في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في جولة عربية قادته إلى كل من الإمارات والبحرين ومصر، وبعدها جولة مغاربية قادته إلى كل من تونس وموريتانيا، برز سؤال: لماذا استثنى ولي العهد السعودي المملكة المغربية؟ التي كانت حتى وقت قريب "أهم" حليف للسعودية في المنطقة المغاربية، وما مدى حقيقة رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان ؟
فهناك من يرى بأن غياب أي مساندة من المغرب "الحليف التقليدي" للسعودية في المحنة التي واجهها محمد بن سلمان بعد قضية قتل جمال خاشقجي، جعلت ولي العهد السعودي يتغاضى عن برمجة زيارة للمغرب، بينما يعتبر آخرون أن المغرب بعث بإشارات سلبية للأمير السعودي، وهو ما أكدته بعض التقارير الإعلامية المغربية، عندما أوردت خبر رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان".
العلاقات المغربية السعودية تمر "بأسوأ مراحلها"
هناك إجماع في الأوساط السياسية على أن العلاقات المغربية السعودية ليست على ما يرام، فهي كانت حتى وقت قريب تعتبر "مثالية"، خاصة أن المغرب هي الملكية الوحيدة التي تتواجد في المنطقة المغاربية، ما جعلها تحظى بأولوية في السياسات الخارجية للرياض.
وكانت صحيفة La Vanguardia الإسبانية، قد أشارت في تقرير سابق بأن العلاقات بين المملكتين المغربية والسعودية "تمر بأسوأ مراحلها عبر التاريخ"، بعد مرحلة فتور غير مسبوقة أثرت على العلاقات بين البلدين خلال الأشهر القليلة الماضية.
ولم تعبِّر الرباط عن أي موقف تجاه أزمة السعودية مع كندا، بخلاف باقي الدول العربية التي اصطفّت إلى جانب السعودية، بعد طرد السفير الكندي من الرياض واتهام كندا بالتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية. ولم تصدر الخارجية المغربية أي بيان يخص أزمة السعودية مع كندا، وهو ما يعكس التوتر في العلاقات بين المملكتين.
وتضررت العلاقات بين البلدين بعد توقيع المغرب على 11 اتفاقية مع قطر في مختلف المجالات، من ضمنها الاقتصاد والسياحة والتجارة والطاقة والثقافة وغيرها، خلال الزيارة التي كان قام بها الملك المغربي إلى قطر، وأطلق عليه القطريون لقب "كاسر الحصار".
وهو ما لم يرُق للسعودية، التي لم تعبر عن ذلك بشكل علني، لكنها ردَّت على طريقتها، عندما منحت صوتها لصالح الملف المشترك للولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، لتنظيم كأس العالم في كرة القدم لعام 2026، على حساب الملف المغربي.
قبل أن تتفجر قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول بداية شهر أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، إذ لم يصدر أي موقف رسمي من قبل الرباط، في الوقت الذي سارعت فيه بعض البلدان العربية للتعبير عن تضامنها مع السعودية، ومؤازرتها لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فضلا عن رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان .
دعوة ملكية لزيارة المغرب "دون رد" وإلغاء عطلة طنجة
خلال موسم الحج الماضي كشف رئيس الوفد الرسمي للحجاج المغاربة، محمد ساجد، وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، أنه أبلغ العاهل السعودي دعوة الملك إياه لزيارة المغرب.
وجاء تقدُّم رئيس الوفد الرسمي للحجاج المغاربة، ساجد، بطلب الملك محمد السادس للعاهل السعودي بزيارة المغرب، في سياق استقبال الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الأربعاء 22 أغسطس/آب 2018 بمكة، رؤساء بعثات الحج.
وقال "ساجد" في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية، إنه "أبلغ خادم الحرمين الشريفين، في هذا اللقاء، التحيات الأخوية للملك محمد السادس، وشكره وتقديره للجهود التي تضطلع بها المملكة العربية السعودية في تمكين حجاج بيت الله الحرام من أداء نسكهم في يسر وطمأنينة".
وبعد مرور حوالي أربعة أشهر لم يتلق العاهل المغربي أي رد على دعوته للملك سلمان، بل أكثر من ذلك ألغى العاهل السعودي عطلته التي دأب على قضائها بمدينة طنجة، حيث يملك الملك سلمان قصراً خاصاً به تعود على قضاء فصل الصيف به.
اعتاد العاهل السعودي قضاء عطلته الصيفية كل عام في مقر إقامته بمدينة طنجة، لكن هذا العام (2018) اختار تغيير وجهته، حسب ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية في وقت سابق، ليختار مدينة نيوم.
وقد ارتبط غياب الملك بعدد من التحليلات والتكهنات السياسية، ولكن بالنسبة لسكان المدينة لا تعتبر الأسباب مهمة بقدر الخسارة المالية، حيث تشير الأرقام إلى أن الدورة الاقتصادية في طنجة ستفتقد في هذا الصيف ما لا يقل عن 12 مليون يورو، كان سيُنفقها الملك السعودي وحاشيته الضخمة في فترة تناهز 30 يوماً.
تأجيل اللجنة العليا المشتركة ورفض استقبال محمد بن سلمان
ذكرت تقارير إعلامية أن أن المغرب طلب تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية التي كانت ستعقد نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كان تمهيدا من أجل رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان .
