عندما مُنحت ميريام أديلسون وسام الحرية الرئاسي، وهو أرفع وسام مدني أمريكي، عن طريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، في نوفمبر/تشرين الثاني، تباينت ردود أفعال الجمهور بين الازدراء والتساؤل عن هويتها.
يُعرف زوجها الملياردير شيلدون أديلسون، الذي تدير شركته أكبر كازينوهات لاس فيغاس، بأرقامه القياسية في حجم التبرعات التي يمنحها لدعم قضايا الجمهوريين، فضلاً عن دعمه العميق للمصالح الإسرائيلية المحافظة، حسب تقرير
صحيفة The Guardian البريطانية.
وتصفها كثير من المقالات التي تناولت منحها الوسام بأنها زوجته فقط، لكنَّ تأثير ميريام كان أعمق مما يحسبه كثيرون، مع أنها تبدو مرتاحة تماماً للبقاء في ظل زوجها البالغ من العمر 85 عاماً، وذلك حتى وقت قريب.
المليارديرة ميريام أديلسون المتبرعة الأبرز لدعم الجمهوريين
إذ تؤدي الزوجة أديلسون، البالغة من العمر 73 عاماً، دوراً محورياً في تشكيل مصالح الزوجين وتحالفاتهما داخل الولايات المتحدة -حيث تعتبر مواطنة مُجنَّسة- وفي بلدها الأم إسرائيل، وذلك وفقاً لما أفادت به السجلات العامة ومقابلات أُجريت مع أشخاص تجمعهم بها علاقات اجتماعية ومهنية.
وتشير أدلةٌ إلى أنها هي التي تحرك الأنشطة السياسية والخيرية للزوجين، سواء الضغط من أجل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بدلاً من تل أبيب، أو التبرع بمبلغ غير مسبوق وصل إلى 113 مليون دولار أمريكي من أجل دعم الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي 2018.
وقال مايكل تشيري، كبير القضاة المعاونين في محكمة نيفادا العليا، وأحد أعضاء مجلس إدارة عيادة لاس فيغاس لعلاج الإدمان، التي أسسها آل أديلسون: "الجميع يقولون إن شيلدون (هو من يقود هذه المبادرات)، لكنَّها ميريام أديلسون ".
وقال رون ريس، النائب الأول لرئيس قسم الاتصالات في شركة Las Vegas Sands، وهي شركة إدارة الكازينوهات التي أسسها شيلدون: "أحياناً أضحك بهدوء وأحياناً أهز كتفي وحسب".
ومن الأمثلة على ذلك صورةٌ لشيلدون مصحوبة ببعض الروايات عن تبرعاتهما من أجل انتخابات التجديد النصفي، شهدت قصِّ ميريام منها، ولم يظهر منها سوى شعرها الأشقر المصفف، وإحدى عدستي نظارة من دون إطار كانت ترتديها.
ونشر بول كروغمان، كاتب مقالات الرأي في صحيفة The New York Times الأمريكية، تغريدة قال فيها: "ثمة بعض الأفكار حول منح ميريام أديلسون وسام الحرية الرئاسي، وهي التي لم تفعل شيئاً لبلادها بجانب كونها زوجة أحد كبار المانحين المُقرَّبين إلى ترامب. المؤكد أنه شيء سخيف، وإهانة للأشخاص الذين مُنحوا الوسام من أجل خدماتهم الحقيقية".
مستفيدة من ثروة زوجها التي تملك منها القسط الأكبر
رفض الزوجان أديلسون إجراء مقابلة من أجل هذا المقال، لكنَّ ميريام أخبرت كاتباً في مجلة Fortune الأمريكية في عام 2012 قائلة: "شيلدون هو كل شيء بالنسبة إلي، إنه أفضل أصدقائي، وأعرف أنني كذلك بالنسبة إليه، وهو "رجل بحق". يدَّعي أنني ملاك، وأقول إنه "الرياح التي تحملني". على أي حال، نطير معاً في رحلة رائعة".
ويتمثل أحد التلميحات الظاهرية القليلة على الدور القوي ميريام أديلسون في الإسهامات السياسية التي يُقدِّمها كلا الزوجين إلى نفس المرشحين، ونفس القضايا، وبنفس المبالغ. فعندما منح الزوجان في مايو/أيار الماضي، صندوق قيادة الكونغرس 30 مليون دولار مُخصَّصةً لانتخاب الجمهوريين في مجلس النواب، كانت مقسمة كالتالي: 15 مليون دولار منه، و15 مليون دولار منها.
