بات مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال وشرق سوريا مجهولاً، بسبب قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية التي ساعدت في تأمين المنطقة.
وتبلغ مساحة هذه المنطقة نحو ربع مساحة سوريا، وهي أكبر منطقة لا تزال خارج سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد، المدعوم من روسيا وإيران.
وقال ترامب الأربعاء 2 يناير/كانون الثاني 2019، إن الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا "على مدى فترة من الوقت"، وإنها ستقوم بحماية المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم، مع سحب واشنطن القوات، دون أن يقدم جدولاً زمنياً.
ويخشى قادة أكراد سوريا أن تستغل تركيا فرصة الانسحاب وتشن هجوماً عليهم.
ونتيجة لذلك، يتواصل الأكراد مع موسكو ودمشق على أمل الاتفاق على ترتيبات لحماية المنطقة من تركيا وفي الوقت نفسه حماية مكاسبهم السياسية.
كيف ظهر الأكراد كقوة؟
بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو الحزب الكردي الرئيس بسوريا، في اكتساب موطئ قدم بالشمال في بداية الحرب، بعد انسحاب القوات الحكومية، لإخماد الانتفاضة المناهضة للأسد بأماكن أخرى. وقامت وحدات حماية الشعب التابعة للحزب بتأمين المنطقة.
وفي بداية الصراع، تركزت سيطرتها على 3 مناطق يغلب عليها الأكراد ويقطنها نحو مليونا كردي. وجرى تشكيل هيئات حاكمة بقيادة الأكراد.
وتوسعت منطقة نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية بعد انضمامها إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، لتصبح "الوحدات" بعد ذلك المكون الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية متعددة العرقيات.
وامتد نفوذ قوات سوريا الديمقراطية إلى منبج والرقة بعد هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك. ووصلت قوات سوريا الديمقراطية أيضاً إلى عمق دير الزور، حيث ما زالت تقاتل التنظيم.
ويقول قادة الأكراد إن هدفهم حكم ذاتي في سوريا لا مركزية وليس الاستقلال.
لماذا ترى تركيا الأكرادَ تهديداً؟
يتأثر حزب الاتحاد الديمقراطي بشدة بأفكار الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً منذ 34 عاماً في تركيا، من أجل الحقوق السياسية والثقافية للأكراد. ويقبع أوجلان في أحد سجون تركيا منذ عام 1999. وأُدين الرجل بالخيانة.
وتدرج تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني على قائمة المنظمات الإرهابية. وتقول تركيا إن الحزب لا يمكن تمييزه عن حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية.
ولدى تركيا أقلية كردية تمثل ما بين 15 إلى 20% من سكانها، ويعيش أغلبية الأكراد في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية المحاذية لسوريا. وتشعر تركيا بالقلق من النزعة الانفصالية، إذ تعتبر وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا تهديداً لأمنها القومي.
ولا تخفي الجماعات الكردية الرئيسة في سوريا تأثير أوجلان، إذ نظمت انتخابات لإنشاء نظام سياسي قائم على أفكاره.
وشنت تركيا بالفعل عمليتين عسكريتين عبر الحدود بشمال سوريا، في إطار جهودها لمواجهة وحدات حماية الشعب الكردية.
بالنسبة للأكراد، الأسد صديق أم خصم؟
اضطهدت الدولة البعثية السورية الأكراد بشكل منهجي قبل الحرب. ومع ذلك، لم تصطدم وحدات حماية الشعب مع دمشق خلال الصراع، على الرغم من حدوث اشتباكات عرضية. كما تعاون الطرفان ضد أعداء مشتركين، لا سيما في حلب وما حولها.
لقد سمحت وحدات حماية الشعب للدولة السورية بالاحتفاظ بموطئ قدم في مناطقها. وقال قائد "الوحدات"، لـ "رويترز"، في 2017، إنه لن تكون هناك مشكلة مع حكومة الأسد إذا كانت الحقوق الكردية مضمونة في سوريا.
لكن دمشق تعارض مطالبة الأكراد بالحكم الذاتي، إذ قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2018): "لا أحد في سوريا يقبل أي أحاديث عن كيانات مستقلة أو فيدرالية على الإطلاق".
ولم تحرز المحادثات بين الجانبين العام الماضي (2018) أي تقدم.
وقالت السياسية الكردية الكبيرة إلهام أحمد، الأسبوع الماضي، إن السلطات التي يقودها الأكراد تطلق مبادرة جديدة تهدف إلى الضغط على الحكومة للتوصل إلى تسوية سياسية "في إطار سوريا لا مركزية".
ويقول محللون إن إعلان ترامب أضعفَ موقف الأكراد التفاوضي.
ماذا يعني اتفاق الأسد والأكراد للحرب؟
تمثل الأراضي الخاضعة لسيطرة دمشق والسلطات التي يقودها الأكراد معظم أراضي سوريا. وبإمكان التسوية السياسية، إذا كان بالإمكان التوصل إليها ربما بمساعدة روسية، أن تقطع شوطاً طويلاً في إعادة لمّ شمل خريطة سوريا مرة أخرى.
لكن ذلك لن يمثل نهاية الحرب.
وعلى الرغم من هزيمة مسلحي المعارضة المناهضين للأسد في معظم أنحاء سوريا على أيدي قوات النظام وحلفائه، ما زال لهم موطئ قدم يمتد في الشمال الغربي من إدلب إلى عفرين وحتى جرابلس. ولدى تركيا قوات على الأرض في هذه المنطقة.
ويضم مسلحو المعارضة جماعات تابعة للجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، علاوة على الجهاديين.
ويشتد العداء بين قوات حماية الشعب الكردية وهذه الجماعات.
وبالنسبة لـ "الوحدات"، فإن الأولوية تتمثل في استعادة عفرين من مسلحي المعارضة الذين انتزعوا السيطرة عليها في هجوم مدعوم من تركيا العام الماضي (2018).
ويريد الأسد خروج تركيا أيضاً، لأنه تعهد باستعادة "كل شبر" في سوريا.