ربما كان الربط بين وفاة الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول والتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن أمراً مستبعداً، لكنَّه لم يعد كذلك.
فمن وجهة نظر صحيفة The Guardian البريطانية، فقد أدت ادِّعاءات تواطؤ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحافي جمال خاشقجي إلى إضعافه، كونه العقل المدبر للحرب في اليمن، وأفسحت مجالاً جديداً أمام الدبلوماسية لتأخذ مجراها.
وربما اتسع هذا المجال بالدعوة المفاجئة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول، لوقف الأعمال القتالية في اليمن 30 يوماً.
وأجرى مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جولاتٍ الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في ظل واقعة مقتل الصحافي المأساوية وتأثيرها الواضح في الرأي الغربي وثقة السعوديين بأنفسهم.
ما الرابط بين خاشقجي ووقف الحرب في اليمن؟
وقال ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق، لشبكة BBC إنَّ هناك "رابطاً مشتركاً لإساءة استعمال السلطة" بين المصير الفردي الذي لقيه خاشقجي ومصير ملايين الأرواح المهددة في اليمن، التي حذَّرت الأمم المتحدة من انزلاقها نحو ما يمكن أن تصبح واحدة من أسوأ المجاعات في الذاكرة الحية جرَّاء الغارات الجوية السعودية المستمرة منذ 3 سنوات.
تقول الصحيفة البريطانية إن الأمر قد يبدو غير منطقي أو محبطاً، سواءٌ لأولئك الذين شنوا حملةً طوال 3 سنوات على استمرار السعودية في الحرب ضد المتمردين الحوثيين المدعومين إيرانياً، أو الذين أيَّدوها قائلين إنَّ السعودية تدافع عن حكومة شرعية مدعومة من الأمم المتحدة في اليمن.
لكنَّ التاريخ مليء باللحظات الفردية التي ثبُت أنَّها نقاط تحوّل، لاسيما إذا استُغِلَّت بمهارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب وصف الصحيفة.
وتتابع: "فالمعلومات الخاصة بعملية القتل التي لم تُكشَف لعامة الناس بعد، لكنَّها عُرِضَت على مسؤولين في عواصم أخرى، أربكت الديوان الملكي السعودي إرباكاً واضحاً".
3 تنازلات يريدها الغرب من محمد بن سلمان
وترى الصحيفة البريطانية أن إحدى طرق إنقاذ الأمير محمد، وهو الطموح السعودي الرئيسي في هذه المرحلة، تكمن في تقديم تنازلات أخرى، ويريد الغرب في المقام الأول ثلاثة منها.
التنازل الأول هو أن يتقاسم وليّ العهد السلطة داخل الديوان الملكي. وقد يكون وصول شخصيات ملكية أخرى إلى الرياض مؤخراً، مثل الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الأخ الأصغر للملك سلمان، علامة على عودة ديوانٍ استشاري.
والتنازل الثاني هو إجباره على إعادة النظر في المقاطعة السعودية المستمرة لقطر، وهي دولة لديها أصول غاز هائلة، وقاعدة عسكرية أميركية ضخمة، ويمكن القول إنها نموذج أفضل لتحديث الخليج. وليس هناك ما يشير إلى حدوث تقدم في ذلك، لكنَّ الكثير من الدبلوماسيين القطريين يؤيدون هذا المسار.
أما التنازل الثالث فهو محاولة إنهاء الحرب في اليمن التي قالت الدول الغربية للرياض مراراً وتكراراً إنَّها لن تُحسم عسكرياً، على الأقل دون وقوع خسائر مروّعة ومجاعة لا تُحتمل يمكن أن تترك ما يصل إلى 14 مليون شخص، أي نصف السكان، معتمدين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وحتى الآن، تكمن خطة السعودية في حربها باليمن في الاستيلاء على ميناء الحديدة الاستراتيجي من قبضة الحوثيين، ومن ثَمَّ السيطرة على تدفق الأسلحة غير القانونية والإيرادات الضريبية والمساعدات الإنسانية.
ولطالما قال السعوديون إن الاستيلاء على الميناء هو ما سيدفع الحوثيين لللجوء إلى مائدة التفاوض.
قد ينهار مُخطط بومبيو بسبب تعنُّت الأطراف الداخلية للنزاع، ولكن مع استمرار البحث عن جثة خاشقجي، يأمل الكثيرون أن يكون إنهاء المجاعة في اليمن هو أعظم إرث له.