قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، جعل المملكة مَدِينةً بالكثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وهو ما غيَّر بدوره موقف السعودية التاريخي الذي كانت فيه واضعة السياسات في الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الرئيس الأميركي ترامب يحتاج أيضاً إلى أن تدعم الدول العربية محمد بن سلمان، "حتى يخرج الرئيس الأميركي من المأزق الذي أوقع نفسه فيه نتيجة دعمه الكامل لولي العهد والرواية السعودية حول قضية خاشقجي".
الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس أصلح حالاً من القادة العرب
إذ يمكن أن يزعم ترامب، في هذه الحالة، أنه لا يحتاج إلى أن يكون أصلَح من الشيوخ العرب، وأنَّ هناك دولاً عربية كبرى تشاركه رأيه، وأنَّ موقفه من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا ينبع فقط من رغبته في الحفاظ على المصالح الإسرائيلية، وهو العذر الذي استخدمه بالفعل لتبرير دعمه لولي العهد.
ولا يمكن بالتأكيد استخدام المصالح الإسرائيلية مبرراً لإقناع الدول العربية بدعم موقف ترامب.
ولم يُفَسِر ترامب قط ما كان يقصده من حديثه الأسبوع الماضي حين قال إنَّ "إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة من دون السعودية". ربما كان يشير إلى جهود السعودية لكبح موجات الاحتجاج ضد نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس.
غير أنه من الواضح أنَّ دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لولي العهد السعودي أفاد إسرائيل سياسياً؛ وهو ما انعكس في زيارة نتنياهو الرسمية إلى سلطنة عمان، وزيارات رسمية لمسؤولين إسرائيليين كبار إلى الإمارات، وتعزيز علاقات تل أبيب مع البحرين، والآن يبدو أنَّ السودان هو المرشح التالي لـ"ترتيب" تعزيز العلاقات معه.
في انتظار أن يكون محمد بن سلمان "أكثر سخاء" مع بنيامين نتنياهو
ومع ذلك، ما زال من المبكر تحديد ما إذا كانت زيارات مسؤولين إسرائيليين كبار إلى دولٍ عربية تعكس الشروع في عملية تطبيع العلاقات؛ لكنَّها تروج بالتأكيد لأسلوب جديد في التعامل مع إسرائيل، ولا يمكن إنكار دور السعودية في إحراز هذا.
بيد أنه ما زال يتعين على المملكة نفسها الإسهام مباشرةً بنصيبها الكامل في هذا الأمر. إذ لم يجرِ أي مسؤول إسرائيلي زيارة علنية إلى الرياض، ولم يسافر كذلك أي ممثل رسمي عن العائلة الملكية إلى القدس في زيارة علنية.
ويبدو أنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرغب في حدوث تحول إسرائيلي بارز في العملية السياسية مع الفلسطينيين قبل أن يقترب من الحدود الإسرائيلية.
وإذا لم تظهر أية تفاصيل جديدة مهمة تثبت مسؤولية ولي العهد المباشرة عن مقتل خاشقجي، فسيتمكن من تجاوز الضغوط الداخلية وإسكات المقترحات المتصاعدة بتعيين "وصي" عليه أو منعه من اعتلاء العرش.
كما أنه يعول على جولته العربية لوقف الانتقادات الداخلية
ويحتاج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الترحيب من الدول العربية لوقف الانتقادات الداخلية، بما في ذلك انتقاداتٌ من العائلة المالكة نفسها.
ويتعيَّن عليه كذلك أن يثبت أنَّ قضية خاشقجي لم تضر بعلاقات السعودية مع دول أخرى، ومن ثَمَّ، يدحض مزاعم أن عملية القتل قوضت مكانة السعودية في الشرق الأوسط والعالم.
وقد تلقى الأمير بالفعل الدعم الأهم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أشاد بقدرته على الحفاظ على استقرار أسعار النفط بتعاونه مع السعودية، التي قال إنها تعهدت بزيادة إمدادات النفط تحسباً للعقوبات الأميركية على إيران التي دخلت حيز النفاذ مطلع الشهر الجاري.
لكن ولي العهد السعودي لا يحظى بالترحاب أينما ذهب
أشعلت الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس، احتجاجات غاضبة من الصحافيين المحليين؛ إذ أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين فور علمها بالزيارة: "دعوة ابن سلمان إلى زيارة تونس إهانة للثورة وقيمها"، ووصفته بأنه "عدوٌ لحرية التعبير عن الرأي".
