تستعد السعودية وحلفاؤها لبدء مرحلةٍ جديدة من المواجهة الممتدة مع منافستهم قطر، إذ اجتمع مسؤولون من الدول الخليجية المتعارضة في الرياض، أمس الأحد 9 ديسمبر/كانون الأول، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي.
وبحسب صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، فإن القمة الخليجية لم تحرز تقدماً يُذكَر بشأن تقليص الخلافات بينهم. ويُظهِر هذا المأزق كيف ترفض السعودية وحلفاؤها التراجع عن الحصار المفروض على قطر منذ عام 2017، الذي فرَّق بين حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وزاد من تعقيدات الأزمات الحالية في اليمن وليبيا وغيرها من الصراعات التي تمارس دول الخليج نفوذها فيها.
وقال الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، الذي كان مسؤولاً عن القوات الأميركية في الشرق الأوسط وعُهِدَ إليه بمهمة التوسُّط في الأزمة القطرية: "نحاول الضغط وإخبارهم بأننا هنا للمساعدة".
يريدون الحفاظ على مجلس التعاون
وكانت السعودية إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر فرضوا عقوبات على قطر العام الماضي2017، متهمين إياها بدعم جماعات إرهابية، وهو الاتهام الذي تنفيه قطر.
وترى الصحيفة الأميركية أن مسؤولي الخليج عبّروا عن ضرورة تحقيق التعاون بين دول الخليج، في محاولةٍ منهم على ما يبدو للتصدي لاحتمالية خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي المكون من 6 دول.
وظهرت المخاوف بشأن تفكك مجلس التعاون منذ بدء فرض الحصار على قطر في يونيو/حزيران 2017، وتجدَّدت التكهنات مؤخراً بعد خروج قطر من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التي تسيطر عليها السعودية.
مع هذا، لم تكن هناك أية مؤشرات على اتخاذ خطوات ملموسة للوصول إلى حلٍّ للأزمة القطرية خلال القمة، التي حضرها أيضاً العاهل السعودي الملك سلمان. وفي إجراءٍ دبلوماسي يوحي بالازدراء، لم يُمثِّل قطر أميرها تميم بن حمد آل ثاني، بل وزير الدولة القطري للشؤون القطرية سلطان المريخي.
قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: "تدعم سياسات قطر التطرف والإرهاب. لا مجال للمساومة هنا".
لا مؤشرات على التفاوض لحل الأزمة
ازداد التوتر الإقليمي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب حادثة قتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي على يد فريق من عملاء الاستخبارات السعودية داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، ما أثار موجة غضب ضد الحاكم المشرف على الشؤون اليومية للسعودية الأمير محمد بن سلمان، وفَرَضَ ضغوطاً على الديوان الملكي للبحث عن سبل لتحسين الصورة المُحطَّمة للمملكة في الخارج.
في أعقاب حادثة قتل خاشقجي، أشاد وليّ العهد السعودي بالاقتصاد القطري في تعليقٍ له، وقالت الحكومة السعودية إنَّه بادرة باتجاه وحدة الخليج، الأمر الذي أثار التكهنات بشأن تقاربٍ محتمل بين الدولتين المتنافستين. لكن لم تحدث أية تسوية منذ ذلك الحين.
وأكد المسؤولون القطريون أنَّهم لم يتلقوا أية إشارة واضحة تفيد باستعداد السعودية للتفاوض، فيما كرَّرت السعودية والإمارات مطالبهما الأصلية من قطر.
وقال الوسيط الأميركي الجنرال زيني إنَّ السعودية وحلفاءها الثلاثة لم يتخلّوا مطلقاً عن إصرارهم على اعتراف قطر بقائمة من 13 مطلباً كانوا قد أعلنوا عنها في مطلع الحصار المفروض على الإمارة الخليجية وتلبية هذه المطالب، ما أعاق أي فرصة للتفاوض بينهم.
وأضاف زيني: "لم أرَ أي فتّ في عزم الرباعي بشأن هذه القضية من حيث استعدادهم للسماح بالوساطة بحل هذا الخلاف"، في إشارة إلى الدول الأربعة التي فرضت حصاراً ضد قطر.
وكان التحالف الرباعي بقيادة السعودية قد طالب قطر في البداية بإغلاق شبكة الجزيرة، التي تحظى بشعبية كبيرة، وهو مطلبٌ اعتبره كثيرون غير واقعي. وأصرَّت الدول الأربعة أيضاً على مطلب قطع قطر علاقاتها المزعومة بالجماعات الإرهابية.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري: "ستنتهي الأزمة السياسية عندما تتوقف قطر عن تمويل الإرهاب والتدخل في الاستقرار الإقليمي".
"لقد فوّتوا الفرصة"
أنكرت قطر الاتهامات الموجهة لها بأنَّها تدعم جماعات إرهابية. وقالت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً إنَّها راضيةٌ عن الجهود القطرية للتضييق على تمويل الإرهاب. وتستضيف قطر أيضاً 10 آلاف جندي من القوات الأميركية، وتعمل على تعزيز الروابط الأمنية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك توسيع أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. وأصاب الحصار مجلس التعاون الخليجي بالشلل، غير أنَّ القمة تظل موضع التقاء نادراً بين قطر ومنافسيها، الذين قطعوا العلاقات الدبلوماسية معها.
وتسبَّب قتل خاشقجي، الذي كان كاتب رأي في صحيفة The Washington Post الأميركية ومُقيماً دائماً في الولايات المتحدة، في توتر العلاقات الوثيقة عادةً بين الولايات المتحدة والسعودية.
ففي الأسابيع الأخيرة، دعا أعضاء بارزون في الكونغرس إلى فرض عقوبات على السعودية واستشهدوا بتقارير الاستخبارات الأميركية التي تربط عملية قتل خاشقجي بالأمير محمد بن سلمان.
لكنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء رئيسيين في إدارته رفضوا إلقاء اللوم في عملية الاغتيال على عاتق وليّ العهد، مشيرين إلى دعمهم للأمير (33 عاماً) الذي ينتهج سياسة خارجية عدائية، منها الحرب في اليمن، التي قُتِل فيها أكثر من 10 آلاف شخص، وفقاً للأمم المتحدة.
وقالت إليزابيث ديكنسون، وهي محللة بارزة متخصصة في ملف شبه الجزيرة العربية لدى مجموعة الأزمات الدولية: "كانت هناك فرصةٌ قصيرة الأجل لتحسين الأوضاع، لكنَّها صراحةً فُوِّتت من جانب جميع الأطراف، بما فيهم الولايات المتحدة".