أظهر أحد التحقيقات الذي أُجرِيَ حول الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن أمثلةً عديدة للأسلحة المستوردة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، من بين جهات أخرى، والتي ينتهي بها المطاف في أيدي الميليشيات، وضمنها تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وأوضح تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، أنه في انتهاكٍ واضح للاتفاقات التجارية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، فإنَّ الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن منها العربات المدرَّعة المُتطوِّرة، وقاذفات الصواريخ، والقنابل اليدوية، والبنادق، هي من بين الأسلحة التي تُشتَرى من الشركات الأوروبية والأميركية، وتصل إلى الفصائل والجماعات المحلية.
ومع تصاعد المخاوف الدولية بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن، يزعم التقرير الذي أعده الصحافي محمد أبو الغيط وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، أنَّ الأسلحة لا تذهب فقط إلى ميليشيات موالية للتحالف السعودي، بل تذهب أيضاً إلى جماعاتٍ مهمشة ومتناحرة تخوض معاركها على الأرض.
شركات السلاح والحكومات "لا يهمها" لمن تصل الأسلحة
تفاصيل التحقيق التي ستُذاع في فيلمٍ وثائقي باللغة العربية بعنوان The End User أو "المستخدم النهائي"، مبنيةٌ على تحليل آلاف المعلومات الواردة عبر الإذاعة والتلفزيون والشبكات والاجتماعية ومجموعات الإنترنت المغلقة، إلى جانب بحثٍ مُكثَّف للتحقق من مصادر الأسلحة.
قال أحمد أبو الغيط: "حيثما وجدنا اختراقاً لنظام شهادات المستخدم النهائي، سعينا للحصول على توضيحات من شركات السلاح والحكومات التي سمحت بالبيع للتحالف، إلا أنَّ العديد منهم غضَّ طرفه عن الأمر بكل بساطة".
يتَّهم الفيلم الوثائقي التحالف السعودي، وموردي الأسلحة، والحكومات بخرقهم المستمر قوانين شهادات "المستخدم النهائي" الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن منذ بداية النزاع في عام 2015.
في عام 2016، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحذيراً بشأن "تراخي المساءلة" من جانب التحالف، وأعرب عن قلقه من احتمال تحويل الأسلحة إلى السوق السوداء.
لم يُسبَق أن فُرِضَت عقوباتٌ ضد مثل هذه الخروقات. وتهدف هذه الشهادات إلى توفير ضمانة إلى أولئك الذين يبيعون الأسلحة أو يُصرِّحون ببيعها بأنَّ الأسلحة سوف يستخدمها المُشتري فقط، ولن تصل أو تُباع لجهات أخرى.
الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن عند مقاتلي تنظيم القاعدة
جمع أحمد أبو الغيط وفريقه أدلة تُشكِّك في مصداقية مثل هذه الشهادات التي وقعتها دولتا السعودية والإمارات.
كانت ألمانيا أول دولة من دول الاتحاد الأوروبي التي أثارت مسألة الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن رسمياً مع السعودية، بعد أن كشفت بعض المشاهد المصورة عن حيازة الحوثيين بنادق G3 الألمانية، والتي أُسقطت من الجو إلى داخل المنطقة.
في مدينة تعز التاريخية جنوب غربي البلاد، سمح غياب الدولة والأجهزة الأمنية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب باستغلال هذا الفراغ. في عام 2016، أذاع التنظيم لقطات من معركة له في تعز ضد الحوثيين، والتي كان يستخدم فيها مقاتلو التنظيم رشاشات MG3 الألمانية.
قال أبو الغيط: "رصدنا العشرات من هذه البنادق بحيازة اليمنيين في محافظاتٍ مختلفة. وقد أبلغنا أحد مقاتلي المقاومة في تعز أنَّ الجيش السعودي كان قد سلَّم هذه البنادق إلى حلفائه". البندقية هي من صنع شركة Heckler & Koch الألمانية لتصنيع الأسلحة، والتي تمنح تراخيص للسعودية بتصنيع بنادق G3، وG36 الهجومية داخل المملكة.
رفضت ألمانيا وبلجيكا حالياً منح تراخيص لتصدير الأسلحة إلى الأطراف المنخرطة في النزاع باليمن، غير أنَّ مُورِّدين آخرين، مثل المملكة المتحدة، دحضوا المزاعم الخاصة بتحويل مسار الأسلحة.