وأصدر كذلك نحو 100 صحافي مصري بياناً يدينون فيه زيارة بن سلمان القاهرة؛ حيث استُقبِلَ الإثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بترحاب شديد.
وانضمت إلى هذه الاحتجاجات جماعات حقوقية من الدولتين، بينما امتلأت صفحات الشبكات الاجتماعية في تونس ومصر، التي وصل إليها الإثنين، والجزائر، التي من المتوقع أن يزورها أيضاً، بالاحتجاجات ضد زيارة "صاحب المنشار"، مثلما وصفته إحدى التغريدات، وليس فقط بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وانفردت الحكومة الجزائرية من بين الدول العربية بنشر بيانٍ الإثنين تدين فيه عملية القتل -بعد وقوعها بـ53 يوماً- لكنَّها سارعت بالقول إنها تتقبل الرواية السعودية حول ما حدث وتحترم القضاء السعودي.
وتشعر الجزائر بالغضب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأنه يسعى لخفض سعر النفط عالمياً؛ مما سيقوض واحداً من أهم صادراتها.
وفي مصر، يتذكر المعارضون دور ولي العهد في القرار المصري بإعادة جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السعودية، وهو القرار الذي أثار عقب صدوره مظاهرات عنيفة ضد الحكومة المصرية.
إلا أن ذلك لم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من القيام بجولته العربية
بيد أنَّ الجدل الشعبي حول هذه الزيارات لم يمنع ولي العهد السعودي من إجراء جولته لـ"تصحيح صورته المشوهة"، على حد تعبير أحد المغرَّدين المصريين. وتعد هذه المحطات بلا شك محاولة لتعزيز شرعيته قبل قمة مجموعة العشرين التي ستُعقَد نهاية هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس.
وبدأت جولة ولي العهد الأسبوع الماضي من الإمارات العربية المتحدة، حيث قوبل بترحاب حار من رفيقه ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، الذي على غرار بن سلمان، يعد هو الحاكم الفعلي لبلاده.
وبعد ذلك سافر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البحرين، التي يدين نظامها الحاكم ببقائه إلى السعودية، التي أنقذته من الانهيار في أثناء مظاهرات الربيع العربي عام 2011 بإرسال دبابات وناقلات جنود مدرعة فرقت الاحتجاجات العنيفة بإطلاق النار على مدنيين وقتلهم.
ومطالبة الدول العربية بسداد ديونها
ويطالب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الآن الدول العربية بسداد ما تدين به للمملكة مقابل ضخها استثماراتٍ ودعماً مادياً هائلاً إليها.
وعلى رأس هذه الدول، تأتي مصر التي حصلت على أكثر من 15 مليار دولار مساعدات منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في يوليو/تموز من عام 2013.
ومنذ ذلك الحين، اضطرت مصر إلى الانضمام إلى التحالف العربي الذي شكلَّته السعودية لمحاربة الحوثيين في اليمن، وإعادة الجزيرتين إلى السعودية، والاختلاف معها بشأن قضية حل الأزمة السورية.
وإلى جانب ذلك، تلقت الحكومة المصرية هدية سعودية مهمة أخرى في صورة تعهدات باستثمار مليارات الدولارات في مصر، من بينها 1.5 مليار دولار لتطوير سيناء وبناء عاصمة إدارية جديدة قريبة من القاهرة.
وستشارك مصر والأردن كذلك في المدينة التي يخطط ولي العهد لبنائها على ساحل المملكة الغربي باستثمار يصل إلى 500 مليار دولار.
فبعض القادة العرب مثل ترامب يخشون ضياع صفقاتهم مع السعودية
ومثلما يخشى ترامب على مصير صفقة مبيعات الأسلحة التي أبرمها مع السعودية بقيمة 110 مليارات، لا يمكن أن تتنازل مصر عن الدعم السعودي وخطط التطوير التي ستموِّلها المملكة.
أما الجزائر وتونس، فمع أنَّهما لا تعتمدان بالقدر ذاته على السعودية، تدفعهما الإدارة الأميركية إلى استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لما لها من نفوذ على إصدار الهيئات المالية الدولية موافقات على منح قروض أو تأجيلها أو حتى رفضها.
ومع أنَّ الرئيس السوداني عمر البشير مطلوبٌ لدى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في دارفور، يبدو أنه استطاع تصحيح وضعه بعد اتخاذه قرار قطع العلاقات مع إيران والانضمام إلى التحالف السعودي في حربه في اليمن.