تسعى روسيا وأوروبا للتقرب من خليفة حفتر ، لا سيما أنه بات العنصر الأبرز المؤثر في الساحة الليبية.
إذ شهدت مدينة باليرمو الإيطالية، أمس الإثنين 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مؤتمراً دولياً بشأن التسوية السلمية في ليبيا.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا يعتبر حفتر مهماً جداً؟ وكيف تتعامل ليبيا مع أهم عقود الغاز الروسية؟
جهود فرنسا للتسوية في ليبيا غير مرحب بها في إيطاليا
جهود الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الهادفة لعقد حوار بين الأطراف الليبية المتنازعة عن طريق تنظيم لقاءات يشرف عليها بنفسه، أثارت استياء الجانب الإيطالي في العام الماضي.
اعتبرت إيطاليا أن خطوات الجانب الفرنسي مستعجلة، وانتقدت تعدد أشكال الوساطة والمبادرات.
ونتيجة لذلك، نظمت إيطاليا مؤتمراً دولياً بشأن الوضع الليبي، تحتضنه مدينة باليرمو في 12 و13 من نوفمبر/تشرين الثاني.
عدة ملفات تقلق إيطاليا بما فيها صادرات النفط الليبي
تعتبر الأمور المثيرة لقلق إيطاليا واضحة، بما في ذلك تواصل تدفق اللاجئين غير الشرعيين من سواحل شمال إفريقيا وحوادث الغرق، إلى جانب إدخال الماريغوانا إلى أوروبا، التي تعتبر كارثة حقيقية بالنسبة لها وكذلك لإسبانيا.
في الوقت ذاته، يعد الهيكل السياسي لليبيا ما بعد الحرب من أكثر الأمور مدعاة للقلق بالنسبة لإيطاليا.
كانت روما قبل الأحداث التي شاهدتها ليبيا عام 2011، أكبر مستهلك للغاز الليبي في العالم، وتبلغ نسبتها من صادرات النفط الليبي حوالي 32٪.
الوضع في ليبيا لم يستقر بعد كي تتم الانتخابات
ووفقاً للاتفاقيات السابقة التي تمت تحت إشراف الرئيس الفرنسي، يمكن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عامة في ليبيا في ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، رغم أن الوضع في غرب ليبيا لم يستقر بعد.
ونتيجة للاشتباكات الدورية بين الوحدات المتمركزة في جنوب طرابلس وقوات حكومة فايز السراج المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، المتمركزة في العاصمة، توقفت الرحلات من مطار معيتيقة الدولي وإليه.
كما انقطع التيار الكهربائي وسجلت أضرار في البنية التحتية بما في ذلك مرافق النفط.
من هذا المنطلق، وقع تأجيل الانتخابات من ديسمبر/كانون الأول إلى ربيع عام 2019.
التوتر يخدم المصالح الغربية التي تتدخل بذريعة الهجرة غير الشرعية
صحيفة Vizglyad الروسية اعتبرت أن عدم الاستقرار في ليبيا يخدم مصالح الدول الغربية، التي تسعى إلى توزيع الموارد الليبية.
تتدخل بذريعة مكافحة الهجرة غير الشرعية، ما يفتح الباب أمام العديد من التجاوزات والانتهاكات.
وتعتبر عقود النفط من أهم العوامل التي دفعت القذافي للتعاون مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، رغم تلاعبه ببعض المسائل.
على صعيد آخر، تسمح إطالة أمد الصراع الليبي لأوروبا بالاستفادة من الوضع القائم، علماً أن ما يحدث في البلاد اليوم لا يسمح بإطالة الصراع أكثر.
حفتر يثبت قدرته على إيقاف الاشتباكات ميدانياً
وفي تعليقه على الاشتباكات غرب ليبيا، أشار القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر في سبتمبر/أيلول إلى أن الجيش الوطني الليبي سيدخل طرابلس في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، لاسيما في ظل تفشي وضع لا تستطيع الحكومة المعترف بها من قبل الغرب التعامل معه.
في الأثناء، يسيطر حفتر (المدعوم من مصر والإمارات) على معظم أنحاء البلاد، حيث تنفذ قواته عدة عمليات لمكافحة الإرهاب، ويهدف وقف انتشار الجماعات المسلحة القادمة من تشاد والسودان في ليبيا.
كما يضع حفتر على الحدود الغربية دوريات من أجل حماية نفسه.
وفي الوقت الراهن، تشير قرارات ومواقف حفتر إلى قدرته على وقف المخاض الذي تعيشه ليبيا منذ سبع سنوات.
تسعى روسيا وأوروبا للتقرب من خليفة حفتر الذي يتفوق على السراج
ويتفوق حفتر على السراج في العديد من الجوانب، وفي حال استمر حفتر في التفوق على السراج، يتعين على الغرب الاعتراف به.
في الواقع، يمكن لحفتر أن يكون الطرف الوحيد الذي يتحكم في الوضع داخل البلاد، لاسيما أن خط أنابيب الدفق الأخضر الذي يؤمن نقل الغاز إلى صقلية يبدأ من ضواحي طرابلس.
وفي حال حدوث المزيد من الانقسامات وانهارت السلطة في غرب البلاد، لن يكون لدى قوات حفتر خيار سوى الدخول إلى العاصمة.
وعلى الغرب بدوره أن يضفي طابعاً رسمياً على هذه العملية ويحاول التوصل إلى اتفاق مع المشير حفتر.
