لعقود ارتبط اليهود بأعمال تجارية واختلطوا اجتماعياً -وإن كان بحذر- مع جيرانهم العرب من بغداد إلى بيروت، لكن تعرَّض معظمهم للطرد أو التهجير عند قيام إسرائيل عام 1948. اليوم، مع نمو الاقتصاد بالمنطقة وازدياد المرونة في المواقف تجاه إسرائيل، أسست جالية يهودية ناشئة بدبي أول كنيس يهودي في المدينة.
بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية، يروي تفاصيل إنشاء هذا الكنيس، فإنه بعد سنوات من الاجتماع في منازلهم، استأجرت مجموعة من اليهود الموجودين في دبي -مغتربين يعملون بمجالات مختلفة مثل: المالية، والمحاماة، والطاقة، والمجوهرات- فيلا في حي سكني هادئ للخدمات منذ 3 سنوات.
يضم المبنى، الذي لا تبدو عليه أي علامات مميزة، مكاناً مقدساً للصلاة، ومطبخ طعام الكوشر (الطعام الحلال)، وعدداً قليلاً من غرف النوم للزائرين أو أعضاء الجالية اليهودية، الذين لا يسافرون يوم السبت المُخصّص للراحة والعبادة عند اليهود.
ويقول إيلي إيبستين، الذي يعيش بولاية نيويورك الأميركية وساعد في تأسيس الكنيس اليهودي وتبرع بنسخة من التوراة: "لقد حققنا تقدماً كبيراً منذ أن بدأت الذهاب إلى دبي منذ 30 عاماً. قبل ذلك الوقت، كان الناس ينصحوني بالفعل بتجنب استخدام اسمي الأخير، لأنه يبدو يهودياً للغاية".
نتيجة طبيعية لتنامي العلاقات الخليجية – الإسرائيلية
وبحسب التقرير، يعكس خروج الكنيس إلى النور تنامي علاقات دافئة بين إسرائيل والحكومات الخليجية في المنطقة. ينظر قادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الآن إلى إيران باعتبارها تهديداً أكبر من الدولة اليهودية. دفعهم ذلك إلى عقد تحالف غير مُعلن مع إسرائيل وكسر ما جرى العرف على اعتباره محرمات في التعامل معها مباشرة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد ظهر فجأةً في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018 بسلطنة عُمان، وزار وزيران آخران من الحكومة الإسرائيلية دولة الإمارات. وبعد أيام قليلة لاحقة، دافع نتنياهو علناً عن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عندما أعرض عنه زعماء أجانب آخرون بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا.
تسعى دولة الإمارات، بشكلٍ خاص، إلى رسم صورة تدل على تبني الدولة ثقافة "التسامح والانفتاح"، إذ خفَّفت القيود عن الأديان الأخرى إلى جانب الإسلام، في حملة تهدف إلى خلق المزيد من الأعمال التجارية، التي تعود بالفائدة على مصالحها.
الإماراتيون يرون العلاقات الدافئة مع إسرائيل "خيانة"
بحسب تقرير بلومبيرغ، كثيراً ما طالب أعضاء الكنيس الزائرين بعدم الكشف عن موقع الكنيس اليهودي أو الكتابة عن أنشطته، وما زال البعض يعارض التحدث صراحةً عنه. يُعد الرأي العام في دولة الإمارات مؤيداً بشدة للفلسطينيين، وينظر الكثير من الإماراتيين إلى السعي نحو علاقات دافئة مع إسرائيل باعتباره خيانة.
ولم ينسَ سوى عدد قليل في دبي عملية اغتيال أحد قادة حركة حماس، التي نفذّها عملاء تابعون لجهاز الموساد الإسرائيلي في فندق محلي قبل 8 سنوات.
كيف يؤدي اليهود في دبي شعائرهم؟
يقول روس كريل، المحامي المولود بمدينة جوهانسبرغ وأحد قادة الجالية اليهودية في دبي لـ"بلومبيرغ": "أُفضل ألا أعيش كمسيحي ماروني"، في إشارة إلى الناس بإسبانيا في القرن الخامس عشر، الذين اضطروا إلى ممارسة طقوسهم اليهودية سراً بعد التحولات القسرية إلى المسيحية.
وأضاف: "إنَّ موقف الحكومة الإماراتية تجاه جاليتنا هو أنَّهم يريدون لنا الشعور بالراحة في أثناء الوجود هنا، وإقامة الصلوات هنا، وممارسة أعمال تجارية هنا".
في أيام السبت والأعياد اليهودية، يتجمَّع المُصلون -عادةً بضع عشرات من الأعضاء البالغ عددهم تقريباً 150 عضواً، بالإضافة إلى زائرين تتراوح فئاتهم بين موظفي شركات وطلاب جامعات- في الفيلا، حيث يمكن رؤية مئذنة مسجد قريب من النوافذ.
وعلى الرغم من أنَّ هذه الجالية اليهودية ليس لها حاخام، فإن زيارات من عدة حاخامات تأتي إليها من وقتٍ لآخر.
"فليبارك الرب رئيس دولة الإمارات"
عند الانتهاء من تلاوة السفر الأسبوعي من التوراة، يُرتّل إمام الصلاة أدعية يهودية تقليدية مكتوبة خصوصاً للظروف المحلية: "فليبارك الرب رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، ونائبه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، وجميع حُكّام الإمارات الأخرى وأولياء عهدهم، ويحفظهم ويساعدهم ويرفع قدرهم".
إلى ذلك، حظي الكنيس بتشجيع من جماعات يهودية مثل مركز سيمون فيزنتال، بالإضافة إلى حكومة دبي ورجل الأعمال محمد العبّار، رئيس مجلس إدارة مجموعة إعمار العقارية، التي بنت برج خليفة المكوّن من 163 طابقاً، على بُعد 20 دقيقة.
عندما تبرّع إيبستين بنسخة التوراة منذ 3 سنوات، طلب أن تُغلف بغطاء مخملي مع نقش عربي مُطرّز بالذهب وخصّصه للعبّار، الذي يعرفه منذ أنَّ قاما معا بمشروع استثماري للألمونيوم في التسعينيات.
يقول غانم نسيبة، الشريك في تأسيس مؤسسة "Cornerstone Global" لاستشارات المخاطر السياسية، الذي يزور الكنيس أحياناً، إنَّه "على مدى عقود، نُبذ أي شيء يهودي في العالم العربي، وظهور أي إشارات صريحة على الانتماء إلى اليهودية كان أمراً محفوفاً بالمخاطر". وأضاف: "يظهر الآن جيل جديد من العرب واليهود أكثر تقبلاً ثقافياً بعضهم لبعض"، على حد تعبيره.