بدأت الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، بمقر الأمم المتحدة في جنيف، محادثات بين المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، في محاولة لإحياء المفاوضات، المتوقفة منذ 2012، حول قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها.
وتعتبر نقطة الخلاف الأساسية بين الأطراف المتنازعة هي حجر العثرة في تقدم المفاوضات المجمدة منذ 6 سنوات، إذ تطالب جبهة البوليساريو بمنح "الصحراويين" حق تقرير مصيرهم من خلال استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة، وهو المقترح الذي يرفضه المغرب بشكل قاطع، مقترحاً منح المناطق المتنازع عليها حكماً ذاتياً.
محاولة أممية لتحريك جمود ملف قضية الصحراء الغربية
قدمت الأمم المتحدة هذا اللقاء، الذي يجري على شكل طاولة مستديرة، على أنه "خطوة أولى نحو عملية تفاوض جديدة، بهدف التوصل إلى حل دائم وعادل ومقبول من الأطراف، يتيح لشعب الصحراء الغربية حق تقرير المصير".
وتعتبر قضية الصحراء الغربية آخر النزاعات من هذه النوعية في القارة الإفريقية، بسبب تعقدها وجذورها التاريخية، إذ فشل أكثر من مسؤول أممي ومبعوث في حلحلة هذا النزاع القائم منذ سبعينيات القرن الماضي.
وعبّر مبعوث الأمم المتحدة الى الصحراء الغربية هورست كولر، المكلف هذا الملف منذ عام 2017، عن أمله في "فتح فصل جديد بالعملية السياسية"، بهدف التوصل إلى مَخرج سياسي يُنهي آخر نزاع من هذا النوع في إفريقيا ما بعد المرحلة الاستعمارية.
وأعلن الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الثلاثاء 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، أن انطونيو غوتيريش يدعو كل الأطراف إلى "الانخراط في المحادثات بلا شروط مسبقة وفي جو بنّاء".
وتعتبر البوليساريو تقليص مدة ولاية بعثة مينورسو (قوات الأمم المتحدة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار منذ 1991)، من سنة إلى 6 أشهر، جزءاً من "الدينامية" التي خلقها تكليف كولر بخصوص قضية الصحراء الغربية .
وصوَّت مجلس الأمن الدولي، في أبريل/نيسان 2018 ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2018، على تقليص ولاية مينورسو مرتين مدة 6 أشهر، بضغط من الولايات المتحدة، على خلفية تكلفة البعثة وجمود المسار السياسي.
وفي ظل تشبث كل طرف بموقفه، تبدو المحادثات التي انطلقت، الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، في جنيف، صعبة.
كل شيء قابل للتفاوض "إلا حق تقرير المصير"
وترى جبهة البوليساريو أن "كل شيء قابل للتفاوض باستثناء الحق الدائم والثابت لشعبنا في تقرير مصيره"، بحسب ما قاله عضو أمانتها الوطنية ورئيس لجنة شؤونها الخارجية، محمد خداد، لوكالة الأنباء الفرنسية.
ويدافع المغرب عن حل سياسي "دائم" مطبوع بـ"روح التوافق"، لكنه لا يقبل أي نقاش "حول وحدته الترابية" و"مغربية الصحراء"، كما أكد العاهل المغربي، الملك محمد السادس، مؤخراً.
وتعبر الجزائر، الداعم الرئيسي للبوليساريو، بدورها، عن دعمها "ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه الثابت والدائم في تقرير مصيره".
وتطرح الجزائر، التي تشارك في لقاء جنيف بصفتها "بلداً جاراً"، إجراء "مفاوضات مباشرة، صريحة ونزيهة" بين المغرب والبوليساريو، بهدف التوصل إلى "حل نهائي" في قضية الصحراء الغربية ، حسب بيان رسمي صدر مؤخراً.
وحسب مصدر جزائري قريب من الملف، فإن النقاش حول "الوضع بالمغرب العربي" هو الذي "يفسر حضور الجزائر وموريتانيا" في جنيف.
بينما المغرب يرفض أي دعوة للموافقة على الاستفتاء
الرباط من جهتها، تؤكد أن المغرب يبحث عن مَخرج نهائي في قضية الصحراء الغربية ، وذلك من خلال تبنّيه "حلاً وسطاً" يقوم على فكرة منح سكان الأقاليم الصحراوية حكماً ذاتياً.
وتعتبر المملكة هذه المبادرة "ثمرة مسلسلٍ تشاوريٍّ موسع على المستوى الوطني والمحلي، انخرطت فيه جميع الأحزاب السياسية والمواطنين والمنتخبين بالمنطقة"، من خلال المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، بهدف الوقوف على مختلف وجهات النظر المتعلقة بصياغة مشروع للحكم الذاتي في الصحراء.
واستُكمل هذا المسلسل بإجراء مشاورات على المستويين الإقليمي والدولي، حول المبادرة المغربية، من أجل الاطلاع على وجهات نظر البلدان المعنيَّة والمهتمة بهذا النزاع الإقليمي.
ويضمن المغرب، من خلال هذه المبادرة، للصحراويين كافةً "مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء".
وسيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في المجالات كافة، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
ما يجعل تعليق الآمال على هذه المباحثات "أمراً مستبعداً"
وأُجريت آخر جولة مفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مارس/آذار 2012، من دون أن تؤدي إلى أي تقدم في قضية الصحراء الغربية في ظل تشبث طرفي النزاع بمواقفهما، واستمرار الخلافات حول وضع المنطقة وتركيبة الهيئة الناخبة التي يُفترض أن تشارك في الاستفتاء.
ويتضمن جدول أعمال محادثات جنيف عناوين فضفاضة، تتعلق عموماً بـ"الوضع الحالي والاندماج الإقليمي، والمراحل المقبلة للمسار السياسي"، بحسب الأمم المتحدة.
ويوضح مصدر دبلوماسي قريب من الملف، أن هذه المقاربة "تتجنب ممارسة الكثير من الضغوط، وتعليق الكثير من الانتظارات" على هذا اللقاء الأول، معتبراً أنها تهدف إلى "إذابة الجليد"، مع التذكير بسياق العلاقات السيئة بين المغرب والجزائر.
أقدم نزاع من هذا النوع في القارة الإفريقية
وتطالب جبهة البوليساريو، التي أعلنت في 1976 "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" من جانب واحد، إجراء استفتاء حول تقرير المصير، لحل قضية الصحراء الغربية الذي بدأ عند انسحاب إسبانيا من المستعمرة السابقة.
ويسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء الغربية، الممتدة على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع، مع شريط ساحلي غني بالسمك على مدى 1000 كيلومتر على المحيط الأطلسي. وتتعامل السلطات المغربية مع المنطقة، الغنية بالفوسفات، مثلما تتعامل مع بقية جهات المملكة.
وفي انتظار التوصل إلى حل، يعيش لاجئون صحراويون في مخيمات قرب مدينة تندوف بالجزائر. ويقدَّر عددهم بما بين 100 ألف و200 ألف شخص، في ظل غياب إحصاء رسمي. وتقع تندوف جنوب غربي الجزائر العاصمة، على بُعد 1800 كيلومتر، وهي قريبة من الحدود مع المغرب.