يتضح أن ميريام أغنى بكثير من زوجها، الذي وضعته قائمة Forbes للمليارديرات في المركز الحادي والعشرين. وصحيحٌ أنَّ ميريام لم تحتل أي موقع على القائمة، بيد أنَّ وثائق شركة Las Vegas Sands لإدارة الكازينوهات، التي تشكل جزءاً كبيراً من ثروة الزوجين، تشير إلى أنها تسيطر سيطرة مباشرة على 41.6% من الأسهم، مقابل 10% فقط من الأسهم لزوجها.
وتبلغ قيمة ما تحوزه ميريام نحو 17.4 مليار دولار، حسب القيمة الحالية للأسهم، ما يجعلها أغنى من عددٍ من أغنى أغنياء العالم الحاليين، بمن فيهم روبرت مردوخ وتشارلز شواب.
فهي قادرة على التأثير حتى في طريقة تعامل زوجها وتصريحاته
يشغل شيلدون منصب رئيس شركة Las Vegas Sand. فيما تشغل ميريام أديلسون منصب مديرة التواصل المجتمعي. وصحيحٌ أنَّ هذا المنصب ليس تنفيذياً، لكنَّ وجودها في مكاتب الإدارات التنفيذية يعد أمراً شائعاً. ويقول رالستون: "فجأة قالت: "شيلدون، أخبره أن ذلك خارج إطار المقابلة". إنه صريح جداً، وأعتقد أن ذلك يقلق ميريام".
وقد أشار شيلدون إلى أنه يصغي بعناية إلى ما تقوله زوجته. ففي أثناء جلسة استماع في المحكمة حول صفقته السابقة لبناء كازينو في منطقة ماكاو الصينية، قال شيلدون مازحاً إنه أُخبر ألا يناقش الموضوع الحساس المتعلق بالقمار عندما قابل نائب رئيس مجلس الدولة الصيني في عام 2001. وورد في سطور صحيفة Las Vegas Sun الأمريكية أنه قال: "كنت فتى مطيعاً، فعندما تخبرني زوجتي أن أصمت، فإنني أصمت".
يُذكر أنَّ الزوجين التقيا في موعدٍ مُدبَّر بعد أن قال شيلدون لأحد أصدقائه إنَّه يرغب في مواعدة امرأة إسرائيلية. ونشأ شيلدون في مدينة بوسطن وسط أسرة من الطبقة العاملة تؤيد الديمقراطيين. وكانت أمه مهاجرةً من إنكلترا إلى الولايات المتحدة، أما أبوه فهو من أصول أوكرانية وليتوانية يهودية.
وكان شيلدون يُكِنُّ احتراماً لإسرائيل. إذ يقول ريس إنَّ شيلدون في إحدى زياراته الأولى إلى إسرائيل تبرع بزوج من أحذية والده الراحل كي تطأ أخيراً أرض إسرائيل.
قصة لقاء أكثر شخصين يؤثران على سياسات ترامب تجاه إسرائيل
كان شيلدون رائد أعمال متسلسلاً منذ الصغر، إذ أدار مشروعات تجارية تتنوع بين بيع معدات إزالة الجليد من فوق زجاج المركبات إلى تنظيم معارض Comdex، التي كانت في الماضي أحد أبرز المعارض التجارية في مجال الحواسيب.
وعندما باع هو وشركاؤه معارض Comdex في 1995، وفرت له عملية البيع الثروة التي استخدمها لهدم فندق وكازينو Sands Hotel and Casino، الذي اعتاد ارتياده فريق الفنانين المعروف بـRat Pack، وبناء فندق وكازينو Venetian.
وقادته خبرته في مجال قاعات المؤتمرات إلى أن يكون نهجه الذي يتبعه في تأسيس الكازينوهات أقل ارتكازاً على القمار، وهو ما حقق نجاحاً كبيراً لدرجةٍ ألهمت منافسيه، بمن فيهم ستيف وين، لتأسيس مراكز المؤتمرات الخاصة بهم.
بينما ولدت ميريام أديلسون أوكسهورن أديلسون -المعروفة بـ "ميري" لأصدقائها، و"الدكتورة ميريام" لبعض زملائها- في تل أبيب، التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني على فلسطين، لأبوين هربا من بولندا في ثلاثينيات القرن الماضي. قُتل أجدادها وأفراد عائلتها الممتدة في الهولوكوست.
