يقدم حزب الله، حليف إيران، الأموال لقوات المعارضة المدعومة سابقاً من الولايات المتحدة لتبديل ولائها وتنضم إلى قوةٍ متنامية في جنوبي سوريا يتوسَّع تواجدها بالقرب من حدود إسرائيل بعدما بدت أنها انسحبت لتجنب التعرض للغارات الجوية الإسرائيلية، بحسب نشطاء وقائد سابق لقواتٍ مُعارِضة.
تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأميركية أشار إلى أن إيران جنَّدَت ما يصل إلى ألفيّ مقاتل، ووفقاً للقائد السابق الذي يتتبع حركة التجنيد في قرى جنوبي سوريا، فإن معظم المقاتلين من جماعات المعارضة التي توقفت أميركا عن تمويلها العام الماضي 2017.
تعتمد الحكومة السورية وحليفتها العسكرية روسيا على حزب الله وغيره من الميليشيات الموالية لإيران لمحاربة المعارضة المسلحة المتبقية في الجنوب وعلى رأسهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
حذَّرَت إسرائيل، التي ترى إيران تهديداً وجودياً لها، من أنها لن تسمح للقوات الموالية لإيران بالمرابطة بالقرب من حدودها.
خطوة "تزعزع الاستقرار بدرجة كبيرة"
قال جويل ريبورن، مبعوث الولايات المتحدة في سوريا، إن تجنيد حزب الله المتمركز في لبنان لمقاتلين في جنوب سوريا لهو "احتمالٌ يُزعزِع الاستقرار بدرجةٍ كبيرة". وأضاف يوم الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول خلال مؤتمر عُقِدَ في المنامة عاصمة البحرين: "تكمن الفكرة في أن حزب الله سيوسِّع نطاق وجوده على الحدود الأردنية بالقرب من مرتفعات الجولان وعلى مقربةٍ من الحدود الإسرائيلية. وذلك من شأنه زيادة فرصة اندلاع صراع".
لم يُعلِّق البنتاغون عندما سُئل عن دعم الولايات المتحدة لقوات المعارضة. وقال سين روبرتسون المتحدث باسم وزارة الدفاع: "نحن على دراية بتجنيد النظام والقوى المتحالفة لأعضاء المعارضة السابقين في أعقاب اتفاقات المصالحة بشأن جنوبي سوريا"، مشيراً إلى الاتفاقات التي تخلَّت فيها مجموعات المعارضة عن الأراضي في خضم تصاعد الهجمات من جانب روسيا والقوات السورية.
صرَّحَت الولايات المتحدة أن طرد القوات المتحالفة مع إيران من سوريا يُشكِّل هدفاً مركزياً لقواتها التي يبلغ عددها ألفي جندي في سوريا، وهي تضعه شرطاً مُسبَّقاً لتخصيص الأموال لإعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب. وتعيد إدارة ترمب فرض العقوبات على إيران التي تهدف جزئياً إلى إجبار طهران على وقف دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.
لم ترد إسرائيل على طلب التعليق. وكان مسؤولون إسرائيليون قد قالوا من قبل إنهم في الغالب على دراية بكل ما يحدث في ساحتهم الخلفية.
في وقتٍ سابق من الصيف الماضي، وبينما كانت سوريا وحلفاؤها على استعداد للتحرُّك ضد معقلٍ معارض للحكومة في الجنوب الغربي، بدأت إيران تُحرِّك قواتها بعيداً عن الحدود الإسرائيلية لتخفيف التوتُّرات مع روسيا. قالت جماعات المعارضة فيما بعد إن بعض المقاتلين المسلحين كانوا يرتدون زي الجيش السوري في محاولةٍ واضحة لتجنُّب المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية التي تشنها على الأهداف الإيرانية في سوريا.
رفض حزب الله التعليق على الجهود المبذولة في التجنيد في سوريا. وقال زعيم المنظمة اللبنانية حسن نصر الله إن قوات حزب الله ستظل في سوريا ما دام الرئيس بشار الأسد يرغب في وجودها.
قال قائد قوات المعارضة السابق، الذي قاتل من قبل في صفوف المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة ضد الأسد: "ترغب روسيا في طرد إيران من سوريا وهذا مجرد وهم. فهي لا يمكنها الاعتماد على الجيش السوري".