وحسب موقع "لكم2" المغربي، فإن اقتراح عقد اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية جاء من الرياض، لكن الرباط طلبت تأجيله إلى أجل غير مسمى
وطبقا لنفس المصدر فإن انعقاد اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية، التي تحمل رقم 13، كانت ستواكبه عدة فعاليات ثقافية سعودية في عدة مدن مغربية.
وكانت آخر دورة من أشغال اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية قد انعقدت في جدة عام 2013 في الرياض، وحملت رقم 12.
وسبق للمغرب أن بعث في شهر أبريل/نيسان الماضي إلى الرياض الكاتب العام لوزارة الخارجية المغربية، للتحضير لعقد الدورة 13 للجنة العليا بين البلدين، مع نظيره السعودي، واتفق الجانبان على عقدها قبل نهاية العام الجاري بالرباط.
ويأتي تأجيل عقد الدورة 13 لهذه اللجنة، في الوقت الذي رفض فيه المغرب استقبال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يقوم بأول جولة خارجية له منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
وتحوم الكثير من الشكوك حول تورط بن سلمان في إصدار الأمر بقتل خاشقجي بتلك الطريقة البشعة التي هزت الرأي العام العالمي.
ويؤكد نفس المصدر أن المغرب هو من رفض استقبال بن سلمان، وأوضحت أن "بن سلمان لم يستثني المغرب من زيارته وإنما المغرب هو من رفض استقباله في الظروف الحالية".
رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان "خطوة في الاتجاه الصحيح"
بالنسبة للكاتب سمير بنيس، المستشار السياسي والدبلوماسي المغربي المقيم بواشنطن، قال إنه يجب على المغرب إعادة النظر في علاقاته الثنائية مع المملكة العربية السعودية، واعتبر رفض الملك محمد السادس استقبال بن سلمان "خطوة في الاتجاه الصحيح".
وأضاف في مقال نشره على موقع "هاف بوست ماغريب"، عندما أعلنت السلطات السعودية الأسبوع الماضي أن ولي العهد سيبدأ جولة في دول شمال إفريقيا، تساءل الكثيرون لماذا لم يكن المغرب في قائمة الدول التي يزورها، وهناك شائعة تقول إن ولي العهد تجنب المغرب لعدم دعم سلطاته للحصار الذي تفرضه السعودية وحلفاؤها على قطر.
وبعد بضعة أيام، ذكرت عدة صحف أن الملك محمد السادس كان رفض استقبال ولي العهد السعودي، وهي نفس المعلومات التي أكدتها صحف مغربية نقلاً عن مصدر حكومي.
ورأى الكاتب أن قرار الملك محمد السادس عدم استقبال ولي العهد السعودي يقول الكثير عن الوضع الحالي للعلاقات بين المغرب و السعودية.
وأوضح أنه بهذا القرار، وقرار البقاء على الحياد في أزمة الخليج، يتجه المغرب تدريجياً نحو سياسة خارجية مستقلة عن الحسابات الاستراتيجية أو بالأحرى المغامرات الخطرة لولي العهد السعودي.
وأشار إلى أن الوقت الذي قالت فيه الرباط إن ما يؤذي السعوديين يؤثر أيضاً على المغاربة ربما انتهى، فمن المثير للدهشة أن المغرب كان أحد الدول العربية القليلة التي لم تصدر بيان دعم لولي العهد السعودي، في أعقاب الضجة العالمية حول تورطه الواضح في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
لكن كيف ترى الجزائر خلو جولة محمد بن سلمان من المغرب
صحيفة الشروق الجزائرية، اعتبرت أن تمديد عمر زيارة محمد بن سلمان إلى الجزائر، وخلو رحلته المغاربية من زيارة إلى المملكة المغربية، باعتبارها الحليف التقليدي للسعودية وممالك وإمارات الخليج العربي، يدفع إلى التساؤل حول هذا المعطى الذي فاجأ الكثير من المراقبين.
وأوضحت أنه تأكيداً على الأهمية التي يوليها الطرف السعودي لهذه الزيارة، فقد حرص الأمير محمد بن سلمان على اصطحاب وفد رسمي "عالي المستوى" يضم أعضاء في الحكومة ورجال أعمال وشخصيات بارزة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية.
الزيارة حسب بيان الرئاسة تأتي "توطيداً للعلاقات المتميزة التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، وستسمح بإعطاء دفع جديد للتعاون الثنائي وتجسيد مشاريع الشراكة والاستثمار وفتح آفاق جديدة لرجال الأعمال، من أجل رفع حجم التبادل التجاري وتوسيع الشراكة الاقتصادية بين البلدين.. وتطورات سوق النفط".
غير أن هذه الزيارة، تقول الصحيفة الجزائرية، تخفي بالمقابل حسابات جيو سياسية، تنبئ بوجود حركية في بعض المحاور بالمنطقة، يطبعها تراجع حرارة العلاقة التي لطالما ميزت محور الرباط- الرياض.
ولعل ما يؤشر إلى هذا المعطى -تقول الصحيفة- هو الصمت المطبق الذي ميز موقف المغرب من الأزمة التي عاشت المملكة العربية السعودية على وقعها مؤخراً بسبب جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية.