يقترب العراق من التوصل لاتفاقٍ مع حكومة إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي من أجل استئناف صادرات النفط من منطقة كركوك المُتنازَع عليها، وذلك بعدما صعَّدت واشنطن الضغط على العراق لضخ النفط الخام في الوقت الذي تضرب فيه العقوبات الأميركية مبيعات الطاقة الإيرانية.
وقد يضيف الاتفاق، حسبما نشرت صحيفة The Financial Times البريطانية، الذي قد يُتوصَّل إليه الشهر الجاري، ما يصل إلى 400 ألف برميلٍ من النفط يومياً لإمدادات النفط الدولية، في خطوةٍ تهدف جزئياً لوقف ارتفاع أسعار النفط في ظل تراجع صادرات النفط الخام الإيراني التي وُقِّعت عليها العقوبات مؤخراً.
وانخفض سعر خام برنت إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل يوم أمس الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني للمرة الأولى منذ شهر أبريل/نيسان، ما جعله يدخل رسمياً حالة السوق الانخفاضية بعدما وصلت الخسائر في سعره منذ الشهر الماضي لأكثر من 20%.
وانخفضت أسعار النفط الخام انخفاضاً حاداً بعد أن كانت وصلت لأعلى سعرٍ لها في أربعة أعوام عند سعر 86 دولاراً للبرميل في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما أعاد التجار تقييم حجم النفط المتوفِّر في السوق مستقبلاً. وخسر خام برنت، وهو المؤشر الدولي لسعر النفط، أكثر من 1.5% من سعره يوم الجمعة مُسجِّلاً 69.13 دولار فقط للبرميل.
انقطع تدفق نفط كركوك عن الأسواق الدولية لأكثر من عام، منذ استعادت الحكومة الاتحادية العراقية السيطرة على المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 من قبضة حكومة إقليم كردستان. وتظل كركوك نقطة اشتعال محتملة بين بغداد وأربيل.
النفط العراقي سيكون البديل لإيران
وقالت الصحيفة، يُعَد منفذ التصدير الوحيد للخام المُستخرَج من حقل النفط الضخم، المُكتَشَف عام 1927، هو خط أنابيب حكومة إقليم كردستان المُمتَد إلى الحدود العراقية الشمالية مع تركيا ثُمَّ إلى ميناء جيهان التركي المُطِلّ على البحر المتوسط.
واستمرت المحادثات لاستئناف صادرات النفط منذ العام الماضي، لكنَّها شهدت تسارعاً في الأسابيع الأخيرة، وذلك بحسب ثلاثة أشخاص قريبين من المحادثات. وتدفع الولايات المتحدة حلفاءها لإتاحة كل برميلٍ ممكن من النفط في إطار سعيها لتقليل صادرات النفط الإيرانية دون التسبُّب في ارتفاعٍ مُضِرّ للأسعار.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع إنَّه "يدفع" أسعار النفط للانخفاض، وإنَّه أعفى بعض زبائن النفط الإيراني من العقوبات لأنَّه لم يُرِد أن يرى النفط الخام يُباع "بسعر 100 أو 150 دولاراً للبرميل".
ما سمح لترمب بإعفاء العراق جزئياً من العقوبات مع ايران
وكشفت الصحيفة أن الولايات المتحدة منحت العراق هذا الأسبوع إرجاءً يسمح له بالاستمرار في التجارة في سلع معيَّنة مع إيران، لكن يُقال إنَّ الولايات المتحدة تنتظر في المقابل مساعدة العراق بأزمة أسعار النفط.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية يوم الخميس 8 نوفمبر/تشرين الثاني إنَّها لا تعلِّق على "المداولات الجارية بين البلاد الأخرى أو داخل هذه البلدان" لكنَّها أضافت: "ندرك أنَّ بمقدور العراق المساهمة في زيادة إنتاج النفط العالمي". ولم ترد وزارة النفط العراقية في الحال على طلب التعليق على المسألة.
