قبل عام من هذا اليوم، الأحد 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تحول فندق الريتز كارلتون الفخم، ذو الواحة الأنيقة، وأرضيته الرخامية، وبِركة السباحة الداخلية الواسعة، تحول إلى سجن مذهب، عندما شن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملة على أفراد العائلة المالكة وأثرياء السعودية، وكبار المسؤولين الحكوميين.
قيل لـ"الضيوف السجناء"، إن عليهم التوقيع على تنازلات كبيرة من أملاكهم، مقابل إطلاق سراحهم.
حاول البعض منهم المقاومة والرفض، إلا أن معظمهم رضخ للمطالب، بعد أن تعرضوا لإساءات نفسية وتعذيب، بحسب تقارير إعلامية عديدة، نقلاً عن مسؤولين أميركيين.
هذه الخطوة، التي وصفتها السلطات السعودية بأنها "حملة على الفساد المستشري" ، سمحت لولي العهد بتشديد قبضته على الحكم في المملكة، وأرسلت رسائل صادمة للنخب في المملكة، مفادها أن "ثروتهم ورفاهيتهم ستعتمدان على ولي العهد وليس أي شيء آخر، ولهذا السبب كان الأمر مزعجاً للكثيرين في العائلة المالكة"، بحسب ما ذكرته شبكة NBC الأميركية.
هل يجني محمد بن سلمان ثمرة الريتز كارلتون في قضية خاشقجي؟
قال مسؤول أميركي كبير سابق، كان بمنصبه في ذلك الوقت: "كانت هذه عملية انقلاب وعملية توطيد للحكم بالقوة".
وبعد مرور عام على سجن الأمراء، اكتسب الحدث أهمية أكبر في أعقاب وفاة الكاتب السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول بالثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018. ويُشتبه في أن ولي العهد السعودي هو مَن أمر بقتل خاشقجي، ما جعل المملكة تعيش أزمة دولية، قد تكون الأقسى، بعد أن عرَّضت مكانتها الدولية للخطر.
وترى الشبكة الأميركية أنه وفي حال نجا ولي العهد السعودي من تداعيات مقتل جمال خاشقجي، فإن ذلك يعد ثمرة لحملته في الريتز كارلتون، عندما سحق منافسيه وخصومه المحتملين، مثل أبناء الملك الراحل عبد الله والمسؤولين المرتبطين به.
لكن، وعلى الرغم من انتهاء هذه الحملة، فإن ذلك لا يعني نسيان ما حدث، فقد خلقت الحملة استياءً عميقاً في العائلة المالكة السعودية، وتوقع العديد من الخبراء والمسؤولين السابقين أن ولي العهد قد يواجه مزيداً من المقاومة من خصومه الداخليين.
وما يعزز هذا الاحتمال أن تبعات ما حدث لا تزال مستمرة، فقد أكد مسؤولون سابقون أن بعض المحتجزين لا يزالون تحت الإقامة الجبرية في منازلهم، مطالَبين بارتداء أساور مراقبة بالكاحل أو ممنوعين من السفر للخارج.
قال أحد ضباط المخابرات الأميركية السابقين، لشبكة "إن بي سي نيوز" إن محمد بن سلمان، الذي كان يدرك تمام الإدراك أن الملك السعودي فيصل قد قُتل على يد ابن أخ غير شقيق في عام 1975، هو الآن يكرس الانتباه إلى أمنه الشخصي.
ومع الأزمة التي تعيشها الرياض بسبب مقتل خاشقجي، قد يجد الأمراء المعتقلون فرصة للثأر، واستغلال ضعف الأمير محمد دولياً، خاصة مع عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، إلى الرياض فجأة، والحديث عن بدئه اجتماعات بالعائلة المالكة، لمناقشة مستقبل المملكة السياسي.
لا شيء يظل سرياً مع مرور الوقت
وعلى الرغم من أن تفاصيل ما حدث، بالضبط، للمحتجزين في سجن الأمراء ظل محاطاً بالسرية، كما أن مصير مَن رفض التسوية لا يزال غير واضح، فإن مسؤولاً استخباراتياً أميركياً ومسؤولَين سابقَين كبيرَين في الحكومة الأميركية، أكدوا للشبكة الأميركية أن المحتجزين تعرضوا للإكراه والإيذاء والتعذيب.
تحدثت هذه المصادر شريطة عدم الكشف عن هويتها، لأن هذه التفاصيل وردت في تقارير استخبارية سرية.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد أكدت أن المعتقلين تعرضوا للإساءة، فقد حُرموا من النوم، وضُربوا في أثناء استجوابهم، وتم نقل 17 منهم إلى المستشفى.
كما أن أحدهم وهو اللواء علي القحطاني، لم يصمد أمام هذه الإجراءات؛ ما أدى إلى وفاته بالحجز، في حين لم تقدم السلطات السعودية بعدُ تفسيراً رسمياً في القضية.
يُذكر أن القحطاني كان أحد كبار مساعدي الأمير تركي بن عبد الله، ابن الملك الراحل عبد الله.
ونفت المملكة العربية السعودية حدوث أي سوء معاملة أو تعذيب في أثناء الاحتجاز.
في ذلك الوقت، أيد الرئيس دونالد ترمب حملة القمع، في تغريدة له قال فيها: "لديّ ثقة كبيرة بالملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، إنهما يعرفان بالضبط ما يفعلانه. بعض من يعامَلون بقسوة كانوا قد (حلبوا) بلدهم سنوات!".
وجاءت تغريدة ترمب في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ، بعد يومين من بدء حملة القمع. في اليوم التالي، قالت وزارة الخارجية إنها تود أن ترى مقاضاة الفساد "بطريقة عادلة وشفافة".
مواقف ترمب هذه، أثارت تساؤلات عما إذا كانت واشنطن قد أضاعت فرصة، لتوضيح أن ولي العهد السعودي قد جاوز الحدود، وأنه بحاجة إلى التخفيف من إجراءاته القمعية، وإلا فإنه يخاطر بالدعم الأميركي المقدم له، بحسب مسؤول أميركي سابق رفيع المستوى له خبرة في المنطقة.
وأضاف: "كان يجب أن يكون هذا بمثابة تحذير لنا".