قالت صحيفة The Telegraph البريطانية، إن قناة سكاي نيوز عربية Sky News Arabia، التي تُعَد مشروعاً مشتركاً بين شركة Sky البريطانية والأسرة الحاكمة في أبوظبي، جُرجرت إلى المعركة الدعائية الدائرة في الشرق الأوسط حول مقتل جمال خاشقجي على يد عملاءٍ تابعين للحكومة السعودية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية في تقرير نشرته الإثنين 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أن القناة التي تبث برامجها طوال اليوم -التي تحمل العلامة التجارية لقناة Sky News لتقديم تغطيةٍ إلى الجمهور العربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- حذت حذو الرياض منذ إعلان اختفاء خاشقجي عند زيارته قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول.
تبنّي الرواية السعودية وتكذيب الرواية التركية
إذ ادَّعت الحكومة السعودية في البداية أن خاشقجي، الصحافي في صحيفة The Washington Post الأميركية، غادر القنصلية حياً وفي حالةٍ جيدة.
وجاء في تقارير أذاعته Sky News Arabia في الأسبوع الماضي: "منذ اختفاء الصحافي السعودي في إسطنبول في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري، نشرت وسائل الإعلام القطرية والمنصات الصحافية الممولة من الدوحة عشرات التقارير التي تحتوي على معلوماتٍ خاطئةٍ ومتناقضةٍ حول القضية".
وتبنَّى مذيعو القناة الحجج السعودية حول مقتل جمال خاشقجي . ففي مقطعٍ مصوّرٍ، قال الإعلامي السعودي عبدالله البندر، وهو أحد مذيعي القناة، إن التقارير القادمة من تركيا التي تفيد بأن خاشقجي قُتل وقُطِّعت جثته "بلا دلائل وجميعها من مصدرٍ واحدٍ"، ووصفها بـ"الأكاذيب"، وقال إنَّ "جميع هذه المعلومات عُرضت عبر وسائل إعلامٍ تنتمي إلى قطر في الأيام الأخيرة، ولكن بلا أي دلائل".
وقال: "هذا يثبت أن الهدف كان مهاجمة (السعودية) فقط، وليس مناقشة الموضوع الحقيقي".
لم يُطعن على آراء البندر على الهواء، بل نُقلت هذه الآراء عبر تغريدةٍ نُشرت عبر حساب Sky News Arabia الذي يحظى بمتابعة 4.2 مليون شخص على موقع تويتر.
لكن كيف كان تعاملهم بعد "اعتراف السعودية" مقتل جمال خاشقجي ؟
ومع إماطة اللثام عن الأدلة الدامغة التي تفيد مقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية عن طريق فريق من عملاء تابعين للحكومة السعودية، من بينهم عدة أشخاصٍ من الحراس الشخصيين للحاكمِ الفعليِّ للبلاد؛ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ركَّزت تقارير Sky News Arabia على امتداح الاستجابة الرسمية للمملكة.
واستهلَّت أحد تقاريرها يوم الأحد 21 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان: "استمرار الترحيب بالإجراءات السعودية بشأن قضية خاشقجي".
وفي مراجعةٍ لتغطية قناة Sky News Arabia مقتل خاشقجي، لم تستطع صحيفة The Telegraph البريطانية العثور على أي تقارير تُشكِّك في النسخ المتنوعة من رواية الأحداث التي قدَّمتها السعودية، أو تعارضها.
رغم أنها تعهَّدت في بدايتها بتقديم صحافة "مستقلة وحيادية"
يُذكَر أنَّ قناة Sky News Arabia بدأت البث في عام 2012، باعتبارها مشروعاً مشتركاً بحصصٍ متساويةٍ مع شركة أبوظبي للإعلام الخاضعة لسيطرة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الذي يشغل منصب نائب رئيس وزراء الإمارات، ويملك نادي مانشستر سيتي، وهو ابن أمير أبوظبي الذي يُعَد حليفاً مقرَّباً من النظام في الرياض.
أُنشئَت القناة -التي يديرها مجلسٌ مشترك يضم جون رايلي، الذي يرأس قناة Sky News، وأندرو غريفيث، المدير التنفيذي للعمليات في شركة Sky- لتُنافس شبكة الجزيرة الإخبارية التي تمولها قطر. وتعهَّدت قناة سكاي نيوز عربية عند انطلاقها بأن تنأى بنفسها بعيداً في المنطقة عبر تقديم صحافةٍ "مستقلةٍ وحيادية".
لم تمر تغطية Sky News Arabia لمقتل خاشقجي من دون أن يلاحظها الصحافيون في قناة سكاي نيوز عربية Sky News في العاصمة البريطانية لندن، الذين نقلوا التفاصيل الكاملة للعملية السعودية والغضب الدولي الناتج عنها. جديرٌ بالذكر أنَّ مشروع قناة Sky News Arabia لطالما كان محل جدالٍ داخل غرفة أخبار Sky News، حيث كان صحافيون متيقنين عند انطلاق Sky News Arabia من أنَّها كانت جزءاً من "سعيٍ دؤوبٍ لتحدي الوضع الراهن".
