صادف يوم الأربعاء 2 يناير/كانون الثاني 2018، ذكرى مرور 3 أشهر على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، وفي ظل استمرار اختفاء بقايا جثمانه وتعثُّر تحقيقات الحكومة التركية، يلقي مسؤولون باللوم في عدم تحقيق أي إنجاز ملموس على الجانب السعودي.
في تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، اتهم مسؤولون أتراك، رفضوا الإفصاح عن هوايتهم تقيُّداً ببروتوكولات حكومية، السلطات السعودية بعدم الإدلاء بمعلومات وافية عن القضية، وضمن ذلك تفاصيل جوهرية.
ورفضت السلطة السعودية الممثلة في أنقرة طلباً من موقع Middle East Eye البريطاني للتعليق على تلك التصريحات.
وما زال العديد من الأسئلة في التحقيقات بلا إجابة، في الوقت الذي صدر فيه كتابٌ جديد بشأن واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، يزعم أنَّ المشتبه بهم في القضية الذين اعتقلتهم السلطات السعودية لم يُحتجزوا، بل يقيمون بمنازلٍ فارهة.
وقد دفعت هذه المستجدات البعض إلى التشكيك فيما إذا كان يُتوقَع إحراز أي تقدم على الإطلاق في هذه القضية، حتى مع إثارة تركيا احتمالية تقدُّمها بطلبٍ للأمم المتحدة لإجراء تحقيق دولي في واقعة القتل.
لغز بئر القنصلية التي قد تحوي جثة جمال خاشقجي
كشفت مصادر تركية لموقع Middle East Eye، أنَّ إحدى العواقب الرئيسة التي تعرقل التحقيقات التركية عدم الحصول على تصريحٍ بدخول القنصلية ومحل إقامة القنصل العام السعودي، وهما الموقعان اللذان يُعتَقَد أنهما يحويان مزيداً من الأدلة على جريمة القتل.
واتهم المسؤولون السعودية باعتراض إجراء تفتيش دقيق لمقر إقامة القنصل العام، الذي أصبح مرة أخرى بؤرة اهتمام بعدما نشرت وسائل إعلام تركية تقارير عن مقطع فيديو، يُزعَم أنه يُصَور فريق الاغتيالات السعودي، بقيادة اللواء ماهر عبد العزيز محمد مطرب، الرفيق المقرب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو ينقل 5 حقائب سوداء -يُعتَقَد أنها تحمل أشلاء خاشقجي- من القنصلية إلى منزل القنصل، عقب نحو ساعتين من توقيت اختفائه.
ورفضت السعودية، في بادئ الأمر، السماح لمحققين أتراك بدخول محل إقامة القنصل السعودي آنذاك، محمد العتيبي، لكنَّها تراجعت عن هذا القرار لاحقاً في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أي عقب نحو أسبوعين من مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، بعد مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان.
وفي ذلك اليوم، سُمِحَ لمحققين أتراك، يرافقهم مسؤولون سعوديون بتفتيش منزل القنصل، لكن لم يُسمَح لهم بدخول مكان البئر، التي تصل عمقها إلى 25 متراً.
وأنقرة تتهم الرياض بعدم التعاون في القضية
وقال مسؤول تركي لموقع Middle East Eye: "حين أعددنا الأوراق المطلوبة لدخول هذا المقر، لم تكن هذه البئر مدرجة في البداية ضمن المواقع التي كنا نرغب في تفتيشها. لكننا اكتشفنا وجودها بعد سماع إفادات إضافية من موظفين سابقين. وكانت فتحة البئر مغطاة بسقف من الرخام".
وأرادت تركيا إحضار رجال إطفاء ليفحصوا البئر بأنفسهم، لكنَّ المسؤولين السعوديين رفضوا السماح لهم بدخول الموقع، لأنَّ أسماءهم غير مدرجة ضمن بروتوكول التفتيش الذي اتفقت عليه الدولتان.
واستطاعت الشرطة التركية الحصول على عيناتٍ من مياه البئر، لكنَّها لم تكشف عن أي منها فيما يتعلق بالقضية.
وبعد مرور يومين، تقدمت تركيا بطلب رسمي آخر إلى السلطات السعودية، لتسمح لها بتفتيش البئر بدقة. وقال مسؤول تركي آخر: "لم نتلقَ أي رد".
وتفترض المصادر الشُرطيَّة التركية التي تتابع القضية عن قرب، أنَّ أشلاء خاشقجي وأدلة أخرى تتعلق بالقتل وُضِعَت داخل أكياس واقية محكمة الغلق، وخُبِّئت داخل البئر.
في ظل غياب أية أدلة إضافية في جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي
أمَّا فرحات أونلو، وهو صحافي تركي شارك مؤخراً مع عبد الرحمن شيمشك ونظيف كرمان في تأليف كتاب عن التحقيقات في واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، بعنوان Diplomatic Artocity أو "وحشية دبلوماسية"، فيرى أنه من الضروري جداً لسير التحقيقات أن تخضع البئر للتجفيف من أجل إجراء معاينة مادية للموقع.
ويزعم أونلو في كتابه، أن السعوديين أجروا 4 عمليات تنظيف لمسرح الجريمة: الأولى أجرتها فرقة الاغتيالات بنفس يوم وقوع جريمة القتل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، والثانية أجراها موظفو القنصلية في اليوم التالي، ثم الثالثة أجراها الكيميائي عبد العزيز الجنوبي وخبير السموم خالد يحيى الزهراني في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018، داخل القنصلية، وأخيراً أجرى هذان الأخيران عملية تنظيف لمنزل القنصل.
