كشف موقع The Intercept الأميركي، الأربعاء 1 أغسطس/ آب 2018، عن السبب الرئيس وراء إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزيرَ خارجيته السابق ريكس تيلرسون.
وقال الموقع الأميركي إن إقالة تيلرسون لم تكن بسبب اتهام الوزير الأميركي السابق لروسيا بالضلوع في هجوم غاز الأعصاب في بريطانيا؛ بل كانت بسبب موقفه من الأزمة الخليجية، وانحيازه إلى قطر المحاصَرة من السعودية والإمارات والبحرين، وإفشاله عملية عسكرية كانت تنوي دول الحصار تنفيذها في قطر، ما أغضب كلاً من ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي من تيلرسون.
وتابع الموقع الأميركي أنه قبل أن يعلم تيلرسون بإقالته من منصب وزير الخارجية عبر حساب تويتر الخاص بترمب بـ13 ساعة، أقدم تيلرسون على أمرٍ لم يكن ترمب موافقاً عليه. فعقب مكالمةٍ هاتفية من نظيره البريطاني، أدان تيلرسون هجوم غاز الأعصاب الذي وقع على الأراضي البريطانية، قائلاً إنَّه "واثقٌ تماماً بالتحقيق البريطاني واستنتاجه أنَّ روسيا على الأرجح هي المسؤولة عن الهجوم".
وفي تصريحها عن الأمر، وصفت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الهجوم بأنَّه "متهور، وعشوائي، وغير مسؤول"، لكنَّها لم تُلقِ بالمسؤولية على روسيا؛ ما أدى بالعديد من وسائل الإعلام إلى افتراض أنَّ تيلرسون أُقِيلَ من منصبه بسبب انتقاده روسيا.
لكن في الشهور التالية لرحيله، أشارت تقارير صحافية إلى أنَّ الدول التي ضغطت بشدة من أجل إقالته كانت السعودية والإمارات، اللتين شعرتا بالضيق من محاولاته للتوسط وإنهاء الحصار الذي تفرضانه على جارتهما قطر. وأشار تقريرٌ في صحيفة New York Times الأميركية إلى أنَّ سفير الإمارات في واشنطن علم بإقالة تيلرسون قبل 3 أشهر من إقالته في مارس/آذار 2018.
إفشاله محاولة غزو السعودية والإمارات لقطر هو السبب
لكنَّ موقع The Intercept الأميركي وصلت إليه معلوماتٌ عن حادثةٍ سابقة لم تُذكر من قبلُ في وسائل الإعلام، كانت هي ما أذكى غضب السعودية والإمارات بشأن تيلرسون، وربما تكون قد أدت دوراً كبيراً في إقالته. ففي صيف 2017، قبل أشهر من ممارسة الدولتين الخليجيتين ضغوطهما لإطاحته من منصبه، تدخُّل تيلرسون لوقف خطة تقودها السعودية وتدعمها الإمارات لغزو قطر، وفقاً لمسؤولٍ حالي بأجهزة الاستخبارات الأميركية ومسؤولين سابقين بوزارة الخارجية الأميركية، تحدثوا جميعاً بشرط عدم ذكر أسمائهم؛ لحساسية المسألة.
في الأيام والأسابيع التالية بعد أن قطعت دول السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية معها، أجرى تيلرسون سلسلةً من المكالمات الهاتفية، حثَّ فيها المسؤولين السعوديين على عدم اتخاذ أي إجراءاتٍ عسكرية ضد قطر، بحسب الموقع الأميركي.
وذكرت وسائل الإعلام تلك المكالماتِ الهاتفيةَ التي جرت في يونيو/حزيران 2017، لكنَّ تقارير وزارة الخارجية عنها والروايات الصحافية حينها وصفتها بأنَّها جزءٌ من جهودٍ عامة لحل النزاع، وليس بأنَّها محاولةٌ من تيلرسون لتجنب تنفيذ عمليةٍ عسكرية تقودها السعودية.
وقالت المصادر لموقع The Intercept إنَّ تيلرسون، الذي عمل بصورةٍ وثيقة مع الحكومة القطرية حينما كان المدير التنفيذي لشركة Exxon Mobil، حثَّ الملك سلمان وولي ولي العهد حينها الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية عادل الجبير، في المكالمات الهاتفية، على عدم مهاجمة قطر أو تصعيد الأعمال العدائية. وشجَّع تيلرسون أيضاً وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، على مهاتفة نظرائه في السعودية لشرح أخطار غزوٍ كهذا؛ إذ تتضمن قطر قاعدة العديد الجوية بالقرب من العاصمة الدوحة. وهذه القاعدة هي المقر الأمامي للقيادة المركزية العسكرية الأميركية، ويوجد بها نحو 10 آلاف جندي أميركي.
وأدى ضغط تيلرسون إلى تراجع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي؛ خوفاً من الضرر الذي قد يلحق بالعلاقات السعودية-الأميركية لسنواتٍ طويلة. لكنَّ تدخُّل تيلرسون أغضب محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات، وفقاً لمسؤول الاستخبارات الأميركية ومصدر آخر مقرب من العائلة الحاكمة الإماراتية، رفض ذكر اسمه؛ خوفاً على حياته، بحسب الموقع الأميركي.