إذ تسلط تغطيتها لاغتيال خاشقجي الضوء على العلاقات الوثيقة بين السعودية والإمارات، جارتها في شبه الجزيرة العربية.
ويدخل دعم Sky News Arabia للحكومة السعودية في دائرة الضوء، نظراً إلى أن شركة Comcast، وهي الشركة المالكة الجديدة لشركة Sky بعد فوزها في مزادِ مظاريف مغلقةٍ على تجمعٍ لشركتي 21st Century Fox وDisney، سوف تحظى بالسيطرة على القناة بعد شراء الشركة مقابل 30 مليار جنيه إسترليني (نحو 38.9 مليار دولار).
لنعد قليلاً إلى تاريخ تأسيس قناة سكاي نيوز عربية
تأسست القناة في وقتٍ كان فيه روبرت مردوخ رجل الأعمال الأميركي وشركة News Corp، التي كانت تهيمن على أسهم Sky حينها، يصيغان علاقاتٍ مع الإمارات أملاً في افتتاح سوق جديدة للتلفزيون والمشروعات الأخرى.
ومع ذلك، أُلغي مشروع لإقامة مدينة ترفيهية باسم 20th Century Fox World في دبي، في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، في خِضَمِّ ما قال عنه المطورون مسألةً تتعلق بفائض العرض، نظراً إلى أن مردوخ تأهَّب لبيع أغلب أسهم Fox إلى Disney.
وحظي مردوخ الذي يُعَد أحد أقطاب الإعلام، كذلك، بعلاقة عملٍ ممتدةٍ مع الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، الذي ساعده في تعزيز سلطته على شركة News Corp. إذ باع ابن طلال حصته في العام الماضي 2017، وكان حينها ضمن عشرات الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين الذين اعتقلهم محمد بن سلمان في فندق الريتز كارلتون خلال حملةٍ مزعومةٍ ضد الفساد.
وقد أُطلق سراحه بعد أن وافق على دفع 4.6 مليار جنيه إسترليني (6 مليارات دولار)، حسبما نقلت تقارير.
فهل يلجأ أصحاب العلامة التجارية للتدقيق في الخط التحريري للقناة؟
يعتقد بعض الصحافيين في لندن أن تغيُّر موازين السلطة باستمرار في المنطقة والمالك الجديد لشركة Sky ينبغي أن يثيرا تساؤلاتٍ حول مستقبل استخدام علامة Sky News التجارية في الشرق الأوسط. يُذكَر أنَّ شركة Comcast تعهَّدت باستمرار قناة Sky News، التي تبلغ تكلفتها الحالية نحو 40 مليون جنيه إسترليني سنوياً (51.9 مليون دولار) لعشرة أعوام على الأقل. وتتضمن التعهدات أيضاً وعداً بتمويل الأنشطة الدولية.
وقال متحدثٌ باسم شركة Sky: "تعد قناة Sky News Arabia مستقلةً تماماً من الناحية التحريرية عن قناة سكاي نيوز عربية Sky News، وتتخذ قراراتها الخاصة بتغطيتها وتقاريرها استناداً إلى جمهورها المحلي. سيكون من غير الملائم على الإطلاق لأي شخصٍ في شركة Sky أن يتدخل في موقفها التحريري".
وأضاف: "لدى Sky News Arabia لجنتها الاستشارية التحريرية التي تتعهد بمهمة التدقيق في الخيارات التحريرية والتغطية ومراجعتها". ورفضت شركة Sky تحديد هوية أعضاء اللجنة الاستشارية التحريرية.
وهو التدقيق الذي قد يطال مؤسسات إعلامية أخرى
وليست Sky News الوحيدة التي تواجه حالةً متجددة من التدقيق في أنشطتها التي تتم بالتعاون مع أصحاب النفوذ في الشرق الأوسط.
فصحيفة The Independent البريطانية صار جزءٌ منها مملوكاً الآن لمستثمرٍ سعوديٍّ، وتتأهب لإطلاق مواقع باللغة العربية والفارسية والتركية والأردية. سوف تحمل هذه المواقع علامتها التجارية، لكنَّ العاملين فيها سيكونون صحافيين يعملون في المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، وهي شركةُ نشرٍ تسيطر عليها الحكومة في الرياض.
سعت سلسلةٌ من وكالات العلاقات العامة في لندن لأن تنأى بنفسها بعيداً عن الحكومة السعودية. ونفَّذت شركة Milltown Partners وشركة Freuds وشركة Consulum أعمالاً للترويج لمحمد بن سلمان وسياساته على الساحة العالمية.
وقالت شركة McKinsey للاستشارات الإدارية في عطلة الأسبوع، إنها كانت "مذعورةً" من تقريرٍ نشرته صحيفة The New York Times، أشار إلى أن أبحاثها لصالح السعودية حول تعليقات منصات التواصل الاجتماعي عن سياسات محمد بن سلمان ربما تكون قد استُخدمت لتكون أساساً تنطلق منه الحملة القمعية ضد المعارضين.