وقال أونلو لموقع Middle East Eye: "لا تحرز التحقيقات أي تقدم، لأنه لم تظهر أية أدلة إضافية؛ فالسعوديون برعوا في تنظيف مسرح الجريمة بمساعدة خبيري الكيمياء والسموم".
شكوك تحوم حول قصور فارهة للمتهمين في القضية
صرح المسؤولون الأتراك، الذين لم يكشفوا عن هويتهم، لموقع Middle East Eye، بأنَّ السعودية لم تُطلِع المحققين الأتراك على القائمة الكاملة للأشخاص الذين احتجزتهم لصلتهم بالقضية، ولم تزودهم كذلك بأية تفاصيل عن الإفادات التي أدلوا بها.
يُذكَر أنَّ السعودية أعلنت في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنها اعتقلت 18 من مواطنيها متورطين في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، لكنَّها أبقت هوياتهم وحقيقة الأدوار التي يشتبه في أنهم أدوها بالجريمة، تحت التعتيم.
في حين قال مسؤول تركي ثالث، إن السلطات السعودية ما زال يتعين عليها مشاركة تفاصيل التحقيق مع الحكومة التركية. وأضاف: "لا نعرف أسماء المشتبه فيهم الـ15 الذين أدانتهم السلطات السعودية، ولا أين تحتجزهم. لا يتحلّون بالشفافية على الإطلاق".
ونقل أونلو في كتابه، عن مصدر سري قوله إن العتيبي، القنصل العام السعودي السابق، حصل -على الأرجح- على حصانةٍ من السلطات السعودية، نتيجةً لما تتمتع به عائلته من علاقات ونفوذ.
وفي الوقت نفسه، زعم المصدر ذاته أنَّ صلاح محمد الطبيقي، خبير التشريح الذي يزعم أنه قطّع جثمان خاشقجي أشلاء بعد دقائق قليلة من وفاته، يعيش طليقاً في منزلٍ فاره بمسبح في مدينة جدة بالسعودية. إضافة إلى ذلك، أكد المصدر أنَّ المطرب، قائد الفريق المشتبه فيه، ليس رهن الاعتقال.
ولم يستطع موقع Middle East Eye إثبات صحة هذه التفاصيل.
تركيا تريد تحقيقاً أممياً في قضية خاشقجي
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2018)، إنَّ بلاده تسعى لإدراج قضية خاشقجي على أجندة الأمم المتحدة؛ أملاً في أن يسفر إجراء تحقيق أممي عن مزيد من التقدم في سير القضية.
وصرَّحت مصادر دبلوماسية تركية لموقع Middle East Eye، الأربعاء 2 يناير/كانون الثاني 2019، بأنَّ تركيا تركز على حشد الدعم لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أو مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
ووفقاً لهذه المصادر، أعربت العديد من الدول عن اهتمامها بالانضمام إلى هذا التحقيق في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، من بينها كندا، التي تخوض صراعاً هي الأخرى مع السعودية حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة. بيد أنَّ موقع Middle East Eye عَلِم أنَّ كندا لم تحسم قرارها بشأن الانضمام إلى لجنة تقصي الحقائق هذه.
ومع ذلك، استبعد مصدر على دراية بمجريات القضية بتركيا، في حديثٍ له مع موقع Middle East Eye، فرضية إجراء تحقيق أممي، زاعماً أنَّه سيكون غير مهم في ظل دعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الراسخ للأمير محمد بن سلمان، المشتبه به الأول في جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
بينما يطالب المدعي العام السعودي بإعدام 5 متهمين
أعلنت وكالة الأنباء السعودية، الخميس 3 يناير/كانون الثاني 2019، أن النائب العام السعودي عقد الجلسة الأولى في المحكمة الجزائية بالرياض للمدانين في جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي .
وأكد بيان النيابة العامة حضور 11 متهماً، مطالباً بإيقاع "الجزاء الشرعي بحقهم"، وإعدام 5 منهم؛ لضلوعهم في جريمة القتل. وبحسب البيان، فقد تم تمكين جميع المتهمين من المهلة التي طلبوها، بعد تسلّمهم نسخة من لائحة الدعوى، للإجابة عما ورد فيها.
وأكد النائب العام السعودي أنه أرسل مذكرتين قضائيتين إلى النيابة العامة التركية، إلا أنه أكد عدم تلقيه أي إجابة حول أدلة قضية خاشقجي. وأضاف: "ما زلنا ننتظر من تركيا موافاتنا بما طلبناه".
وطالما طالبت أنقرة نظيرتها الرياض بتسليم المتهمين بقتل جمال خاشقجي، لتتم محاكمتهم في إسطنبول، مكان وقوع الجريمة، وهو الأمر الذي ترفضه الرياض.
وقال بيان للنائب العام السعودي، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، إنه من بين 21 موقوفاً على ذمّة القضية، تم "توجيه التهم إلى 11 منهم، وإقامة الدعوى الجزائية بحقهم، وإحالة القضية إلى المحكمة، مع استمرار التحقيقات مع بقية الموقوفين، للوصول إلى حقيقة وضعهم وأدوارهم".
وطالبت النيابة العامة، في وقت سابق، أيضاً بـ "قتل مَن أمر وباشَرَ جريمة القتل منهم، وعددهم 5 أشخاص، وإيقاع العقوبات الشرعية المستحقة على البقية".