قالت صحيفة The Washington Post الأميركية إن تنظيم الدولة الاسلامية داعش يمتلك كميات مهولة من الذهب والأموال المسروقة والتي قد تصل إلى 400 مليون دولار، ولكنه نجح في إخفائها من أجل الاستعانة بها في أي وقت يتمكن فيه من العودة مرة أخرى.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولي استخبارات ومكافحة إرهاب إنَّه بعد مرور أكثر من عام على انهيار نظام الخلافة المزعوم الذي أعلنه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يمتلك التنظيم الآن كمية مهولة من الذهب والأموال المسروقة، أخفاها قادته لتمويل العمليات الإرهابية وضمان استمرار التنظيم لسنوات قادمة.
وبحسب الصحيفة الأميركية، وفيما كان مقاتلو داعش ينسحبون من معاقلهم السابقة في العراق وسوريا، حملوا معهم مبالغ طائلة بالعملات الغربية والعراقية والعملات الذهبية -وهي غنيمة يُقدِّر خبراء مستقلون قيمتها بحوالي 400 مليون دولار- اكتسبوها كلها تقريباً من نهب البنوك أو عبر الشركات الإجرامية.
أين أخفى التنظيم الجهادي هذه الثروة؟
وقال المسؤولون للصحيفة الأميركية، إنَّه في حين دُفِن جزءٌ من هذه الثروة، أو أُخفيت بعيداً عن الأنظار، غَسَلَ قادة التنظيم عشرات الملايين من الدولارات من خلال الاستثمار في أعمال شرعية في الشرق الأوسط على مدار العام الماضي. ويقول محللون إنَّ هذه الأموال الهدف منها جزئياً هو تمويل عودة مستقبلية لتنظيم داعش، وهو احتمال يخشى بعض الخبراء من اقتراب حدوثه بعد انسحاب القوات الأميركية السريع من سوريا الذي أعلنته إدارة ترامب هذا الأسبوع.
وظهرت لمحات جديدة حول ممتلكات التنظيم المالية بعد مداهمات شُنَّت في الأسابيع الأخيرة على بعض الشركات في بغداد، وأربيل عاصمة إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي والذي تقطنه أغلبية كردية. وتتبَّع المحققون تدفق ملايين الدولارات من عائدات تنظيم داعش من خلال شبكات مصرفية لها صلات ببعض الدول الشرق أوسطية.
وقال مسؤولون أكراد إنَّ تتبُّع مسار أموال داعش كشف عن مجموعة مذهلة من المؤسسات التجارية المشروعة، بما فيها الشركات العقارية والفنادق وتوكيلات السيارات. ففي إحدى الحالات، استُخدِمت الأموال الإرهابية لشراء أسهم في تجارة غسيل السيارات.
وقال مسؤول في مكافحة الإرهاب في المديرية العامة لمكافحة الإرهاب في حكومة إقليم كردستان في مقابلة: "لم يعد يمكنهم كسب المال الآن عن طريق بيع النفط، لذا يفعلون ذلك بطرق أخرى". وتحدَّث المسؤول، الذي ساعد في الإشراف على سلسلة من المداهمات التي شنَّتها وحدة مكافحة الإرهاب بالمديرية على الشركات العراقية في أربيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شريطة عدم الكشف عن هُويته كي يناقش التحقيق الجاري عن الشركات الخاصة التي تساعد تنظيم داعش في غسل الأموال، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال المسؤول إنَّ بعض الشركات التي تلقَّت أموالاً ربما لم تكن تدرك أنَّ المستثمرين كانوا إرهابيين، في حين بدا أنَّ البعض الآخر غضَّ الطرف عن ذلك بترحاب.
فقال المسؤول: "إنَّهم مستمرون في تمويل النشاط الإرهابي. ويستخدمون المال لدفع رواتب المقاتلين ودعم أسرهم. حتى أنَّ بعض تلك الأموال يُدفَع للمحامين مقابل مساعدة رجالهم القابعين في السجون".
6 مليارات دولار كان التنظيم يسيطر عليها
وتُعَد الملايين التي يمتلكها تنظيم داعش بقايا ثروة أكبر بكثير استولى عليها التنظيم الجهادي بعد سيطرته على المدن السورية والعراقية قبل أربع سنوات. إذ استولى التنظيم في يونيو/حزيران عام 2014، على ثاني أكبر مدينة في العراق، الموصل، وسارع بإفراغ خزائن بنوكها، وطبقاً لبعض التقديرات، حصل على حوالي 500 مليون دولار من الأموال النقدية والذهب، بحسب الصحيفة الأميركية.
واستولى التنظيم كذلك على حقول نفط ومناجم ومصانع ومزارع في العراق وسوريا، وسرعان ما أنشأ شبكة من شركات كسب الأموال التي جَنَت أرباحاً من المتاجرة في السلع التي تتراوح من البترول والمعادن إلى التحف الأثرية، يُباع معظمها في السوق السوداء. وبالإضافة إلى ذلك، كان ملايين المواطنين في دولة الخلافة المزعومة يخضعون لضرائب ورسوم باهظة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وبحلول عام 2015، بلغ مجموع الموجودات والمكاسب المتراكمة لدولة الخلافة المزعومة ما قيمته 6 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات بعض المحللين المستقلين. قال دانييل غلاسر، وهو مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية كان مسؤولاً عن التحقيق في تمويل الإرهاب عندما كان تنظيم داعش في ذروته، إنَّ الثروة التي يستحوذ عليها التنظيم كبيرة بشكل مذهل وبكل المقاييس.