وحذَّر اثنان من المصادر المُطَّلعة وفقاً لـ Financial Times أنَّ المحادثات لم تنتهِ بعد وقَد تستمر لوقتٍ أطول، لكن أشار ثلاثتهم أنَّ المحادثات على الأرجَح الآن ستُسفِر عن اتفاق. وقال شخصان من المصادر إنَّ النفط الإضافي القادم من كركوك والحقول المجاورة قد يُنتِج ما بين 200 و400 ألف برميل نفط يومياً، على حسب مقدار النفط الذي تحوِّله الحكومة الاتحادية العراقية لمعامل التكرير المحلية. وقد تستغرق العملية وقتاً لزيادة إنتاج النفط، لأنَّه ليست كل حقول المنطقة مُشغَّلة حالياً.
وأعلنت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان يوم الأحد 4 نوفمبر/تشرين الثاني أنَّ خط الأنابيب التابع لها والممتد إلى تركيا -الذي اشترته شركة روس نفط المدعومة من الحكومة الروسية العام الفائت- قد أتمَّ عملية تطويرٍ لزيادة سِعته من 700 ألف برميلٍ يومياً إلى مليون برميل.
وقالت الوزارة بوضوحٍ إنَّ السِعة الإضافية بخط الأنابيب قد تنقل نفطاً من "الحقول المنتجة التابعة لحكومة إقليم كردستان" و"كذلك قد تستخدمها الحكومة الاتحادية لتصدير النفط العالق حالياً في كركوك والمناطق المحيطة".
وقال أحد المصادر إنَّه جرى التوصل لاتفاقٍ مؤقت في وقتٍ سابق من العام الجاري بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية المُنتهية ولايتها، لكنَّ الاتفاق لم يكتمل قبل إجراء الانتخابات العراقية في مايو/أيار الماضي. واستغرق تشكيل حكومةٍ جديدة حتى شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
والوزراء المُعيَّنون حديثاً الذين يتفاوضون بشأن الاتفاق هم وزير النفط ثامر الغضبان ووزير المالية فؤاد حسين، وهو سياسي كردي. وأدَّى كلاهما اليمين الدستورية الشهر الماضي.
ومن المتوقَّع أن يُساعد نفوذ حسين في أربيل على إتمام صفقة كركوك. وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان قد دعمه للترشُّح لرئاسة البلاد، لكنَّه خسر أمام برهم صالح في تصويتٍ برلماني مفتوح.
وكان رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي مهندس اتفاقٍ لم يُكتَب له النجاح لتقاسم عوائد النفط بين بغداد وأربيل، والذي قُدِّم ضمن قانون الموازنة الوطنية لعام 2015.
النفط مازال نقطة اشتعال بين العراق والأكراد
وتمثل السيطرة على المناطق الغنية بالنفط المحيطة بكركوك نقطة اشتعال بين عرب العراق والأكراد منذ بدأ الاحتلال الأميركي عام 2003، وزعمت كلٌ من بغداد وحكومة إقليم كردستان أحقَّيتها في امتلاك الحقول.
لكنَّ قوات الحكومة الاتحادية فرَّت من المنطقة عام 2014 بعدما استولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة الموصل القريبة، وسلَّموا بذلك السيطرة الفعلية إلى قوات حكومة إقليم كردستان التي تحرَّكت لتأمين المنطقة. واستعادت بغداد السيطرة على تِلك الأراضي العام الماضي بعدما أجرت حكومة إقليم كردستان استفتاءً للاستقلال شمل حتى منطقة كركوك.
وتتمحوَر إحدى نقاط الخلاف في محادثات تصدير النفط حول مقدار ما ستدفعه بغداد للانتفاع بخط الأنابيب الكردستاني، إذ تحاول شركة روس نفط استرداد جزءٍ من مبلغ 3 مليارات دولار ضخَّته في المنطقة أثناء محاولة موسكو زيادة نفوذها في الشرق الأوسط.
وقال أشخاص اطَّلعوا على مجريات المفاوضات إنَّ المحادثات كانت "حساسة" وإنَّ أي اتفاقٍ نهائي على الأرجح سيشهد تدخلاً من أعلى مستويات الحكومة في بغداد وموسكو.
إذ يُعَد رئيس شركة روس نفط، إيغور سيتشين، حليفاً مقرَّباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقاد جهود الشركة لدخول إقليم كردستان في وقتٍ كانت القوات الروسية تقوم فيه بدورٍ حاسم في الحرب الأهلية السورية على الجانب الآخر من الحدود العراقية الغربية. ورفضت شركة روس نفط التعليق على المسألة.