لماذا تنضم قوات المعارضة السورية إلى حزب الله؟
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى ما اعتبرته جهوداً إيرانية لتوسيع وجودها في المنطقة، إذ أنشأت إيران في أواخر أكتوبر/تشرين الأول فرعاً لمنظمة دينية شيعية تُدعى الزهراء في محافظة درعا الجنوبية، بعدما زار المنطقة ممثل المرشد الأعلى الإيراني، وفقاً لمنظمة إيتانا في سوريا، وهي منظمة مجتمع مدني تراقب جنوبي سوريا.
وبالنسبة لقوات المعارضة السابقة، يضمن لهم الانضمام لحزب الله الخلاص من اعتقال الحكومة السورية. وهم يحصلون على 250 دولاراً شهرياً، أي أكثر مِمَّا يمنحه الجيش السوري، الأمر الذي يُعَدُّ بمثابة تعويضٍ عن الدخل المفقود من دعم الولايات المتحدة لمنظماتهم بحسب Wall Street Journal.
في يونيو/حزيران، أرسلت السفارة الأميركية بالعاصمة الأردنية عمَّان رسائل إلى القادة في الجنوب عبر تطبيق واتس آب توعزهم بعدم الخوض في معركة مع حكومة الأسد "على افتراض أو توقع أننا سنتدخَّل عسكرياً".
جَعَلَ انسحاب الولايات المتحدة المقاتلين يشعرون أنه غُرِّر بهم، وقال قائد المعارضة السابق: "الجأوا إلى روسيا، الجأوا إلى النظام، الجأوا إلى إيران، كان ذلك هو مغزى الرسالة".
لم تُعلِّق وزارة الخارجية على الرسالة أو على دعم الولايات المتحدة لجماعات المعارضة، ولكنها قالت: "نحن على دراية بالتقارير التي تفيد بأن النظام والقوات المتحالفة تُجنِّد جنوداً في المنطقة".
كشف مسؤولون إسرائيليون مؤخراً عن ضرب إسرائيل حوالي 200 هدف في سوريا على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، من أجل إعاقة شحنات الأسلحة إلى حزب الله ولمنع إيران من إقامة وجود عسكري دائم داخل سوريا، الأمر الذي من شأنه أن يُصعِّد التهديد على إسرائيل.
يرى القادة الإيرانيون هذا الوجود بصفته رادعاً فعَّالاً للعدوان الإسرائيلي والأميركي على الأراضي الإيرانية، وفقاً لتقييم البنتاغون لعام 2015.
جنوب سوريا مرشحة كنقطة ارتكاز لصراع قادم
تؤكِّد التحرُّكات الأخيرة لحزب الله في جنوبي سوريا على الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في كبح النفوذ الإيراني.
وبدعم القوات الجوية من موسكو والمقاتلين المتحالفين مع طهران على الأرض، يؤكِّد الأسد سيطرته على معظم الأراضي التي خضعت للمعارضة في البلاد بعد حربٍ أهليةٍ دامت لأكثر من سبعة أعوام. ولم تجب الحكومة السورية على طلب التعليق.
ولا يفصح حزب الله عن عدد قواته البشرية على أرض سوريا. ويتألف الحزب من حوالي 25 ألف مقاتل ككل وجميعهم على استعداد للقتال طوال الوقت، وفقاً لتقييم أجراه مركز جين لاستخبارات التقييمات الأمنية والعسكرية.
يُقدِّر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، أن حزب الله جَنَّدَ حوالي 1600 مقاتل جديد في سوريا خلال الأشهر الأخيرة. لكن القائد السابق للمعارضة يقول إن العدد اقترب من ألفي جندي.
قال إميل الحكيم، الزميل الكبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن: "يفهم كلٌّ من حزب الله وإيران أن الحرب الفائزة هي حرب القوات على الأرض: يجب أن تُقحِم نفسك وسط المجتمعات، وتُرسِّخ وجودك بل وتُشكِّل جزءاً من البنية التحتية والاقتصاد المحلي أيضاً".
وقال الحكيم عن الوضع في جنوبي سوريا: "لا يقتصر على كونه صعباً فقط؛ فبالتوازي مع لبنان، ستكون المنطقة بمثابة نقطةِ ارتكازٍ للصراع التالي".