اعتبرت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية أن الأزمة التي تعاني منها الليرة التركية، قد تنعكس على الاقتصاد المصري بشكل مباشر وستزيد من التوترات في القاهرة، بعدما فقدت العملة التركية 18% من قيمتها أمام الدولار.
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن الأزمة الاقتصادية في تركيا زادت من المخاوف في مصر حيال ما إذا كانت أكبر دولة في العالم العربي -التي تواجه بعضاً من أسوأ المشاكل الاقتصادية منذ سنين- في وضع يسمح لها بالصمود في ظل تراجع الثقة في الأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم.
ففي الأيام الأخيرة، سجَّلت سوق الأوراق المالية في مصر أقلَّ مستوى لها في العام الجاري 2018، إذ شهدت عملياتِ بيعٍ للتصفية، بسبب تحقيقٍ بشأن تداوُل داخلي غير شرعي أوقع أشخاصاً مرتبطين باثنين من أكبر دور الاستثمار في البلاد.
لكنَّ هذا التراجع يأتي أيضاً وسط مخاوف من انتقال الأزمة من تركيا، التي فقدت عملتها 40% من قيمتها أمام الدولار في العام الجاري.
وقد تسبَّبت تخفيضات الإنفاق الحكومي، وانخفاض قيمة الجنيه منذ عام 2016، في انخفاض مستوى المعيشة بمصر، التي يعاني مواطنوها ارتفاع الأسعار في مقابل أجورٍ زهيدة. ويشكَّل معدَّل الدَّين الحكومي في مصر 86% من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدَّلات في العالم، وتُخطط الحكومة لأخذ مزيدٍ من القروض قريباً.
وقال أحمد كجوك نائب وزير المالية المصري في لقاء أُجري حديثاً: "ستكون مشكلة كبيرة لو لم نستطع الاستفادة من الدَّين الدولي".
وقال كجوك إنَّ مصر تتخذ الخطوات الصحيحة لتحافظ على جذب المستثمرين العالميين، بما في ذلك تنفيذها الإصلاح الاقتصادي الذي فرضه صندوق النقد الدولي في إطار برنامج القرض البالغة قيمته 12 مليار دولار، الذي اتفقا عليه عام 2016.
وقال كجوك: "تخيَّل لو حدث هذا قبل برنامجنا للإصلاح"، زاعماً أنَّ إصلاح الحكومة الاقتصادي قد كبح تأثير الأزمة التركية.
وقال كجوك إنَّ المسؤولين المصريين يراقبون تركيا عن كثب وهي تكافح لاحتواء أزمتها. إذ خفَّضت تركيا يوم الثلاثاء 18 سبتمبر/أيلول تقديرات النمو الاقتصادي تخفيضاً كبيراً، وقد رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة إلى 24% لكبح جماح الأسعار المرتفعة، بحسب الصحيفة الأميركية.
الاقتصادات الناشئة تعاني أيضاً
ويخشى المستثمرون من أن تعاني بعض الاقتصادات الناشئة الأخرى المشكلات ذاتها التي تعانيها تركيا. ففي الأرجنتين، هرب الكثير من المستثمرين الأجانب في خضم التضخُّم الحاد الناتج من ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية وزيادة قوة الدولار. وقد شهدت عملات بعض الدول مثل جنوب إفريقيا وإندونيسيا عملياتِ بيع للتصفية.
وقال جيسون توفي، الخبير الاقتصادي في الاقتصادات الناشئة بشركة Capital Economics للأبحاث في لندن: "أظن أنَّ الأزمة قد انتقلت بالتأكيد".
وبالنسبة لمصر، تُعدُّ المشكلات الحالية هي الأحدث في سلسلةٍ من المشكلات الاقتصادية المتتالية.
إذ تكافح مصر محاولةً تحقيق الاستقرار في اقتصادها بعد الاضطراب الذي نتج عن ثورة عام 2011 التي خلعت الرئيس حسني مبارك من منصبه، وانقلاب عام 2013 الذي جاء بنظامٍ عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي القائد السابق للقوات المسلحة.
واقترض السيسي مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي عام 2016، موافقاً بذلك على تعويم الجنيه المصري، وقطع الإنفاقات الهائلة لدعم الطاقة. وقد حقَّقت تلك التغييرات استقراراً في الاقتصاد المصري عموماً، لكنها لقيت استياءً ضخماً من جانب المصريين، الذين ظلَّت أجورهم زهيدةً، بينما شهدت البلاد ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الأساسية كالغذاء والوقود والدواء، بحسب الصحيفة الأميركية.
البورصة تتأثر باعتقال نجلي مبارك
بدأت عملية بيع التصفية الأخيرة في مصر يوم الأحد 16 سبتمبر/أيلول بعد يومٍ من إصدار محكمة جنائية في القاهرة أمراً باعتقال نجلَي مبارك، إضافةً إلى نائب رئيس غير تنفيذي في المجموعة المالية هيرميس، ورئيس العلاقات الاستثمارية في مؤسسة القلعة القابضة.
وقد سبَّبت الاعتقالات أكبر انخفاضٍ حدث في يوم واحد بسوق الأسهم المصرية في القاهرة منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2017، ووصلت نسبته إلى 3.6%. ومنذ يوم الأحد، تبخَّرت ثروةٌ تُقدَّر بـ4.1 مليار دولار بسبب عمليات البيع، التي قال محللون إنَّها جاءت كذلك بسبب مخاوف من انتشار العدوى بين الأسواق الناشئة. وانخفض مؤشر البورصة المصرية بنسبة 8% في الأسبوع الماضي.
وقال أنغوس بلير، وهو مستثمرٌ في شركة فاروس القابضة مقيمٌ بالقاهرة، مشيراً إلى تصوُّرٍ يقول بأنَّ بعض الأسهم المصرية كانت قيمتها مبالغاً فيها: "أظن أنَّ السوق ربما كانت تبحث عن عذرٍ ما. القضايا المحلية التي حدثت كانت عاملاً محفزاً بدرجةٍ ما للحركة داخل السوق".
وقد فاقم بعض المحلِّلين مشكلات الاقتصاد المصري حين زعموا أنَّ البنك المركزي سيتدخل لإنقاذ الجنيه المصري، الذي ظلَّ مستقراً أمام الدولار في ظل انهيار عملات بعض الاقتصادات الناشئة الأخرى.
ويثير هذا مخاوف من أنَّ الحكومة المصرية، ولا سيما البنك المركزي، ربما تتراجع عن تعهُّدها بأن تترك العملة تُتَداوَل بلا قيود، وهو من أهم الطلبات السياسية التي طلبها صندوق النقد الدولي.
ويُصرُّ البنك المركزي المصري على أنه توقَّف عن التدخل في سوق العملات منذ عام 2016.
وقال توفي: "هناك علامات أيضاً تشير إلى أنَّ الحكومة ربما لا تكون ملتزمةً بتصحيح الأوضاع المالية ولا بالتقشُّف المالي كما كانت في الآونة الأخيرة".