الانتخابات البرلمانية ترجح كفة موسكو
وإذا ما تمت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا في ديسمبر/كانون الأول، فإن النتائج لن تكون في صالح أوروبا، بل ستكون في صالح موسكو، خاصة في ظل تمتع حفتر وسيف الإسلام القذافي بشعبية كبيرة.
وتشير زيارات حفتر المتعددة إلى موسكو ولقائه مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، فضلاً عن دعم روسيا لسيف الإسلام القذافي، إلى العلاقة الوطيدة التي تجمع هذه الجهات مع موسكو.
من جهته أعلن العالم الإسلامي عارف النايض عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية، لكن حظوظه في الفوز ضعيفة مقارنة بالمشير حفتر وسيف الإسلام القذافي.
والجدير بالذكر أن جميع الإسلاميين الذين حاولوا حكم البلاد في السنوات السبع الأخيرة، اختفت آثارهم.
وحتى الآن لم يعلن السراج المدعوم من الأمم المتحدة ترشحه
في المقابل، لم يعلن فايز السراج، الذي تدعم الأمم المتحدة حكومته، والذي يسيطر على مناطق صغيرة في غرب البلاد على ترشحه، في ظل صعوبة فوزه بعدد كبير من الأصوات.
ويعتبر عقيلة صالح عيسى العبيدي، رئيس مجلس النواب الليبي، من بين المرشحين المحتملين، رغم عدم إعلانه عن ترشحه للانتخابات.
أما حفتر والسراج فيتمتعان بالمكانة ذاتها على الصعيد الدولي.
والمؤتمر الوطني المرتقب قد يعطي سيف الإسلام فرصة جديدة
يعد عقد المؤتمر الوطني في ليبيا الذي سيشكل خطوة حقيقية نحو بداية عملية سياسية، وضمان إجراء الانتخابات في الربيع المقبل، من أهم القضايا التي عقِد لأجلها المؤتمر الذي تحتضنه باليرمو.
تدرك إيطاليا خطورة الوضع السياسي في البلاد وتخشى على نصيبها من النفط الليبي، خاصة وأن حظوظ السراج في الفوز بالانتخابات ضعيفة.
ولا تزال المؤامرة قائمة ضد سيف الإسلام القذافي، الذي أصدرت حكومة طرابلس ضده حكم بالإعدام غيابياً، كما أنه متورط في بعض القضايا الدولية.
وفي حال انعقد المؤتمر الوطني بشأن إحياء الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، لن تشكل القضايا والأحكام الصادرة ضد نجل القذافي عقبة أمام ترشحه للانتخابات الرئاسية.
وحفتر يريد إتمام الانتخابات قبل نهاية العام
وبحسب مصدر رفض الكشف عن هويته في الجيش الوطني الليبي، رفض حفتر الحضور في المؤتمر الذي تحتضنه باليرمو، ولم يعلن ما إن كان سيرسل ممثلاً عنه إلى هناك.
ويرجع رفض حفتر الحضور إلى رغبته في التأكيد على أهميته.
في حال، تم الاتفاق على عدم تأجيل الانتخابات وعقدها نهاية هذا العام، لن يمانع حفتر حضور المؤتمر.
أما في حال الإصرار على تأجيلها لعام 2019 لن يمانع حفتر في العمل من أجل السيطرة على جميع القوى في البلاد.
غيابه عن باليرمو يخفف من شرعية قراراته
في حال حاول الغرب بطريقة أو بأخرى استغلال الوضع من خلال الانتخابات وتحويل الأمور لصالحه، سيقوض غياب حفتر عن المؤتمر المنعقد في باليرمو شرعية القرارات التي لا لزوم لها.
سيؤدي تأخير إجراء انتخابات في ليبيا ببساطة إلى وقوع ضحايا جدد دون أسباب مقنعة، ومزيداً من سيطرة حفتر على الأراضي بشكل تدريجي.
ومشاوراته مع الشركات الروسية العسكرية يعيد لها موطئ قدمها
في وقت سابق، ذكرت بعض الوسائل الإعلامية أن المالك المزعوم للشركة العسكرية الروسية الخاصة فاغنر، كان حاضراً في المحادثات التي جمعت بين حفتر ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إضافة إلى وجود خبراء عسكريين روس في ليبيا، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة The Sun البريطانية.
وبالإضافة إلى المرافق القائمة لشركة Gazprom وTatneft، التي تفسر وجود وحدات الشركات العسكرية الخاصة، تشكل "الطرق الهيدروكربونية" الليبية محوراً هاماً للأسواق الأوروبية، التي استبعدت منها روسيا في السنوات الأخيرة بسبب الحرب في سوريا وأوكرانيا.
كي تحمي مصالحها من خلال خط أنابيب الغاز EastMed
في السنوات القادمة، سيكون حوض البحر الأبيض المتوسط نقطة انطلاق إمداد أوروبا بالغاز من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي الذي اكتشف في القرن الماضي.
وسيكون خط أنابيب الغاز EastMed موجوداً فقط بغرض تنويع الإمدادات من الغاز الروسي.
وحتى لو كان إنشاء القواعد الروسية الذي تحدثت عنه صحيفة The Sun في طبرق وطرابلس مجرد إدعاء، إلا أن الأمر يعد فكرة جيدة لحماية المصالح الروسية فيما يتعلق بإمدادات الغاز إلى أوروبا.