بدعم من قوات التحالف التي تقودها السعودية
وأشار أبو الغيط إلى أنَّ الانشقاق المُعقد ودمج الفصائل جعلا الوضع في اليمن متقلباً بشكلٍ خاص، إذ يقول: "منذ بداية الحرب، واصلت الحكومة المدعومة من السعودية باليمن دمج قوات المقاومة الشعبية في الجيش، وضمن ذلك كتائب أبو العباس، التي أصبحت جزءاً من اللواء 35 مدرع في تعز… وبتسليحه هذه المجموعات، ينتهك التحالف القانون الدولي، ما يؤجِّج الصراع من جميع النواحي، ويُفاقِم انتهاكات حقوق الإنسان".
وجدير بالذكر أنَّ جماعة أبو العباس مدرجة في قوائم الإرهاب بالعديد من الدول، وضمنها السعودية.
قال العميد محمد المحمودي، مدير أمن محافظة تعز سابقاً: "من الغريب أن نرى جماعةً مُصنَّفةً على أنَّها منظمةٌ إرهابية تتلقى الدعم ممن صنَّفوها كذلك". في حين قال أحد المتحدثين باسم كتائب أبو العباس: "لم يتغيَّر شيء. لا تزال الأسلحة والدعم المالي كما كانا من قبل".
وأضاف أبو الغيط: "تُظهِر البيانات أنَّه بين عامي 2011 و2014، اشترت السعودية والإمارات 2600 عربةً مُدرَّعة من طراز Oshkosh M-ATV المقاومة للألغام والمضادة للأفخاخ من الولايات المتحدة. وفي عام 2015، تلقت جماعة أبو العباس ثلاث عربات من هذا النوع، في حين وقعت أعداد أخرى بأيدي فصائل يمنية أخرى أو في أيدي الحوثيين".
وهناك قنابل سويسرية باعتها للإمارات بحوزة "المتطرفين"
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تلقَّى الشيخ رزيق، القيادي الإسلامي السلفي البارز في تعز، جهازاً لإزالة الألغام بريطاني الصنع من طراز Aardvark JSFU. وأظهرت الصور رزيق وهو يجلس داخل المركبة التي تحمل شارات الجيش السعودي بوضوح.
في أبريل/نيسان 2017، حصل فريق التحقيق على لقطاتٍ لأحد مقاتلي كتائب أبو العباس في تعز وهو يضع قنابل سويسرية الصنع على حزامه، وصورة نُشِرَت على الشبكات الاجتماعية في مايو/أيار 2017، تُظهر جندياً يحمل قنبلةً بالوصف نفسه.
أطلَعَ قائد جماعة أبو العباس في تعز فريق التحقيق على قنابل كان يستخدمها مقاتلو المقاومة. أكَّدَت شركة RUAG السويسرية لصناعة الأسلحة أنَّ القنابل كانت جزءاً من شحنة أسلحة تسلمتها الإمارات في عام 2003.
في فبراير/شباط هذا العام (2018)، رفعت ميليشيات تناضل من أجل دولة مستقلة في جنوبي اليمن، علم اليمن الجنوبي على عربات مُدرَّعة أميركية الصنع، من طراز Caiman Mrap الذي طورته شركة BAE البريطانية.
انضمَّت قوات المقاومة الجنوبية نفسها لاحقاً، إلى قوات ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات، وتسلمت عشرات العربات المُدرَّعة أميركية الصنع من طراز MaxxPro. وفي عام 2014، أنفقت الإمارات 2.5 مليار دولار في شراء 1150 مُدرَّعة من طراز Caiman، و 3360 مُدرَّعة من طراز MaxxPro من الولايات المتحدة.
ما جعل الفصائل "أكثر تجهيزاً" من الجيش الوطني اليمني
واشتملت الصفقة على بند لحماية التكنولوجيا وشهادة المستخدم النهائي. كان مورد مدرعات Caiman في هذه الصفقة شركة BAE Systems بالمملكة المتحدة، على الرغم من أنَّ العقد تم عبر فرعها في تكساس بالولايات المتحدة.
وقد شوهدت هذه المدرعات في مناسبات عديدة بجميع جوانب النزاع، ما أدى إلى شكوى مسؤولي الجيش اليمني من كونهم أقل تجهيزاً من جماعات المقاومة.
في الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول 2018)، أظهر مقطع فيديو صادر عن الحوثيين أسلحةً صودرت من ألوية العمالقة. وكانت القنابل السويسرية من بين هذه الأسلحة المُستولى عليها.
وقال أحمد حميش، منسق فريق الخبراء المعني باليمن والمكلف من مجلس الأمن الدولي: "علمنا من مصادر أنَّ بعض المقاتلين اليمنيين باعوا أسلحتهم، خاصة عندما توقفت أجورهم".
وقال إنَّ الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن التي تتسرب إلى أسواق الأسلحة المحلية من ساحات المعارك تزيد من خطر الهجوم الإرهابي على الصعيد العالمي.
