عاد أمير سعودي رفيع المستوى إلى الرياض، بعدما بدا في الآونة الأخيرة أنه ينتقد الملك وولي العهد، فيما تقول مصادر مقربة من الأسرة المالكة، إنه علامة على أنها تريد تكوين جبهة موحدة في مواجهة أسوأ أزمة سياسية منذ عقود.
وعلى الرغم من عودته بعيداً عن وسائل الإعلام، أكدت مصادر لرويترز أن محمد بن سلمان كان في استقباله، على الرغم من أن الأمير أحمد كان من المعارضين للإطاحة بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد.
ويرى محللون أن الأمير محمد بن سلمان، يريد أن يبعث بإشارة على عودة التوقير التقليدي لكبار أعضاء الأسرة المالكة.
وقالت ثلاثة مصادر إن الأمير أحمد بن عبدالعزيز، وهو أخ أصغر للملك سلمان، وصل يوم الثلاثاء بعدما أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج، في الوقت الذي تتصدى فيه المملكة لتداعيات قتل الصحافي جمال خاشقجي.
أحمد بن عبدالعزيز طلب تطمينات من الملك
وذكر دبلوماسي عربي كبير أن الأمير أحمد طلب تطمينات من الملك قبل السفر، وقال مصدر سعودي على صلة بالأسرة المالكة، إنه حصل على التطمينات فيما يبدو.
وقال المصدر السعودي: "أعتقد أنه لا بد أن بعض التفاهمات المسبقة قد جرت. حدث تبادل للرسائل، وعندما تم توضيح الأمور قرر العودة".
ولم تردّ السلطات السعودية بعد على طلب للتعليق بخصوص عودة الأمير أحمد وأسبابها.
ومنذ سبتمبر/أيلول تساءل مراقبون سعوديون عما إذا كان الأمير أحمد سيعود إلى بلاده ومتى قد يحدث ذلك، بعد ظهور لقطات مصوَّرة على الإنترنت بدا فيها أنه يبعد الانتقادات عن الأسرة المالكة بأن خصّ باللوم الملك وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كان مصدران سعوديان قد أبلغا "رويترز" أن الأمير أحمد كان أحد ثلاثة فقط من أعضاء مجلس البيعة، الذي يضم كبار أعضاء الأسرة المالكة، الذين عارضوا الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد، من أجل تعيين الأمير محمد بن سلمان بدلاً منه في 2017.
وموافقة الملك على ما يبدو على عودة الأمير أحمد علامة أخرى على أن العاهل السعودي البالغ من العمر 82 عاماً يتولى دوراً أكبر في إدارة السياسة السعودية منذ مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في مطلع أكتوبر/تشرين الأول.
كان الملك قد فوَّض سلطات كبيرة لابنه الأمير محمد بن سلمان. وشرع ولي العهد في إصلاحات اجتماعية واقتصادية واسعة، لكنه همَّش بعض كبار أعضاء الأسرة المالكة وأشرف على حملة صارمة على المعارضة.
وقال المصدر إنه من المستبعد أن يتم اعتقال أو إساءة معاملة الأمير أحمد، أحد أبناء مؤسس المملكة.
وقال رجل أعمال سعودي قريب من دوائر الأسرة المالكة: "إنهم يعملون على تسوية خلافاتهم في مواجهة عين العاصفة".
ضغوط هائلة تتعرض لها الرياض
تواجه المملكة العربية السعودية ضغوطاً هائلة لتوضيح كيفية مقتل خاشقجي، حيث أشار بعض الحلفاء الغربيين ومنهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن المسؤولية النهائية تقع على ولي العهد باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة.
كانت الرياض قد نفت في البداية أي معرفة لها أو دور في اختفاء خاشقجي، غير أنها ناقضت تلك التصريحات لاحقاً قائلة إن قتله تم "بنية مسبقة".
وقال أحد المصادر إن ولي العهد استقبل الأمير أحمد لدى وصوله إلى الرياض، لكن لم يتم نشر أي صور أو بيانات.
