خلال السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب التي دارت رحاها في كل من منطقة سنجار العراقية و الأراضي السورية ، تضافرت جهود الكثير من الأطراف الإسبانية من أجل محاربة تنظيم الدولة ، على غرار اليسار الوطني الباسكي، والجنود الإسبان السابقين، بالإضافة إلى الملحدين وأتباع الأناركية، والتروتسكيين، وغيرهم من المدنيين.
وحسب تقرير لصحيفة Publico الإسبانية، فقد انضم الكثير من هؤلاء الأفراد إلى جبهات القتال في الفترة الزمنية نفسها، مع العلم أن هذه المعسكرات لم تشهد أي خلافات بين صفوف أفرادها. ولم تحمل هذه الأطراف معها رواسب الحرب الأهلية الإسبانية، التي لطالما كانت محل نزاع سياسي بينهم.
تجاوزا اختلافاتهم الأيديولوجية من أجل مساعدة الأكراد ضد تنظيم الدولة
بقطع النظر عن الأيديولوجيا المتشددة للحزبين الإسبانيَّين، الحزب الديمقراطي القومي وحزب اليمين المتطرف في الأندلس، عمِل بعض الأفراد من كلا الحزبين معاً في ميليشيا كانت تُعرف بوحدات حماية سنجار، التي أنشأتها قوات الدفاع الشعبي من أجل مساعدة الأقلية اليزيدية من العراق لمواجهة تنظيم الدولة.
وتعد هذه القوات الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني الذي حارب على أكثر من واجهة منها تنظيم الدولة .
تلقّى بعض المتطوعين من حركة القوميين الباسك تدريبات عسكرية في سوريا من قِبل أكراد وحدات حماية الشعب، الذين وصفهم البعض بسخرية بأنهم "أناركيو حلف الشمال الأطلسي" على خلفية الدعم العسكري الذي تلقوه من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فضلاً عن تأثيرهم الأيديولوجي الكبير الذي اعترف به الكاتب الأميركي الأناركي موراي بوكتشين.
وتحت راية النضال من أجل انتصار وحدات حماية الشعب، أُصيب أحد المقاتلين الإسبانيين التقليديين الذين قاتلوا ضد "داعش" بجروح خطيرة جراء الشظايا.
تعتبر وحدات حماية الشعب، إلى الآن، الجهة الوحيدة التي ما زال الإسبان ينشطون بين صفوفها. ويتعاون الكثير من المتطوعين الأجانب ذوي الميول الأيديولوجية المتنوعة على تعزيز هذه الحركة، التي تطلب منهم فقط الولاء لصراعهم وتوجههم السياسي.
وعلى الرغم من أن جميع الملتحقين بهذه الحركة يتلقون تلقيناً أيديولوجياً قبل إرسالهم إلى جبهات القتال، فإنه لا يوجد إسباني واحد تمت مصادرة أفكاره أو قناعاته، مع العلم أنهم يمثلون أكثر الأطراف المتناحرة سياسياً على الصعيد المحلي والعالمي؛ مثل الأناركيين والفلنجيين والنقابيين الملحدين والمؤمنين المتدينين.
إذ استطاعت الفصائل الكردية استقطاب "متطوعين" بمذاهب مختلفة
أظهر الأكراد واليزيديون صبراً أقل بكثير مع رجال الميليشيات، الذين بدا سلوكهم العسكري والشخصي مستهجناً بشكل علني؛ الأمر الذي يدفعنا إلى استخلاص أن الساحة السورية لا تعيش على وقع حرب واحدة؛ بل عدة حروب في الوقت نفسه.
فإحدى هذه الحروب موجهة ضد تنظيم الدولة وأخرى ضد النظام الذي يسعى للبقاء على رأس السلطة. كما تعيش سوريا حرباً أخرى ضد الثورة الاجتماعية التي تم إنشاؤها في شمال البلاد، وحرباً أخرى ضد الجانب التركي.
لا تزخر صفوف وحدات حماية الشعب والوحدات المماثلة الأخرى بالمتطوعين الإسبان فحسب؛ بل استقطبت مسلحين آخرين من الجبهة الوطنية الفرنسية وأتباع القومية الكورسيكية وحتى الأشخاص الذين يشعرون بتعاطف شديد مع النازية وانضموا إلى ما يُعرف بثورة "روج أفا" شمال سوريا لمحاربة تنظيم الدولة .
وقد وقفت الكثير من القطاعات الشيوعية المتبنّية لأفكار ستالين واليمين المتطرف الأوروبي إلى جانب الديكتاتور السوري بشار الأسد، وساعدته في تقديم نفسه كبطل مناضل في وجه الإمبريالية وقائد لجميع الطبقات الاجتماعية.
لكن منهم من يدعم نظام بشار الأسد في الحرب السورية
خلال سنة 2013، أصدرت كل من الكتائب الإسبانية لجمعيات الهجوم الوطني النقابي والهيئة الهجومية الوطنية القومية النقابية بياناً، عرضت من خلاله 5 أسباب جعلتها تدعم بشار الأسد "جزار دمشق".
ولم يُثر هذا الموقف الاستغراب؛ نظراً إلى أنه الموقف نفسه الذي تبنته الأحزاب الفاشية والشعبية المناهضة للهجرة في أوروبا.
علاوة على ذلك، لم تخفِ الكثير من الأحزاب والحركات السياسية الإيطالية دعمها العلني لبشار الأسد، على غرار "فورزا نوفا" أو ما يُعرف بالقوة الجديدة، وحركة "كازا باوند"، فضلاً عن حزب الفَجر الذهبي اليوناني، والحزب الوطني البريطاني اليميني المتطرف.
ولكن الأمر المثير للاستغراب حقاً هو المواقف التي أعلنتها بعض الأقطاب اليسارية التي اعتمدت على حجج الحكام الفاشيين نفسها، من أجل دعم بشار الأسد والتدخل الروسي.
فعلى سبيل المثال، ندد الحزب الشيوعي الإسباني علانية بالعدوان الخارجي على سوريا، معلناً دعمه "الحكومة الشرعية".
ما قد يضعهم في موقف متناقض مما يجري على الأراضي السورية
في المقابل، أفاد بعض النقابيين الأناركيين، في بيان خطي، بأن "المواقف التي تتخذها المنظمات غير الحكومية مع بعض الرؤساء، على غرار بشار الأسد ومعمر القذافي، تمنعها من رؤية أن الجيش الذي لا يعد الأقوى تسلحاً في المنطقة، هو الداعم الرئيسي لبشار الأسد، بالإضافة إلى استخدام الوحشية والقصف الجوي عبر الطائرات التي لا تستهدف المسلحين فقط؛ بل المدنيين العزل أيضاً".
وفي حين يميل الجزء الأكبر من التشكيلات اليسارية الإسبانية إلى إدانة أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في سوريا، سواء كان روسيّاً أو أميركيّاً أو تركيّاً أو إيرانياً أو سعودياً، صفّق الحزب الشعبي الإسباني لتدخل واشنطن في سوريا.