وكتبت ميريام أديلسون ذات مرة في إحدى مقالاتها: "لقد ربوني على أن أرعى الحرية وأقاتل من أجلها، ومن أجل نفسي، ومن أجل شعبي، ومن أجل البشرية جمعاء، وفي كل الأوقات". وقالت إنها خدمت في الجيش الإسرائيلي بصفتها مسؤولة أبحاث طبية، وإنَّها نما لديها اهتمام بعلاج إدمان المخدرات، ويعزى ذلك جزئياً إلى مساعدتها البغايا اللواتي امتهنَّ هذا العمل في الشوارع لتوفير ثمن المخدرات التي يتعاطينها.
وأصدرت وزارة الصحة الإسرائيلية توصية بأن تدرس ميريام في جامعة روكفلر الأمريكية عام 1986 تحت إشراف ماري جين كريك، وهي باحثة بارزة في اكتشافات استخدامات دواء الميثادون باعتباره علاجاً لإدمان الهيروين. فصارت كريك مشرفة على أبحاث ميريام وصديقة لها.
وبعد عامين من وصولها إلى نيويورك، طلبت ميريام من كريك أن تأتي هي وزوجها لتناول العشاء مع رجل كانت تواعده، وكان هذا الرجل هو شيلدون.
أول منحة مالية لدعم الجمهوريين
تزوج الزوجان أديلسون في القدس عام 1991، وأمضيا شهر العسل في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية، حيث يُرجِع شيلدون الفضل إلى ميريام في الإتيان بفكرة أن يكون أول كازينو له في لاس فيغاس على النمط المعماري للمدينة الإيطالية، ويحمل اسم The Venetian (الذي يعني الفينيسي)، وبناء قناة مائية مع بها زوارق ومحاكاة تفاصيل العديد من البنايات الفخمة المعروفة في فينيسيا.
وتوضح سجلات الانتخابات الفيدرالية أنَّ أول منحة سياسية من شيلدون كانت عام 1984 وكانت بقيمة 1000 دولار من أجل دعم جون كيري، الذي كان آنذاك المرشح الديمقراطي بمدينة ماساتشوستس لعضوية مجلس الشيوخ.
وعلى الجانب الآخر، بدأت منح ميريام أديلسون السياسية في عام 1991، وكانت للديمقراطيين أيضاً. ولكن بحلول أواخر التسعينيات، صار أغلب دعم آل أديلسون موجهاً إلى الجمهوريين.
وفي هذا الصدد، يقول هاري ريد، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية نيفادا، إن خلافات العمل هي التي أثارت تحول شيلدون نحو اليمين. ويضيف: "كان لديه شكوى لم يتمكن من تسويتها مع الاتحادات العمالية. وذلك كان ما تسبب في الأمر".
أُطلق العنان لطموحات آل أديلسون السياسية، بعد قانون صادر من المحكمة العليا الأمريكية في عام 2010، وهو قانون Citizens United v FEC، الذي رفع الحدود عن المبالغ التي تنفقها الشركات على السياسة. وبعد عامين، أخبر شيلدون ريس أنه اعتزم منح عدة ملايين من الدولارات لدعم المرشح الرئاسي الجمهوري المستبعد نيوت جينجريتش، ليصل إجمالي المبلغ بعد ذلك إلى 20 مليون دولار. ويتذكر ريس أنه قال لشيلدون: "سوف يغير هذا كل شيء، إنكم يا رفاق تختبرون قانوناً جديداً".
وفي انتخابات التجديد النصفي التي أُجريت العام الماضي، ذهبت مبالغ كبيرة من تبرعاتهما إلى المرشحين الجمهوريين في جميع أنحاء البلاد، وكذلك إلى لجان العمل السياسي التي تدعمهم.
بيد أنَّ السياسة ليست هي الشغل الشاغل للزوجين أديلسون على الإطلاق
إذ أسست ميريام أديلسون عيادة لعلاج الإدمان في تل أبيب عام 1993، وعيادة أخرى في لاس فيغاس عام 2000، حيث يقال إنها ترتدي معطف المختبر الأبيض وتعالج المرضى. يقول تشيري: "إنها تدير الاجتماعات، ولديها وقت للجميع. بل إنني أعتقد أنها تمشي على المياه، لكنني لا أطيق الآراء السياسية لشيلدون. فأنا ديمقراطي".
