قبل أيام فاجأ الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، المشهد السياسي المحلي بإعلانه حل جميع هياكل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، ومنح مفاتيح تسييره، ولو بشكل مؤقت، إلى معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري ، رغم أنه لم يكن عضواً في المجلس الوطني للحزب الحاكم، لكن لا أحد يستطيع أن يخالف تعليمات الرئيس.
انتخاب معاذ الشارب، الشاب سياسياً، رئيساً للمجلس الشعبي الوطني خلفاً لسعيد بوحجة الذي "اضطر" لتقديم استقالته، رغم ولائه للرئيس بوتفليقة ومساندته له للترشح لولاية خامسة، وبعدها اختياره من طرف "قصر المرادية" لقيادة الحزب الحاكم، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول السرعة التي يصعد بها معاذ الشارب هرم السلطة، ليصبح ثالث أهم شخصية في الدولة الجزائرية.
ثقة الرئيس بوتفليقة في معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني
في الـ25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عيَّن رئيس الدولة ورئيس جبهة التحرير الوطني عبدالعزيز بوتفليقة، معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني في منصب منسق الهيئة المسيرة لحزب جبهة التحرير الوطني. وحسب تقرير لمجلة Jeune Afrique الفرنسية يعد هذا التعيين دليلاً على ثقة رئيس الدولة به، قبل خمسة أشهر فقط من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
تعتبر هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها رئيس الجمهورية علناً، وبشكل صريح، في إدارة هذا الحزب العريق. وعلّق عضو سابق في المكتب السياسي في جبهة التحرير الوطني على هذا الأمر قائلاً إن "عملية إعادة الهيكلة هذه تخدم هدفاً وتاريخاً محدّدين".
وأورد إطار في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، أنه "قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، يعكس هذا التعيين الرغبة في الحد من نفوذ بعض أعضاء اللجنة المركزية وإعادة تنظيم صفوف الحزب.
ففي جبهة التحرير الوطني، لم يتمكن أعضاء الهيئات المسيرة المنحلة من تجاوز الانقسامات وتعدد الطموحات. لذلك، توصل إلى حل يتمثل في تضييق نشاط هياكل الحزب المسببة للمشاكل".
نتيجة لذلك، تم حلّ جميع هياكل الحزب، الأمر الذي يُشكل طريقة للتحايل على نظامه الداخلي. ففي واقع الأمر، تنص المادة 36 من القانون الأساسي لجبهة التحرير الوطني على أنه في حالة شغور منصب الأمين العام، يجب أن يتولى أكبر أعضاء المكتب السياسي سناً إدارة هذا المنصب بصفة مؤقتة.
إثر ذلك يجب عقد جلسة استثنائية للجنة المركزية، في غضون مدة أقصاها 30 يوماً، لانتخاب أمين عام جديد من بين أعضائها.
رغم أنه لم يكن "مؤهلاً" لإدارة أعرق الأحزاب الجزائرية وأهمها
وفقاً لهذه المعايير، لم يكن معاذ بوشارب، البالغ من العمر 47 عاماً، مؤهلاً لإدارة حزب جبهة التحرير الوطني، أولاً بسبب سنه، وثانياً لأنه ليس عضواً لا في اللجنة المركزية ولا في المكتب السياسي للحزب.
سيكون على الهيئة الانتقالية التي تولى معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني قيادتها، والمكونة من برلمانيين وأعضاء سابقين في المكتب السياسي على غرار دليلة الطيب، ومحمد قمامة، وسعيدة بوناب، ومصطفى كريم رحيال، وسميرة كركوش، والسعيد لخضاري، الإشراف على القضايا الحالية في صلب الحزب.
كما ستُجهز لعقد مؤتمر استثنائي، الذي سينظم قبل أو بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2019، ولم يتم إلى الآن تحديد موعد هذا المؤتمر.
فهل يعتبر معاذ بوشارب مجرد رجل محظوظ؟
لم يكن تسليم مقاليد الحزب إلى بوشارب، الذي نُصب خلفاً لجمال ولد عباس المستقيل، وإعادة هيكلته أمراً مفاجئاً. ففي 24 من أكتوبر/تشرين الأول، انتخب رئيساً للمجلس الشعبي الوطني، بعد الإطاحة بالسعيد بوحجة.
خلف الكواليس، نسّق معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني بنجاح احتجاجات أعضاء التحالف المكون من التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب جبهة التحرير الوطني، وتجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية لمنع رئيس هذا المجلس البالغ من العمر 80 عاماً من التوجه إلى مكتبه.
وأفاد الإطار في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تواصلت معه مجلة Jeune Afrique، أن "بوشارب شاب ينفذ التعليمات بحماس وسرعة، كما يتمتّع بثقة بوتفليقة، إنه الرجل المناسب لمثل هذه الوضعية".
شغل بوشارب، الذي كان نائباً عن سطيف طيلة ثلاث عهدات نيابية، منصب نائب رئيس المجلس الوطني الشعبي ورئيس الكتلة البرلمانية لحزبه. علاوة على ذلك، تحصل على صفة ثالث أهم رجال الدولة، في إطار مناظرة لم يتم الكشف عن جميع أسرارها.
وأكد إطار في حزب تجمع الأمل في الجزائر، الذي ينتمي إليه وزير الأشغال العمومية عمار غول، أنه "في ذلك الوقت تحديداً منح بوشارب مكانة "رجل الدولة"، وأضيفت إلى سيرته الذاتية". وأفاد نائب عن حزب جبهة التحرير الوطني أنه "خلال هذه الفترة تغيرت كل الأمور بالنسبة لبوشارب. فقد كان يتلقى طوال الوقت اتصالات هاتفية من مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة".
وهل يصل طموحه إلى التفكير في خلافة عبدالعزيز بوتفليقة؟
يدعو الرئيس الجديد للهيئة المسيرة لحزب جبهة التحرير الوطني إلى خطاب تصالحي. فقد صرَّح قائلاً: "يمكنني التوصل إلى مصالحة في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني وتوحيده. لقد أنجزت هذه المهمة على أكمل وجه بالفعل، حين كنت رئيساً للكتلة النيابية للحزب".
وقد أكد معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني لأطراف مقرَّبة منه أنه "ليس من السهل قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، لذلك يجب الاستماع إلى كل الأطراف وعدم إيذاء أي شخص. يتطلب الأمر إقامة نوع من التوازن، أنا قادر على توحيد المنشقين والمعارضين للإدارة القديمة".
كان صعود بوشارب على الساحة السياسية بهذا الشكل مذهلاً، لدرجة أن البعض لم يتردد في تقديمه على اعتباره شخصية قادرة على تولي الرئاسة، في حال تعذّر على بوتفليقة ممارسة الحكم بسبب تدهور حالته الصحية، لكن استبعدت المصادر التابعة للتحالف الرئاسي، التي تحدثت إلى المجلة، هذا الاحتمال، حيث خلصت إلى أن "معاذ بوشارب هو رجل يخدم وضعاً وجدول أعمال معينين، ولا شيء أكثر من ذلك".