وقال المحلل المستقل نيل باتريك: "ربما يأمل الأمير أحمد في أن يكون استقبال الأمير محمد له في المطار لدى عودته علامة على أن ولي العهد الشاب يريد أن يبعث بإشارة على عودة التوقير التقليدي لكبار أعضاء الأسرة المالكة".
ومنذ تولّي والده العرش في عام 2015، أحدث الأمير محمد بن سلمان موجات من الصدمة في الأسرة الحاكمة التي تقدّر كثيراً الأقدمية والتوازن، وذلك بأن ركز السلطة في فرع واحد من الأسرة بدرجة لم يسبق لها مثيل منذ عهد جده.
وجرى احتجاز أعضاء بارزين من الأسرة المالكة العام الماضي في إطار حملة على الفساد ألغت قواعد غير معلنة بشأن امتيازات الأسرة. وقال منتقدون إن حملة التطهير كانت بهدف تعزيز السلطة.
رسائل عودة الأمير أحمد للرياض
قالت خمسة مصادر على صلة بالعائلة المالكة في السعودية لـ"رويترز" هذا الشهر، إن تداعيات مقتل خاشقجي كانت من الضخامة بحيث شعر الملك سلمان بضرورة التدخل في الأمر.
لكنَّ محللين يقولون إنه من المستبعد أن يحل الأمير أحمد (76 عاماً) محل الأمير محمد.
وقال نيل كويليام، الباحث لدى تشاتام هاوس: "من الصعب جداً تصوُّر أن الأمير أحمد يمثل بديلاً لاستراتيجية الخلافة الحالية".
وأضاف: "الأرجح هو أن الأسرة توحّد صفوفها وتعرض على كبار الأمراء من أمثال الأمير أحمد سبيلاً للعودة، وفي الوقت نفسه، وسيلة لإبلاغ رأيهم بشأن السياسة".
وقد يكون لعودة الأمير أحمد صدى جيد في العواصم الغربية التي تريد أن تكون هناك محاسبة بشأن مقتل خاشقجي وتريد في الوقت نفسه الاستقرار من أجل استمرار استثمارات بمليارات الدولارات.
وقال باتريك: "تبدو عودة الأمير أحمد رسالة مفيدة محتملة إلى الولايات المتحدة وغيرها من حلفاء السعودية في وقت لا يزال مشحوناً وحساساً".
وشغل الأمير أحمد منصب نائب وزير الداخلية على مدى قرابة 40 عاماً، لكنه شغل منصب الوزير لأقل من خمسة أشهر قبل تغييره في عام 2012. ولم يشغل منصباً رسمياً منذ ذلك الحين ومن غير المعتقد أن يتمتع بولاء كبير في أوساط أجهزة الأمن.
وسُلط الضوء في الآونة الأخيرة على علاقته بالملك وولي العهد بعد نشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر الأمير أحمد وهو يرد على محتجين خارج مقر إقامة في لندن كانوا يهتفون بسقوط آل سعود.
وندَّد الجمع بالحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية في اليمن وبدعم الرياض لحملة البحرين على المعارضة الشيعية.
وأمكن سماع الأمير أحمد يقول: "وآل سعود كلهم إيش دخلهم؟… فيه أفراد معينين يمكن هم مسؤولين.. ما تدخل الأسرة كاملة". وفسّر معارضون للأمير محمد التصريحات بأنها انتقاد للملك ولولي العهد.
ونشرت وكالة الأنباء السعودية بعد ذلك بياناً نقل عن الأمير أحمد قوله: "لقد أوضحت أن الملك وولي العهد مسؤولان عن الدولة وقراراتها، وهذا صحيح لما فيه أمن واستقرار البلاد والعباد، ولهذا لا يمكن تفسير ما ذكرت بغير ذلك".
وهوَّن مصدر سعودي آخر في ذلك الوقت من أهمية الفيديو قائلاً إن الأمير أحمد لا يشكل تهديداً حقيقياً لولي العهد.
وقال: "كانت لحظة صدق عفوية، لكن الأسرة لن تتعارك على الملأ، تلك لسيت طريقتهم".