سلطت صحيفة Le Monde الفرنسية الضوء على مستقبل إيران في سوريا عقب فرض نظام الأسد سيطرته شبه الكاملة على الأراضي السورية عدا محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة مسلحة، معتبرة أن طهران باتت في تحدٍ كبير عقب هذا الأمر.
وفي نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، أقيم اجتماعٌ بمقر غرفة تجارة طهران. وقد حضرت فيه نحو 220 شركة إيرانية خاصة وشبه حكومية، تنشط في القطاع البنكي وقطاعات صناعة المواد الغذائية والأشغال العامة والصلب والصيدلة. تخضع معظم هذه الشركات للعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران منذ شهر مايو/أيار 2018. وبسبب تضررهم من الهبوط الهائل في قيمة العملة الإيرانية، يسعى رجال الأعمال الإيرانيون إلى الاستثمار، لحماية أموالهم.
وقد استقبل هؤلاء، بحفاوة وحذر، وفوداً من الشركات ومن قادة غرف التجارة الإقليمية السورية. وقدِمت هذه الوفود من دمشق وحلب واللاذقية، ومن المحافظات المعارضة سابقاً على غرار حمص وحماة. وشكّل هذا اللقاء سابقة هي الأولى من نوعها، بعد 7 أعوام من الحرب في سوريا.
إعادة إعمار سوريا في يد من؟
ويبحث رجال الأعمال السوريون عن شركاء من أجل "إعادة إعمار" بلادهم، الخاضعة هي الأخرى لعقوبات أميركية. إعادة الإعمار هذه مشروع ضخم، إذ تقدر الأمم المتحدة تكلفة الدمار المادي والخسائر المتراكمة التي سجلها الناتج المحلي الإجمالي السوري بنحو 340 مليار يورو، منذ بداية النزاع.
يعترف الأمين العام السابق لغرفة تجارة طهران، محمد مهدي راسخ، الذي نظّم هذا الحدث، بأنه "لا بد من إعادة بناء كل شيء. لقد أوقفت الشركات الإيرانية كل نشاطاتها تقريباً في سوريا خلال الحرب، ما عدا النشاط التجاري". وقد أبقت هذه الصادرات نظام دمشق في السلطة، بفضل 5.6 مليار دولار (أي 5 مليارات يورو) من خطوط الائتمان التي منحتها له طهران منذ عام 2011، بحسب إحصاء أجرته جريدة "الأيام" اليومية الحكومية السورية، بحسب الصحيفة الفرنسية.
مذكرات تفاهم
تفتخر إيران الآن بفوزها في الصراع، بفضل الدعم الحاسم الذي تلقته من موسكو. فمن خلال إبقاء بشار الأسد بالسلطة، أنقذت طهران التحالف الذي عقدته مع والده حافظ الأسد في بداية الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988). وفي الوقت ذاته، حافظت إيران على علاقتها الاستراتيجية مع حزب الله اللبناني.
في الوقت الحالي، تبدو إيران كأنها واقفة فوق الخراب، دون معرفة الطريقة التي ستُمكنها من استغلال هذا النجاح. ويعتقد دبلوماسي غربي أن "الحرس الثوري الإيراني والمتشددون في إيران غير مستعدين للقيام بأي خطوة في هذا الملف".
ومن المؤكد أن الشركات الإيرانية الحكومية قد وقّعت في السابق، على مذكرات تفاهم بسوريا، للاستثمار في الهياكل الأساسية لشبكات الكهرباء والطرق والمياه، فضلاً عن الاتصالات المتنقلة أو مناجم للفوسفات. لكن، تعطل إنجاز هذه المشاريع، التي أُعلن عن بعضها منذ عام 2016، وهناك نقص في الموارد المالية المخصصة لفترة ما بعد الحرب بسوريا.
وفقاً لغرفة تجارة طهران، انتهى تاريخ عقد آخر خط ائتمان إيراني بقيمة مليار دولار إيراني، مُنح لسوريا مدة عام، في الصيف الماضي ولم يتم تجديده إلى الآن.
أموال الغرب بيد الإيرانيين
وحذّر الدبلوماسي الغربي من أن "إعادة إعمار سوريا ستتم بأموالنا. نحن لن نعطي المال للإيرانيين! ستجمع الشركات الإيرانية، المرتبطة بالحرس الثوري وأطراف أخرى تستغل الحرب، بضعة ملايين. لكن مبالغها لن تكون كبيرة".
