حذرت الأكاديمية السعودية المعارضة مضاوي الرشيد من وصول المملكة العربية السعودية إلى دولة منبوذة، عقب الأخبار المتداولة عن تورط الأمير محمد بن سلمان في عملية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول.
وقالت الرشيد في مقال بصحيفة The New York Times الأميركية، بسبب أفعال ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان -بدايةً من الحرب الوحشية في اليمن وإشعال نزاع مع كندا وحتى آخرها القتل المُرجَّح للصحافي جمال خاشقجي- هناك خطر أن تصبح السعودية دولة منبوذة. وحتماً يدرك الديوان الملكي السعودي -بما في ذلك الملك سلمان بن عبد العزيز- أنه لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر.
وأضافت الرشيد إذا كان الديوان الملكي ذكياً بما يكفي فسيتبنَّى موقفاً حازماً. أولاً، يتعيَّن على الملك سلمان تنحية الأمير محمد من منصبه، ويقر بمسؤوليته عن اغتيال خاشقجي ويواجه العواقب. وبعدها، إذا كانت السعودية ترغب حقاً أنَّ تصبح عضواً محترماً في المجتمع الدولي فعليها أن تتخذ خطوات نحو التحول إلى الملكية الدستورية.
ليست الأولى
وبحسب المقال ربما تبدو فكرة اختيار الملك سلمان شخصاً أهدأ وأقل اضطراباً ليكون ولي العهد الجديد بدلاً من نجله محمد بن سلمان غير واقعية، إلا أنها ليست الأولى من نوعها. فإذا كانت هذه رغبة الملك، فإنَّ إقالة ولي العهد ليست مسألة مستعصية ولا مثيرة للجدل. إذ سبق وعزل الملك سلمان وليي عهد حين تولى العرش عام 2015، وهما أخاه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز، وابن أخيه الأمير محمد بن نايف. وصدر مرسوم ملكي بإقصاء الأميرين.
بيد أنَّ هناك نماذج تاريخية أجدى من تلك حين يتعلق الأمر بالأمير محمد بن سلمان: ففي ستينيات القرن العشرين أصبح الملك سعود بن عبد العزيز مصدر إحراج للعائلة الملكية بنهبه الثروات، والتآمر لاغتيال زعماء عرب مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ثم لاحقاً تحول إلى تأييد القومية العربية ومقاومة الإمبريالية.
وكانت المملكة على شفا الإفلاس، وهو ما أقلق الولايات المتحدة. وسافر العديد من الأمراء يتزعمهم طلال بن عبد العزيز، والد الأمير وليد بن طلال، إلى المنفى في العاصمة اللبنانية بيروت أو العاصمة المصرية القاهرة، حيث طالبوا بتحول السعودية إلى النظام الملكي الدستوري.
وأصبح الملك سعود شخصاً غير مرغوب فيه بين أفراد العائلة الملكية. ومن ثم تعاون ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز، وكان خبيراً استراتيجياً حاذقاً، مع أمراء آخرين، واستصدروا فتوى من هيئة كبار العلماء وأجبروا الملك سعود على التنازل عن العرش، بعد أن حاصر الحرس الوطني قصره.
بيد أنه ليست هناك ضرورة ليحاصر الملك سلمان وغيره من أفراد العائلة الملكية المعتدلين القصر؛ بل بإمكانهم التوصل إلى وسيلة أكثر سلمية للدفع بمحمد بن سلمان خارجاً.
من ربما يخلف ولي العهد؟
وبحسب الرشيد هناك العديد من المرشحين المؤهلين ليحلوا محل الأمير محمد بن سلمان. فعلى سبيل المثال، يعد الأمير أحمد خياراً جيداً، وقد تعرض للتهميش لفترة طويلة عقب توليه منصب نائب وزير الداخلية لفترة قصيرة من الزمن. وهو شخص مهمش لا يتمتع بالنفوذ ولا يتسم بالعنف. وبالنظر لمشاعر السخط التي أثيرت ضد سياسات محمد بن سلمان القمعية واستعداده لإهانة كبار أفراد العائلة الملكية، فربما يساعد أسلوب الأمير أحمد الأقل عداءً السعودية على إعادة تعزيز التوافق بين أفراد العائلة الذي تحطم.
