُدِّدت بالاغتصاب والقتل. ثم رأى والدايها أن فخذيها مسودَّان من أثر الكدمات.
ونقلت علياء الهذلول عن شقيقتها المعتقلة لجين قولها إن سعود القحطاني، أحد كبار المستشارين الملكيين، كان حاضراً في مراتٍ عدةٍ أثناء تعذيبها. وأحياناً كان القحطاني يضحك عليها، وأحياناً كان يهدد باغتصابها وقتلها والإلقاء بجثتها في المجارير. وتابعت: "القحطاني، رفقة ستةٍ من رجاله، عذَّبوها طوال الليل في شهر رمضان، شهر الصيام عند المسلمين. فأرغم لجين على تناول الطعام معهم، حتى بعد بزوغ الفجر…".
وبعد نشر التقارير عن تعذيبها، زارها وفدٌ من هيئة حقوق الإنسان السعودية. وأخبرت الوفد بكل ما تعرضت له. وسألتهم إن كانوا سيحمونها. فكان ردُّ الوفد: "لا نستطيع".
وبعد بضعة أسابيع، زارها مُدَّعٍ عامٌّ لأجل تسجيل شهادتها عن التعذيب. وبعد مقتل خاشقجي، جادلت السعودية بأن المسؤولين يرتكبون الأخطاء ويسيئون استغلال سلطتهم في بعض الأحيان. ومع ذلك فما زالت أسرة لجين الهذلول بانتظار تحقيق العدالة.
وأضافت علياء الهذلول في مقالتها عن أختها: "كنت أفضِّل كتابة هذه الكلمات بالعربية، في صحيفةٍ سعوديةٍ، ولكن بعد القبض عليها نشرت الصحف السعودية اسمها وصورَها ولقَّبتها بالخائنة. وقد تستَّرت الصحف ذاتها على أسماء الرجال الذين قد يُحكَم عليها بالإعدام لقتل خاشقجي وصورهم".
لتختم مقالتها بالقول إنها حتى اليوم، حائرةٌ بين الكتابة عن لُجين، والخوف من أن يعرِّضها الحديث عن محنتها لأذى. وتابعت: "لكن هذه الأشهر الطوال وانعدام الأمل لم ينتج عنها إلا أن زاد يأسي في أن أرى إلغاء حظر السفر المفروض على والدَيَّ المقيمَين في السعودية، وأن أرى إطلاق سراح شقيقتي الشجاعة".