بالنسبة لواشنطن، يتمثل الهدف الرئيس اليوم في الحد من نفوذ طهران بالبلاد، بالتزامن مع تقدم سوريا نحو فترة ما بعد الحرب. في أواخر سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت إدارة ترامب أنها ستحتفظ بعدد بسيط من قواتها بالمناطق الكردية في شمال شرقي البلاد، وفي منطقة التنف المتاخمة للعراق. ويشكل هذا الأمر وسيلة للضغط على دمشق خلال عملية المصالحة السياسية المستقبلية في سوريا. من جهتهما، تدعم طهران وموسكو عودة النظام السوري إلى فرض سيطرته على المناطق التي استرجعها من المعارضة، دون أي إصلاحات حقيقية، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وتُغلق المنطقتان الخاضعتان للسيطرة الأميركية نقاط العبور التي قد تحتاجها إيران من أجل ربط أراضيها بسوريا ولبنان، عن طريق البر. ومن ثم، تمنعان طهران أيضاً من تعزيز تحالفاتها الإقليمية عبر العراق. يمثل هذا الواقع العسكري مصدر قلق كبير لرواد الأعمال الإيرانيين الذين يحلمون بشحن بضائعهم إلى سوريا عن طريق هذا الممر. أما بالنسبة للطريق الجوي، الذي يشمل الرحلات عبر مطار دمشق، فهو مكلف جداً، وفقاً لما أورده راسخ، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وضع يخلو من الآفاق الواسعة
لا يربط بين البلدين أي خط بحري مباشر، ما يجعل البضائع تمر عبر دبي أو تركيا. وعلى الحدود الأردنية، أُعيد فتح معبر نصيب-جابر، الذي أُغلق منذ عام 2015، بشكل رمزي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والذي قد يربط بين العراق وسوريا. لكن، تتمتع واشنطن بنفوذ قوي على عمّان، ما قد يجعلها قادرة على معارضة مرور البضائع الإيرانية.
لا يقدّم هذا الوضع آفاقاً واسعة، مع ذلك يجب على الإيرانيين التعايش معه. وبالنسبة لطهران، تظل الأولوية هي الحفاظ على قدرتها الخاصة على الردع في سوريا، ومواجهة جارها الإسرائيلي القوي، حتى وإن بقيت هذه القدرة ضعيفة نسبياً. ويعتبر الهدف من وراء ذلك أساسياً لإبطال أي هجوم من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة على الأراضي الإيرانية. ولأجل ذلك، تعمل إيران على تعزيز الميليشيات السورية لخدمة مصالحها، خاصة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، كما أنها تسعى جاهدة لإعادة تشكيل القدرات الباليستية الخاصة بحليفها السوري.
صرح السفير الإيراني السابق لدى سوريا، حسين شيخ الإسلام، قائلاً: "لقد ساعدناهم على تطوير مصانع الصواريخ الخاصة بهم، منذ العقد الأول من القرن الـ21. وما زالت هذه المصانع موجودة وتعمل". ويشمل ذلك مرافق مركز الدراسات والبحوث العلمية، وهو الكيان السوري المسؤول عن تطوير الأسلحة الكيماوية والصواريخ. ووفقاً لشيخ الإسلام، تسعى طهران اليوم لتعزيز الترسانة السورية بأسلحة عالية الدقة، وهي قدرة ركزت عليها إيران معظم أبحاثها الباليستية منذ 10 أعوام.
هذا النوع من النقل باتجاه سوريا وحزب الله هو ما تستهدفه إسرائيل بانتظام، حيث وجهت قرابة 200 ضربة في سوريا منذ 18 شهراً. وبالنسبة لتل أبيب، تعمل هذه الشبكات داخل الجيش والدولة السورية، التي لها علاقة بحزب الله، دون أن يتم إبلاغ السلطات في دمشق بالضرورة بجميع عملياتها، وهو ما سيثير قلق النظام السوري في نهاية المطاف.
تؤكد إيران رغبتها في إعادة قيام دولة قوية ومركزية بدمشق تحافظ على مصالحها، "لكن السوريين لا يروق لهم تحرك الإيرانيين على أراضيهم دون إبقائهم على اطلاع على ما يحدث"، وفقاً لما صرح به مسؤول في المنطقة.