ويصف مارك باريينو، رئيس الرابطة الأمريكية لعلاج إدمان المواد الأفيونية ( American Association for the Treatment of Opioid Dependence)، عيادة لاس فيغاس بأنها "عيادة جيدة جداً". بينما يصف ريد من جانبه ميريام بأنها "صاحبة رؤية".
ونظراً إلى أن الزوجين ربَّيا ابنيهما في لاس فيغاس، فقد تبرعا أيضاً بمبلغ يقدر بـ100 مليون دولار لتحويل المدرسة النهارية العبرية بالمنطقة إلى مؤسسة تعليمية لجميع مراحل التعليم من رياض الأطفال حتى الثانوية.
وتروج فلسفة المدرسة "مبادئ أديلسون"، التي وُصفت على موقعها الإلكتروني بأنها ترتبط "بالكلمة العبرية Ruach، التي تعني الروح". ويردد الطلاب في كل صباح قسم الولاء للولايات المتحدة، ثم ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفاه" (أو الأمل)، وفقاً لما يقول مات بولاند، مدير التسويق والاتصالات بالمدرسة.
ولعل الشيء الأكثر راديكالية حول المدرسة هو تطبيق المدرسة سياسة صارمة تحظر المخدرات. إذ يُطلب من الطلبة والمعلمين أن يخضعوا لاختبار مخدرات عشوائي من ثلاث إلى أربع مرات سنوياً.
ويقول بولاند إن ميريام أديلسون تتولى بعضاً من هذه الاختبارات بنفسها. ويخضع هؤلاء الذين يفشلون في أي اختبار لاستشارات سرية، حيث يجري توعيتهم بأضرار المخدرات الجسدية والعقلية.
وكل شيء يقوله أديلسون أو يفعله "يصبح خبراً في إسرائيل على الفور"
ويسافر آل أديلسون بصورةٍ متكررة بين مدينتي لاس فيغاس وتل أبيب، وقد مارسا ضغوطاً من أجل الخطوة المثيرة للجدل المتمثلة في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إذ عرضا دفع تكاليف نقلها في مواجهة الإدانة الدولية الصاخبة.
ويقول المحلل السياسي الليبرالي الإسرائيلي نعوم شيزاف متحدثاً عن شيلدون: "استطاع أن يجعل ترامب ينقل السفارة. إنه واحد من أهم الأطراف الفاعلة في السياسات المتعلقة بإسرائيل، وهو مثير للجدل للغاية… كل شيء يقوله أديلسون أو يفعله يصبح خبراً في إسرائيل على الفور".
لكن يبقى التساؤل حول هوية الشخص الذي يمسك بزمام الأمور منهما. ميريام أديلسون -التي تبدو لكثيرين ممن حولها قوةً أيديولوجية غير معترف بها وراء العديد من القضايا التي يدعمها الزوجان- ربما تسعى للحصول على دور أكبر في ساحة العمل العام. فقد تولت مسؤولية نشر صحيفة Israel Hayom، وهي صحيفة يومية عبرية مجانية أسسها آل أديلسون وتمتلكها ميريام.
وتوصف هذه الصحيفة في كثير من الأحيان بأنها النسخة الإسرائيلية من قناة Fox News الأمريكية بسبب موقفها المحافظ. وتُعد الصحيفة اليومية الأكثر قراءةً في إسرائيل، بل إنها تسمى أحياناً "بيبيتون": وهي لفظة تتكون من لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي المحافظ بنيامين نتنياهو "بيبي"، وكلمة صحيفة باللغة العبرية التي تُنطَق "إتون".
بالنسبة ميريام أديلسون وكثيرين ممن حولها، يُتوِّج الوسام الذي منحها إياه ترامب حياةً طويلة من الجهود الدؤوبة. وفي حفل منح الوسام، جلست كريك في الصف الرابع. وارتدت ميريام ثوباً أحمر فاتحاً حاكته من أجل الحفل. وقد وصفت هذه التجربة في مقالة رأي نُشرت في صحيفة Israel Hayom.
إذ كتبت ميريام: "عندما شبَّك (ترامب) أرفع وسام مدني أمريكي حول عنقي، كنت مبتهجة في انبهار وامتنان". وشكَرت الرئيس على دعمه، مشيرةً على ما يبدو إلى نقل السفارة إلى القدس. فقالت: "إنه يعرف أن المرء عليه الدفاع عمَّا هو صحيح، حتى إذا كان ذلك يعني الوقوف وحيداً".