وأشار حميش، الذي يرصد السوق السوداء، إلى أنَّ الأسعار كانت مستقرة أو آخذة في الانخفاض على الرغم من تزايد الطلب بسبب الحرب، وهو مؤشرٌ مثيرٌ للقلق يدل على أنَّ التحويل إلى السوق السوداء كان مرتفعاً، والذي أدى إلى هذا الفائض في العرض الذي أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار.
وهناك أدلة على تجارة أسلحة غير مشروعة تقودها السعودية والإمارات
استخدم أبو الغيط أسماءً مستعارة وخدمات رسائل مُشفَّرة للوصول إلى شبكات الإنترنت العاملة في تعز. لقد اكتشف فريقه مجموعة متنوعة من تجارة الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن غير المشروعة، ووثَّق عشرات البنادق الألمانية الجديدة التي بيعت بالفعل.
ومن خلال تظاهرهم كمشترين مُحتمَلين، تأكَّدوا من المنشأ الألماني للبنادق وأرقام التسلسل لتوثيق شهادات المستعمل النهائي. وقد عُرضت عليهم أيضاً رشاشات من طراز Minimis، مختومة بوضوح باسم الشركة المصنعة FN Herstal البلجيكية.
وقال أبو الغيط: "في إحدى المراحل، بدا أنَّ كندا هي الدولة الوحيدة التي لم يُحَوَّل مسار أسلحتها إلى اليمنيين. إلا أنَّ الوضع تغيَّر هذا العام، فعندما غزا الجيش السعودي مع حلفائه اليمنيين معقل الحوثيين في صعدة، ظهر العميد عبد الله العجابي، وهو قائد يمني بصعدة، في مقاطع فيديو، وهو يحمل بندقية قنص كندية الصنع من طراز PGW، في حين كان جندي آخر يحمل سلاح هجوم ألماني الصنع".
بين شهري يوليو/تموز، وأكتوبر/تشرين الأول 2018، رُصدت المركبات المدرَّعة الكندية من طراز Lav-25 ست مرات في المواكب المسلحة اليمنية بمحافظتي حجة وصعدة. وفي عدة حالات، كانت هناك محاولات واضحة لمحو العلامات السعودية.
الشركات ترفض التعليق، والحكومات لا تملك الأدلة
تواصل أبو الغيط مع شركات تصنيع الأسلحة والحكومات، وأرسل إليهم نتائج التحقيق، لمعرفة ما هي الإجراءات التي ستُتَخذ ضد السعودية والإمارات.
وبينما لم يتلقَّ ردوداً من شركة H & K، قالت وزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة الاتحادية الألمانية إنَّه "ليس لديها دليل قاطع" على أنَّ الأسلحة المُصَدَّرة كانت تستخدم في اليمن، لكنَّها أكدت أنَّها تأخذ حالات عدم الامتثال على محمل الجد.
وعلى الجانب الآخر، رفضت السلطات البلجيكية التعليق على مصير الأسلحة التي ورَّدتها شركة FN Herstal.
وفي ردها على أسئلة حول شركة BAE وكاسحات الألغام من طراز Aardvark، قالت وزارة التجارة الدولية البريطانية إنَّ تراخيص تصدير الأسلحة المستخدمة في حرب اليمن ليست مطلوبة لتصدير كاسحات الألغام. ولم ترد شركة BAE على طلب التعليق.
وقال غراهام جونز، رئيس لجنة الرقابة على صادرات الأسلحة في المملكة المتحدة: "المشكلة الرئيسية هي إيران بالنسبة لليمن، وليس الغرب بالنسبة لليمن، والمسألة ليست سوى أجندة سياسية".
ورفضت الشركة الكندية General Dynamics التعليق، ولكن متحدثة باسم وزارة الخارجية، أليسون لويس، قالت إنَّ الحكومة لديها سلطة إلغاء أو تعليق تصاريح التصدير، إذا "أصبحت على دراية بالأدلة التي تُثبت أنَّ الاستخدام النهائي المصرَّح به لأحد الأسلحة المُصَدَّرة يجرى انتهاكه".
من جانبها، قالت الحكومة السويسرية إنَّها لم تكن على علمٍ بأنَّ الأسلحة السويسرية تُستخدَم في اليمن، وأنَّها سوف تُحقق في هذه النتائج.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية أيضاً إنَّها ستسعى للتحقيق في الأمر. وقال متحدث باسم الوزارة: "لقد وقَّع متسلمو معدات الدفاع أميركية المنشأ على تعهُّدٍ بالالتزام بشروط الاستخدام النهائي على النحو المبين في الاتفاقات المبرمة مع حكومة الولايات المتحدة، وذلك لضمان استخدام هذه الأسلحة على النحو المتوخى، وبما يتفق مع التزاماتنا القانونية، وأهداف سياستنا الخارجية، وقيمنا".