حذَّر رجال أعمال من أنَّ سلسلة الإصلاحات الحكومية في السنوات الأخيرة فشلت في إنعاش اقتصاد دبي، في الوقت الذي تكافح فيه دبي، المركز التجاري الخليجي، للتخلص من الركود الذي دام لأربع سنوات.
وبحسب صحيفة The Financial Times البريطانية، فإن كبار رجال الأعمال والمسؤولين يخشون من أن تكون الأزمة التي اندلعت في عام 2015 بسبب التراجع في أسعار النفط لم تخف حدَّتُها بعد، على الرغم من ارتفاع أسعار الخام في العام الماضي، التي كان من المتوقع أن تعزز الثقة في مدينة تشتهر بإعادة تدوير عائدات النفط.
وجدير بالذكر أنَّ التوترات مع إيران، التي تُجسدها الحرب الدامية في اليمن، فضلاً عن الحظر المفروض على قطر، قد ضاعفت من التباطؤ الذي طال أمده في مجالات التجارة والسياحة وتجارة التجزئة.
تنبّؤ بالانتعاش، وتحذير من انخفاض الإيرادات
وقال حسنين مالك، رئيس بحوث الأسهم ببنك Exotix Capital: "تستمر دبي في مواجهة فائض العرض في قطاع العقارات، وتباطؤ نمو وظائف ذوي الياقات البيضاء، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتطبيق نظام مالي أكثر صرامة، لكن دورها كمركز إقليمي لا يزال فريداً".
يتنبأ صندوق النقد الدولي بانتعاش في النمو من 3.3% في عام 2018 إلى 4.1% هذا العام، إذ تستعد المدينة لاستضافة معرض إكسبو العالمي 2020. وتُظهِر خطة ميزانية دبي لعام 2019 الإنفاق المنتظم على البنية التحتية قبل بدء المعرض.
بيد أنَّ أصحاب الشركات الرئيسية في الإمارة، الناشطين في مجال العقارات والبناء والبيع بالتجزئة، حذَّروا من انخفاض الإيرادات بنسبة تصل إلى 40% هذا العام.
وقال مسؤولٌ كبير في دبي: "لا يمكننا فعل الكثير حيال ذلك، فجميع المشكلات الجيوسياسية تُثقِل كاهل المنطقة بأكملها، وتؤثر علينا على وجه الخصوص".
هجرة الخبراء من دبي
وتُظهر الإحصاءات الرسمية أنَّ عدد سكان الإمارة تجاوز 3.1 مليون نسمة في عام 2018، لكن الذي يحدث أن المديرين التنفيذيين الذين يتقاضون أجوراً عالية يتم استبدالهم، ليحل مكانهم موظفون أقل خبرة.
ويغادر البريطانيون -الذين كانوا من قبل العمود الفقري للاقتصاد- بأعدادٍ كبيرة، منذ أن بلغ عددهم في الإمارات قبل انهيار النفط نحو 130 ألف شخص، بينما كان آخر رصد رسمي لهم في العام الماضي يبلغ نحو 100 ألف بريطاني.
وكذلك الوافدون من جنوب آسيا، الذين كانوا يعتبرون المدينة في الماضي مستودعاً للثروة، بعيداً عن سلطاتهم المحلية التي تفرض عليهم الضرائب، يشعرون بالقلق من توجه الإمارات لتبني سياسات تُخضِع حساباتهم لفحص ضريبي في بلادهم.
ووفقاً لبوابة دبي العقارية الإلكترونية Bayut، تراجعت أسعار العقارات بنسبة 30% تقريباً، مقارنة بذروتها في عام 2014.
وتسبَّب قطاع العقارات في تراجع سوق دبي المالي، أحد أسوأ الأسواق المالية أداءً في العالم في عام 2018. وقد أدى انخفاض الإنفاق التقديري في الدرهم المرتبط بالدولار إلى تضرُّر المطاعم وتجارة التجزئة.
"كل المشاكل تأتي في نفس الوقت"
وفي تطور طرأ في متاجر بوكس بارك العصرية، التابعة لشركة مراس القابضة، أُغلِقت حوالي نصف المنافذ منذ بدء التباطؤ في عام 2015.
وفرضت المدينة، التي تشتهر منذ فترة طويلة بأنَّها مركز معفى من الضرائب، ضريبة مبيعات فيدرالية بنسبة 5% في بداية عام 2018، مما أدى إلى زيادة التعقيدات والضغط على ثقة المستهلكين. قال أحد رجال الأعمال الإماراتيين: "تأتي كل هذه المشاكل في نفس الوقت، شنّ الحروب وفرض الضرائب ليست أموراً جيدة".
وتشكو المؤسسات التجارية بشكلٍ صاخب من تكلفة الرسوم الحكومية، بما في ذلك تكاليف التأشيرات ورسوم تجديد التراخيص، والتي تُشكِّل، إلى جانب الضرائب، 92% من إيرادات الدولة.
وقد دعت العديد من الشركات إلى إدخال ضريبة الشركات لتحل محل هيكل الرسوم المُعقَّد. وقال أحد المديرين: "على الأقل أستطيع أن أدفع الضرائب عندما أحقق أرباحاً، بدلاً من الاضطرار إلى الدفع في الوقت الذي أخسر فيه المال".
دعوات للتدخل وإلغاء الضريبة
وعزَّز رجل الأعمال الكبير في دبي، خلف الحبتور، الدعوات إلى إلغاء ضريبة القيمة المضافة مؤقتاً، وحثَّ على التوقُّف عن بناء الفنادق.
فيما اضطر أصحاب الفنادق إلى خفض أسعار الغرف إلى أدنى مستوياتها منذ 14 عاماً، لاستيعاب العرض المتزايد من الغرف الجديدة.
عقد حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في العام الماضي، جلستي نقاشٍ بهدف العصف الذهني، مع شخصيات بارزة في مجال الأعمال، الذين دعوا إلى تخفيض الرسوم، والإعفاءات الضريبية، وتفعيل فترات الإعفاء من دفع الإيجار لجذب الشركات متعددة الجنسيات.
وأسفر أحد التجمعات في قصر الحاكم، الذي يطل على الشاطئ، عن بعض الإصلاحات، مثل تجميد الرسوم الحكومية، ورسوم المدارس الخاصة، وتفعيل نظام إقامة طويلة الأمد للوافدين بعد التقاعد.
وأجرى الشيخ محمد جلسة متابعة في الخريف، حيث قدَّم الحضور المزيد من الحلول للسياسات ذات الصلة، بما في ذلك الخصخصة، لبدء النشاط في الأسواق وتعزيز الرعاية الطبية.
قال أحد الحضور: "المشكلة هي أنَّ التدخُّل ضئيلٌ جداً، ومتأخرٌ جداً".