وإلى جانب الأمير أحمد، قد يكون المتسابقان الأبرز لتولي المنصب ابنَي أخوة الملك سلمان: ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، الذي أزيح عن منصبه وتعرض للإهانة منذ عام مضى، والأمير متعب بن عبد الله الذي شغل منصب وزير الحرس الوطني السعودي قبل اعتقاله ثم إطلاق سراحه عام 2017.
وعُرِف عن الأمير محمد بن نايف اتصافه بالقسوة؛ ومن ثم قد يعجز عن حشد تأييد أفراد العائلة الملكية والعامة. وقد اكتسب محبة الحكومات الغربية بسبب الحملة التي شنها ضد تنظيم القاعدة عام 2003، ومنحته وكالة الاستخبارات الأميركية ميدالية "جورج تينت" قبل أسابيع من إقالته من منصب ولي العهد عام 2015. غير أنَّ الأمير بن نايف بث الخوف في المجتمع السعودي؛ إذ كان يعتقل النشطاء ويعذبهم، إلى جانب أنَّ الكثير من السعوديين عانوا من استخدامه الحرب على الإرهاب ذريعة لإسكات المعارضة السلمية.
بينما في المقابل، لا يرتبط اسم الأمير متعب بأية ممارسات قمعية. وكان مصدر قوته الجماعات القبلية التي انضمت للحرس الوطني. ويمكنه العيش في ظل سمعة والده مؤسس المملكة والراعي الأول لها. وإذا واصل مسيرة والده باتباع ذات الأسلوب الرعوي في إدارة شؤون المملكة، فقد يصبح محور إعادة بناء الثقة بين أقربائه.
هل يدرك الملك سلمان حجم الكارثة؟
وتابعت الرشيد لا أحد يعلم يقيناً ما الذي يفكر فيه الأمراء السعوديون، لكن لا أحد سيعارض الملك سلمان إذا قرر استبدال نجله. إلى جانب أنَّ أغلب حاشية الأمير محمد بن سلمان مُعيَّنون حديثاً، ومن ثم لا يُتوَّقع أن يشعلوا صراعاً ضد الملك سلمان.
بيَّد أنه من غير الواضح ما إذا كان الملك سلمان المُسِنٌّ يفهم تماماً حجم الضرر الذي أحدثه ولي العهد في المملكة -إذ لوث سمعتها عبر خوض حروب متهورة والتوجيه باعتقالات وتعذيب والآن بالقتل، وأقصى غالبية أفراد العائلة الملكية وحطم توافقها القديم. ولا تكفي الإجراءات الدعائية التي اتخذها -مثل السماح للنساء بالقيادة وافتتاح دور عرض أفلام ومسارح- لاستهلال عهد جديد في المملكة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك احتمال ضعيف بأنه إذا عيَّن الملك سلمان بديلاً لنجله الأمير محمد، فسيتعيَّن عليه تحويل السعودية من نظام الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية ذات حكومة منتخبة وبرلمان تكون له سلطة إقرار تعيين الملوك وأولياء العهد المستقبليين. إذ أنَّ ذلك وحده كفيلاً بمنع ظهور محمد بن سلمان جديد -أي شخص يمكنه حشد جميع السلطات بيده وتهديد مصالح المملكة.
وكان لدى السعودية ما يكفي من الوقت والمال لتتحول إلى دولة معاصرة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لكنها تجنَّبَت سلوك هذا المسار. وقديماً، طالب مواطنون وبعض الأمراء بأشكال أولية من التمثيل السياسي، لكن دعوات التحول إلى الملكية الدستورية أوصلت أصحابها إلى السجن. فليس هناك سوى أمل ضئيل في التغير.
ولن يسعى الملك سلمان من تلقاء نفسه أبداً لإحداث مثل هذا التغيير، ليس من دون ضغط جاد من داخل المملكة وخارجها. ونظراً للتأييد الذي يحظى به من دول الغرب، وبالأخص الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد تسعد الحكومات الغربية لرؤية اسم آخر يلمع نجمه ليكون الوجه الجديد للمملكة؛ وذلك لامتصاص موجة الغضب العالمي التي أثيرت من جراء اختفاء جمال خاشقجي ومقتله.
وربما تبدو فكرة استبدال محمد بن سلمان والتحول نحو الملكية الدستورية محض أمنيات في الوقت الراهن؛ لكن يُحتمَّل أن تنقذ هاتان الخطوتان السعودية من اضطرابات أشد وانفجار داخلي محتمل في المستقبل.