وقال غلاسر، الذي أصبح الآن موظفاً رئيسياً في شركة Financial Integrity Network الكائنة في واشنطن: "إنَّ الحجم والموقع الهائلين لأراضي تنظيم الدولة الإسلامية أتاحا له الوصول إلى موارد النفط، وإيرادات الضرائب، والأموال النقدية في خزائن البنوك التي كانت مختلفة نوعياً في نطاقها عن أي شيء رأيناه من قبل".
التحالف يصادر أموال التنظيم
وبدأ التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش يستهدف مصادر تمويل التنظيم استهدافاً حازماً عام 2014. فقصفت الطائرات الحربية الأميركية المناطق المملوءة بالأموال المسروقة والحقول النفطية والمصافي وناقلات النفط. وبدأ التحالف في تحرير المدن والبلدات العراقية والسورية من سيطرة داعش عام 2015، ووصلت عملياته إلى ذروتها العام الماضي، فقطع مصادر الإيرادات الرئيسية المتبقية له، كما تقول الصحيفة الأميركية.
لكن وفقاً لمسؤولي الاستخبارات والخبراء، أدَّت خسارة مناطق النفوذ أيضاً إلى اختفاء أكبر أوجه الإنفاق التي كان داعش يوجه إليها الأموال: مثل الرواتب، والصيانة، والأعباء المالية الأخرى التي ترافق الحكم.
فقال كولين كلارك، وهو خبير في الشبكات المالية الإرهابية لدى شركة The Soufan Group الأميركية، وهي شركة في نيويورك متخصصة في الاستشارات الأمنية: "دون وجود خلافة يديرونها، لم يعد عليهم دفع التكاليف العملياتية التي كانوا يدفعونها في السابق. وتمثل الأراضي التي يسيطرون عليها الآن، حول بلدة هجين السورية، أقل من 1% من المساحة التي كانت تسيطر عليها دولة الخلافة المزعومة، لذا فهم لا ينفقون الكثير من الأموال الآن على الإطلاق"، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقد قدَّر كلارك، وهو مؤلف كتاب ".Terrorism, Inc" (الإرهاب والشركات) الصادر عام 2015، أنَّ داعش كان يمتلك حوالي 400 مليون دولار عند انهيار دولة الخلافة العام الماضي، وهو رقم يصفه مسؤولو استخبارات في الشرق الأوسط بأنَّه تقدير معقول، يتوافق مع التحقيقات التي أجروها بأنفسهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويقول مسؤولون عراقيون إنَّ مخابئ كبيرة للذهب والأموال كانت مدفونة ببساطة في الصحراء، وبعضها كان مدفوناً في قبوٍ تحت الأرض اكتُشِف العام الماضي تحت ساتر رملي جنوبي محافظة كركوك العراقية.
وقال مسؤولون إنَّ الكثير من باقي تلك الأموال غُسِل وأُخفي في حسابات بنكية واستثمارات، وذلك بناءً على توجيه من مسؤولي داعش الذين أدركوا قبل سنوات أنَّ دولة خلافتهم ربما لن تستمر.
حيلة التنظيم في الحفاظ على أمواله
وقال كلارك للصحيفة الأميركية: "رأينا بعض الناس ينقلون الأموال عبر شركات وهمية ووكلاء إلى مصارف المراسلة، ومع وجود عدد قليل جداً من الأرصدة المدينة، فإنَّهم يملكون ما يكفي من الأموال الاحتياطية للأيام العصيبة. ومن السهل بما فيه الكفاية إدارة حركات تمرد محدودة في المناطق الحدودية وما حولها خلال العقد القادم، دون كسب المزيد من المال، وهو الأمر الذي يتطلعون لفعله الآن".
ومع ذلك، وكما يعترف بعض مسؤولي الاستخبارات، فإنَّ التحدي المتمثل في اكتشاف ووقف التدفقات غير المشروعة من أموال داعش يزداد صعوبة مع تقلص مناطق سيطرة التنظيم الإقليمية. كانت شبكة الراوي العراقية تعمل لسنوات باعتبارها شركة خدمات مالية مشروعة، قبل أن يعلم المُحقِّقون الأكراد أنَّ عناصر التنظيم الجهادي يستغلونها.
وقال المحقق الكردي من مديرية مكافحة الإرهاب الذي شارك في مداهمات أربيل، والتي أسفرت عن اعتقال ثمانية أشخاص في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "راقبناهم لفترة، وعندما رأينا أنَّ أموال داعش تدخل في عملهم، تدخَّلنا".
وأضاف أنَّ المسؤولين لم يعلموا الحجم الحقيقي لعمل الشركة العراقية إلا خلال التحقيقات اللاحقة. وقال: "نُقِلَت ملايينٌ كثيرة من الدولارات".
وخلص المسؤولون العراقيون إلى أنَّ الأموال المتبقية يمكن أن تساعد في تمويل ما يصفونه بالعنف المتصاعد باطراد في المحافظات العراقية الشمالية القريبة من الموصل وكركوك. وبعد مرور أكثر من عام على تحرير تلك المناطق، نفَّذ المهاجمون الإسلاميون العشرات من الاغتيالات والتفجيرات في الأشهر الأخيرة، كان معظمها يستهدف زعماء القبائل والحكومة وضباط الشرطة. وكل هذا جزء مما يخشى المسؤولون أنَّه تحول تنظيم داعش إلى حركة تمرد غامضة يصبح تحديدها ومواجهتها الآن أصعب مع أنَّها قوية ومميتة.
فقال مسرور بارزاني، رئيس مجلس أمن إقليم كردستان العراق، في مقابلة: "كانت لديهم حقول نفطية ويجمعون أموال الإيرادات والفدية من الأشخاص الذين يعيشون في دولة الخلافة، لكن انتهى كل شيء الآن، وتغيَّرت طبيعة المعركة. إذ أصبح كل ما كان واضحأً في السابق غامضاً الآن".