انتشر مقطع فيديو ذو صورة مهتزة، التُقِط بكاميرا هاتف محمول، يَظهر فيه نحو 12 رجلاً بوجوهٍ مُتجهّمة، رافعين لافتاتٍ مطالبين بإنقاذهم.
يكشف الضوء الأصفر الذي يضيء الممر، عن أسلاك عارية وطلاء حائط مُقشّر ومُبلَّل بفعل الرطوبة.
المحتجون هم معتقلون في سجن حماة المركزي، اعتُقل بعضهم في أثناء الاحتجاجات السلمية بالربيع العربي عام 2011، وظلوا محتجزين دون محاكمتهم منذ ذلك الحين.
صرخات من داخل سجن حماة
قال أحدهم في حين يقرأ من ورقة توضح أسباب الإضراب عن الطعام: "نحن معتقلون منذ سنوات طويلة، في ظلمات زنزانات الحجز نتجرّع العذاب. لقد استُنزِفنا. يحقُّ لنا العيش وأن تُؤخَذ قضيتا على محمل الجد".
وترى صحيفة The Guardian البريطانية، أن هذه الرسالة القوية تُعد لمحة نادرة عن العالم غير المرئي لمئات آلاف المعتقلين السياسيين بسوريا. ففي سجن حماة المركزي، دخل نحو 200 رجل أسبوعهم الثالث الآن من الإضراب عن الطعام؛ احتجاجاً على استمرار اعتقالهم، وعلى قرار نقل 11 معتقلاً إلى سجن صيدنايا سيئ السمعة في دمشق، والذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنَّه "مسلخ بشري".
قال مصطفى، وهو ناشط محلي، إنه في حالة إرسال الرجال الـ11 إلى سجن صيدنايا، سيصبحون كمن "يُساقون إلى الموت"، وأضاف أنَّ أقاربهم تجمّعوا خارج مركز شرطة حماة، في احتجاجاتٍ تضامنية.
وقال أحد المعتقلين المضربين عن الطعام، في رسالة صوتية نُشرت على تطبيق واتساب: "رجاءً، يا جميع البشر، ويا جميع السوريين، لستُ إرهابياً. لَم أحمل سلاحاً من قبل قط، فقط شاركتُ في مظاهرة من أجل الحرية. لقد قضينا سنوات في صيدنايا وهم يريدون إعادتنا الآن لإعدامنا. لم نسئ إلى الشعب السوري، من أي خلفية أو طائفةٍ كان. استمعوا إلى أصواتنا. استمعوا إلينا مرةً واحدة".
السجون السورية قضية معقدة
وترى الصحيفة البريطانية أنه وبعد نحو 8 أعوام من الحرب التي مزَّقت البلاد، تقبَّل المجتمع الدولي في معظمه فكرة أنَّ الرئيس بشار الأسد انتصر في الحرب السورية.
لكن "الغارديان" ترى أن أي اتفاق سلام في سوريا ما هو إلا مجرد "ضمادة على جرح مفتوح"، طالما لم تتم أي مساءلة، أو تطبيق للعدالة لما يُقدّر بنحو 80 ألف شخص اختفوا قسراً، أو تعرَّضوا للتعذيب والقتل في السجون الحكومية.
وقالت سارة كيالي، باحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش: "إن قضية الاعتقال في سوريا قضية صعبة جداً. لقد مرّت الآن سنوات على المعتقلين دون أحكام، ولا محامون، ولا أمل لإطلاق سراحهم. وبات المعتقلون في سجون حماه يشعرون -وهم محقون في ذلك- بأنَّ العالم لا يكترث لمصيرهم".
كان سجن حماة المركزي، وهو منشأة مدنية يُفترَض أن تكون أكثر إنسانية من مراكز الاعتقال المخابراتية سيئة السمعة وصيدنايا، معقلاً للمقاومة منذ عام 2012، حين أدَّت أعمال الشغب فيه إلى احتجاز السجناء للحراس وأعضاء إدارة السجن رهائن. وباءت المفاوضات من أجل جلسات الاستماع أو تحسين الأوضاع بالفشل المرة تلو الأخرى، ما أدى إلى أعمال شغب جديدة وإضرابات متقطعة عن الطعام.
ويُقام إضراب السجناء الجديد عن الطعام احتجاجاً على قرار أحد القضاة العسكريين، الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، إعادة 11 رجلاً إلى سجن صيدنايا ومحاكمة 68 معتقلاً آخرين، بينهم قُصَّر، ويخشى المعتقلون أن يُفضي هذا إلى أحكام مطولة وعقوبات بالإعدام. وهم يطالبون بعفوٍ عام.
ومنذ صيف العام الجاري (2018)، تُصدِر دمشق سلسلة من مئات شهادات الوفاة المتأخرة للمختفين. واعتبر الكثيرون هذا الاعتراف الرسمي علامةً، في هذه المرحلة المتأخرة من الحرب، على أنَّ الأسد صار يأمن العواقب، سواء على الصعيد المحلي أو من المجتمع الدولي، وتجلَّى ذلك في الاعتراف بأنَّ الكثير من المعارضين لقوا مصرعهم في سجون الدولة.
ومن داخل سجن حماة المركزي، يُصاب السجناء بالوهن نتيجة النظام الغذائي المكون من الماء الذي يُتناول أحياناً بالملح أو السكر. وغمرت الشبكات الاجتماعية السورية منشوراتٌ داعمة لأولئك المعتقلين. وكتب أحد الداعمين: "الثورة السورية قوية. الله يحميكم".