تعقد النمسا مباحثات مع مصر الأسبوع الجاري في محاولةٍ لاستغلال أيامها الأخيرة في رئاسة الاتحاد الأوروبي لإحياء حملة الاتحاد الرامية لدفع دول شمال إفريقيا لاستيعاب مزيدٍ من المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط.
وحسب تقرير نشرته صحيفة The Financial Times البريطانية، فإن رد القاهرة حتى الآن، كان فاتراً تجاه محاولات الاتحاد الأوروبي إقناعها بالمشاركة في تحمُّل المسؤولية وتوسيع نطاق دورياتها الساحلية، لمواجهة عمليات تهريب البشر على امتداد ساحل شمال إفريقيا الأوسع نطاقاً.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمستشار النمسا سيباستيان كورتز في العاصمة فيينا، خلال زيارةٍ تشمل تجمعاً لقادة إفريقيا والاتحاد الأوروبي لبحث التعاون الاقتصادي.
ويُعَد منتدى أوروبا-إفريقيا آخر فعالية كبيرة تجري في فترة رئاسة فيينا للاتحاد الأوروبي والتي تستمر ستة أشهر، كانت خلالها قضية إدارة الهجرة أحد نقاط التركيز الأساسية.
خطب ود السيسي من أجل الهجرة غير الشرعية
صحيفة The Financial Times البريطانية قالت إن كلاً من كورتز ودونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، يحاولان خطب ود السيسي ضمن جهودهما لجسر الهوة بين الدول الأوروبية بشأن الهجرة عن طريق منع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي إشارة إلى التوتر المستمر بشأن هذا الملف في أوروبا، أطلقت الشرطة أمس الأحد 17 ديسمبر/كانون الثاني قنابل الغاز المسيلة للدموع على المتظاهرين وفتحت مدافع المياه في اتجاههم أمام المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي في بروكسل، بعدما تجمَّع حوالي 5 آلاف شخص في مسيرةٍ منددة باتفاقٍ للأمم المتحدة متعلق بالهجرة.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: "نودُّ التعاون مع الدول الأخرى لمنع الأشخاص من مغادرة بلادهم بشكلٍ غير قانوني بالأساس. وهنا يأتي دور مصر لأنَّها كانت فعَّالة للغاية (في مياهها الإقليمية) في منع الناس من مغادرة البلاد. وقد أظهرت أنَّه يمكن تأمين ساحل طويل، ويمكن للآخرين الاقتداء بهذا".
ويأمل الداعمون لخطة مصر أن يستغل السيسي زيارته لفيينا للإسهاب في توضيح ما هو على استعداد لتقديمه للاتحاد وما يريد الحصول عليه في المقابل.
الاتحاد الأوروبي في انتظار موافقة القاهرة
وقالت الصحيفة البريطانية، نقلاً عن دبلوماسيين أوروبيين إنَّ الاتحاد الأوروبي لا يزال ينتظر موافقة القاهرة على مقترحات أوروبية لمشاركة القاهرة في دوريات بحرية إقليمية مشتركة، لإنقاذ المهاجرين وإمكانية العودة بهم إلى مصر.
ويعي الاتحاد الأوروبي أنَّ مصر تشعر بالقلق لأنَّ أولئك الذين يجري إنقاذهم قد يتسبَّبون في مشكلاتٍ أمنية، وقد ينتهي بهم المطاف بالبقاء في مصر لسنواتٍ. ويُعَد إرجاع المهاجرين إلى بلادهم الأصلية مهمةً صعبة في الغالب، لأنَّ وثائقهم الشخصية تكون ضائعة أو تالفة أو لم تكن بحوزتهم مطلقاً. وسبق أن تحدَّث السيسي وكورتز هاتفياً الأسبوع الماضي قبل لقائهما المزمع في فيينا.
لكنَّ مقترحات الاتحاد الأوروبي للسيسي قُوبِلَت بالتشكُّك من جانب بعض الدبلوماسيين، الذين يشيرون إلى أنَّ القاهرة ليست مستعدة لتقديم مزيد من المساعدة بالنظر إلى ضعف حركة تدفق المهاجرين من مصر إلى الاتحاد الأوروبي.
ويخشون كذلك من أنَّ مصر قد تطلب ثمناً باهظاً مقابل زيادة تعاونها، مشيرين إلى نموذج حصول تركيا على 6 مليارات يورو بموجب اتفاقٍ أُبرِم في 2016، يقضي بإعادة المهاجرين الذين سافروا من أراضيها إلى الجزر اليونانية إليها مرةً أخرى.
وقال دبلوماسي أوروبي: "لم نفهم مطلقاً في المقام الأول لِمَ كل هذه الحماسة بشأن مصر. لِماذا نُوقِظ كلباً نائماً لأسباب خاطئة تماماً؟".
قلق منظمات حقوق الإنسان بسبب ملف الهجرة غير الشرعية
صحيفة The Financial Times البريطانية قالت إن خطوة التعاون بصورة أوثق مع السيسي أثارت قلق المجموعات المهتمة بحقوق الإنسان، في ظل تشديد الجنرال السابق، الذي وصل إلى الحكم بعد انقلاب عسكري عام 2013، حملته القمعية ضد المعارضين أكثر من أي وقتٍ مضى.
ويقول المنتقدون أيضاً إنَّ الاتحاد الأوروبي بدا متعجرفاً -وأثار دول شمال إفريقيا- حين أعلن خطته في يونيو/حزيران الماضي التي تقضي بإرسال المهاجرين المُنقََذين إلى بلادٍ أخرى خارج الاتحاد دون استشارة هذه الدول مسبقاً.
فقالت إيزا ليغتاس، وهي محامية لدى منظمة اللاجئين الدولية في أوروبا: "حين تتابع الجدل الدائر في أوروبا، تشعر أنَّ القادة الأوروبيين ينسون غالباً أنَّ الدول الأخرى لديها أولوياتها الخاصة".
وظلَّ الاتحاد الأوروبي لسنواتٍ منخرطاً في صراعٍ داخلي حول كيفية التعامل مع ملف الهجرة، مع أنَّ عدد الذين وصلوا إلى الاتحاد هذا العام يُعَد صغيراً مقارنةً بعدد الـ2.5 مليون شخص تقريباً الذين سعوا للحصول على ملجأ في الاتحاد خلال 2015-2016.
وفشل قادة الاتحاد مجدداً في الاتفاق على إصلاح نظام اللجوء داخل الاتحاد في قمةٍ عُقِدَت الأسبوع الماضي، وقالوا بعدها إنَّ التعاون "المُكثَّف" مع دول المنشأ ودول عبور المهاجرين ينبغي أن "يستمر ويُطور أكثر، ويُنفَّذ بشكلٍ كامل".
ويقول المعارضون لخطة التعاون مع السيسي إنَّ النموذج الأفضل سيتمثَّل في التعاون الأكثر بساطة حالياً مع المغرب، حيث يمنح الاتحاد الأوروبي الرباط المال لتحسين تأمين الحدود وشراء معدات مثل نظارات الرؤية الليلية.
وتأمل الدول الأوروبية أن تضع ملف الهجرة ضمن أجندة أول قمة تجمعهم بجامعة الدول العربية، البالغ عدد أعضائها 22 عضواً وتضم الخمس دول الواقعة على ساحل البحر المتوسط في شمال إفريقيا، وهي مصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب.