قالت صحيفة Wall Street Journal الأميركية، إن روسيا تضغط على تركيا من اجل إخراج المُتطرّفين من منطقةٍ منزوعة السلاح في سوريا الأمر الذي يُعد اختباراً للعلاقات الدافئة بين الدولتين و اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي توسطت كلتا الدولتين في التوصل إليه ووفّر الحماية لمعارضي نظام بشار الأسد.
وتشرف تركيا وروسيا على تنفيذ اتفاقٍ، أدى في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلى إنشاء منطقة عازلة بشمال غربي محافظة إدلب، وتقول الدولتان في الأسابيع الأخيرة، حسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية، إنَّ الاتفاق نجح بالفعل، ما يوضح مدى النفوذ الذي تحوزه الدولتان الآن والذي يُمكّنهما من العمل وسيطين إقليميين في الشرق الأوسط دون تدخل الولايات المتحدة أو أوروبا.
لكن في الأيام الأخيرة، كثَّفت قوات الرئيس السوري بشار الأسد، المدعومة من روسيا، هجمات القصف بالمدفعية على البلدات التي تُسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة في جنوبي إدلب. وفي الوقت نفسه، دخلت الفصائل المسلحة التي تحاول تركيا إبعادها إلى المنطقة العازلة، حيث تتحمل أنقرة مسؤولية الأمن.
احتمالات استمرار اتفاق وقف إطلاق النار
قالت وزارة الدفاع الروسية، الأحد 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إنَّ طائراتها الحربية قصفت مقاتلين من المعارضة، أفادت بأنَّهم كانوا مسؤولين عن هجومٍ كيماوي على مدينة حلب التي يسيطر عليها النظام السوري؛ ما أسفر عن إصابة أكثر من 100 شخص. ولم تُثبت أي أدلة مستقلة صحة ذلك الادعاء، لكنَّ وزارة الدفاع الروسية قالت إنَّها ستتحدث إلى تركيا بشأن هذا الأمر.
وأعربت روسيا عن إحباطها من تلك الانتهاكات بشكلٍ واضح، ما أثار تساؤلاتٍ بشأن احتمالات استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في معقل قوات المعارضة. ولم تستبعد موسكو احتمالية شن هجومٍ كبير، لأنَّ النظام السوري لا يمكنه السيطرة على إدلب من دون قوة جوية روسية.
وضغط وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في اجتماعٍ بمدينة سوتشي الروسية، الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، على نظيره التركي خلوصي أكار، لفصل قوات المعارضة المعتدلة عن المتطرفين في إدلب.
وقالت إيرينا زفياغلسكايا، كبيرة الباحثين بمركز الدراسات العربية والإسلامية في موسكو، إنَّه "إذا تمكّنت تركيا من فصل أولئك الذين يدعمون وقف إطلاق النار والذين هم على استعداد للتفاوض عن الإرهابيين، فإنَّ ذلك سيوفر فرصةً جيدة لمنع عملية عسكرية واسعة النطاق".
وقد أقنعت تركيا بعض قوات المعارضة بالرحيل وتسليم الأسلحة الثقيلة، لكنَّ الآلاف لا يزالون موجودين.
وقال سام هيلر، المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية في بيروت والذي يراقب الوضع بإدلب، إنَّ "تنفيذ الاتفاق كان منقوصاً بشكلٍ واضح. يظل وقف إطلاق النار قائماً ما دام الطرفان، رعاة الاتفاق، يقولان إنَّه قائم، بغض النظر عن تنفيذه على أرض الواقع".
الهدوء في إدلب، وموقف تركيا وروسيا من الهدنة
وقالت الصحيفة الأميركية، إن الهدوء النسبي بإدلب أسهم في تبوُّء تركيا وروسيا مكانةً تسمح لهما بالتأثير على نتائج الحرب المستمرة منذ 7 سنوات في سوريا، وسط تساؤلاتٍ بشأن الوجود المستمر للولايات المتحدة.
إذ قالت إدارة دونالد ترامب إنَّ هدفها في سوريا هو ضمان هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تماماً، وإطاحة جميع القوات المدعومة من إيران، وهو تحوُّل عن تصريحات الرئيس السابقة بشأن ضرورة الإسراع بانسحاب القوات الأميركية من سوريا.
في الوقت نفسه، سيؤدي التوصل إلى حلٍ للنزاع يحابي مصلحة حليفتي الأسد -روسيا وإيران- إلى تعقيد وجود القوات الأميركية، إذ تتوق الدولتان إلى كبح النفوذ الأميركي في سوريا.
لكنَّ انهيار الاتفاق سيجلب نتائج عكسية
فبالنظر إلى حجم سكان إدلب، فإن أي هجومٍ من جانب النظام ربما يكون أكثر دموية من الهجمات التي نُفذت هذا العام (2018) وانتُقدت روسيا بسببها، لمساعدتها الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية بضاحية الغوطة الشرقية في دمشق. ويحذّر البعض من أنَّ القتال قد يكون أسوأ من معركة 2016 لاستعادة حلب، التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شخص، وتعرَّضت الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة لإبادةٍ كاملة.
وقال ألكساندر باونوف، الزميل البارز في مركز كارنيغي بموسكو: "عواقب هجوم إدلب ستكون موجة أخرى من الانتقادات ضد روسيا، إذ ستكون هناك الكثير من الصور البغيضة المؤلمة، وقدر أكبر من انعدام ثقة تركيا بروسيا، وسينتج وضعٌ، الفائز الوحيد فيه هو بشار الأسد".
يغطي اتفاق وقف إطلاق النار ممراً يتراوح طوله بين 10 و12 ميلاً (16 إلى 19 كيلومتراً) في إدلب، واستمر هذا الاتفاق فترةً أطول من الاتفاقات السابقة، ويعكس التقدُّم الذي حققه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في تسوية خلافاتهما.
توترت العلاقات الثنائية بين البلدين بشدة في عام 2015، بعد أن أسقطت طائراتٌ مقاتِلةٌ تركيةٌ طائرة حربية روسية على الحدود السورية-التركية، إذ أوقفت روسيا بعدها الاتصالات العسكرية مع تركيا، وفرضت عقوباتٍ اقتصادية عليها، وحظرت رحلات الطيران السياحية بين البلدين، ما ألحق أضراراً كبيرة بصناعة السياحة التركية.
ومع سعي كلٍّ من أردوغان وبوتين لتخفيف حدة التوترات، رفعت موسكو العقوبات التجارية. وتُموِّل الآن شركة Rosatom النووية الحكومية الروسية أول محطة للطاقة النووية في تركيا. والتقى الرئيسان، هذا الأسبوع، في تركيا، للاحتفال بافتتاح مرحلةٍ رئيسية من مشروع خط أنابيب مشترك للغاز الطبيعي.
جديرٌ بالذكر أنَّ المصالحة التركية مع روسيا أدَّت، في بعض الأحيان، إلى توتر علاقات تركيا مع الغرب. وأغضبت أنقرة، العضوة في حلف الناتو، حليفتها واشنطن هذا العام (2018)، بموافقتها على شراء نظام الدفاع الجوي الصاروخي الروسي "إس-400".
يتوقف مستقبل اتفاق إدلب على علاقات أنقرة وموسكو
الآن يتوقف استمرار هدنة إدلب، إلى حدٍ كبير، على مدى حفاظ أردوغان وبوتين على حالة الألفة والثقة المتجددة بينهما.
وأظهر بوتين تفهُّماً تجاه الاضطرابات العسكرية والسياسية التي ستشهدها تركيا بسبب الموجات المحتملة من المهاجرين والمتطرفين الذين قد يحاولون -على الأرجح- دخول أراضيها في حالة تعرُّض إدلب للهجوم. ومن جانبه، وعد أردوغان بوتين بتخليص إدلب من المُسلحين الذين يعتبرهم كلاهما إرهابيين.
لكنَّ الفصيل الذي ربما يُفسد الأمور في إدلب هو "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة كانت تتبع سابقاً تنظيم القاعدة، وتجند جيشاً من "قوات النخبة" على الشبكات الاجتماعية، من خلال ضم مقاتلين يتمتعون بصحة جيدة، وغير متزوجين، ودرسوا الشريعة الإسلامية ويتحلّون بأخلاقٍ حميدة، وذلك وفقاً لمجموعة SITE للاستخبارات، وهي شركة أميركية تتعقّب أنشطة التنظيمات الجهادية.
واستفادت الجماعة المسلحة اقتصادياً من البقاء داخل منطقة وقف إطلاق النار، إذ أعادت الصفقة التركية-الروسية فتح الطريق السريع الرئيس، الذي كان قد أُغلق منذ شهور، ما يسمح للجماعة بفرض رسومٍ على حركة المرور التجارية والخاصة عبر نقاط التفتيش التي ما زالت تسيطر عليها. وتجني الجماعة أرباحاً أيضاً من السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي بين إدلب وتركيا، الذي تسيطر عليه الجماعة المسلحة منذ عام 2017.