ولاحقاً في الشهر نفسه (يونيو/حزيران 2017)، عُيِّنَ محمد بن سلمان ولياً للعهد، متجاوزاً ابن عمه، ليصبح وريث العرش القادم بعد رحيل والده الهرِم. وكان صعوده إشارةً لنفوذه المتزايد وسيطرته على شؤون المملكة.
وبحسب الموقع الأميركي، فإن الاستخبارات القطرية كشفت الخطة قبل تنفيذها بوقت قريب، وأبلغتها لنظيرتها الأميركية. وتحرَّك تيلرسون بعد أن أخطرته الحكومة القطرية وأخطرت كذلك السفارة الأميركية في الدوحة. وبعد عدة أشهر، أكدت تقارير الاستخبارات الأميركية والبريطانية وجود تلك الخطة.
تفاصيل خطة اجتياح قطر
وبحسب الموقع الأميركي، وضع الخطة وليّا العهد السعوي والإماراتي، وكان من المقرر تنفيذها بعد بضعة أسابيع. وتضمنت عبور قواتٍ برية سعودية الحدود البرية إلى قطر، ثم التقدم نحو 70 ميلاً باتجاه الدوحة، بدعمٍ عسكري من الإمارات. وبعد الالتفاف حول القاعدة الجوية الأميركية، تسيطر القوات السعودية على العاصمة.
وفي 20 يونيو/حزيران 2017، قالت هيذر نويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، للصحافيين، إنَّ تيلرسون "أجرى أكثر من 20 مكالمة هاتفية واجتماعاً مع أطرافٍ خليجية وآخرين في المنطقة ووسطاء"، من بينها 3 مكالماتٍ هاتفية واجتماعان مع الجبير. وأضافت: "بمرور الوقت، أُثيرَ مزيدٌ من الشكوك حول أفعال السعودية والإمارات".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية، لموقع The Intercept، الأسبوع الماضي، إنَّه "على مدار النزاع، عبَّرت الأطراف كافة، صراحةً، عن أنَّها لن تلجأ إلى العنف أو القوة العسكرية". ولم يوافق تيلرسون على عقد أي مقابلةٍ مع الموقع بعد التواصل معه من خلال مساعده الشخصي.
وقالت ريبيكا ريباريتش المتحدثة باسم البنتاغون، لموقع The Intercept، إنَّه على الرغم من أنَّ ماتيس يلتقي وزير الخارجية بانتظام، فإنَّ "تفاصيل تلك الاجتماعات وعددها سرية".
وأضافت ريباريتش: "أوضحت وزارة الدفاع أنَّ الخلاف الخليجي الحالي يُعرِّض أولويات الأمن الإقليمي للخطر، وشجعت الوزارة كل الأطراف على الوصول إلى حل. من الضروري أن يستعيد مجلس التعاون الخليجي تماسُكه بعودة الدول الخليجية الفخورة للتعاون المشترك، عبر حلٍّ سلمي يحقق استقراراً إقليمياً ورخاءً أفضل".
ولم يردَّ المتحدثون باسم السفارتين السعودية والإماراتية على طلباتٍ متكررة بالتعليق على المسألة. ولم يردَّ متحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن كذلك على طلبات موقع The Interecpt بإجراء مقابلةٍ مع الموقع. ولم يوفر مسؤولو الحكومة القطرية أياً من المعلومات الواردة في هذا المقال، ولا حتى مستشاري العلاقات العامة مدفوعي الأجر الذين توظفهم قطر.
لماذا تلعب السعودية والإمارات هذا الدور؟
وبحسب الموقع الأميركي، تثير خطة الغزو أسئلةً كثيرة عن النزعة التدخُّلية لاثنين من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة وأكبر مشتري أسلحتها. في السنوات الأخيرة، أظهرت الدولتان ميلاً كبيراً لاستخدام القوة العسكرية لإعادة تشكيل سياسات الخليج، وذلك بالتدخل في البحرين لقمع انتفاضة الربيع العربي في 2011، وشن حربٍ مستمرة منذ 3 سنوات بدعمٍ أميركي دمرت اليمن.
وقال روبرت مالي، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات والمستشار الرفيع السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما في شؤون الشرق الأوسط، إنَّه منذ صيف 2017 قال له المسؤولون القطريون مراراً، إنَّ دولتهم هُدِّدَت بالغزو.
وأضاف مالي لموقع The Intercept: "ليس هناك شكٌ تقريباً في أنَّ كبار المسؤولين القطريين الذين تحدثتُ معهم كانوا مقتنعين، أو تصرفوا كأنَّهم مقتنعون، بأنَّ السعودية والإمارات كانتا تخططان لهجوم عسكري على دولتهم، وأنَّهما أحجمتا عن ذلك بسبب التدخل الأميركي".
جاءت محاولات تيلرسون لتهدئة الصراع في الخليج متباينةً مع الإشارات التي أرسلها البيت الأبيض؛ إذ أعلن ترمب تأييده التام للحصار علناً، فغرَّد قائلاً إنَّ "هذه ربما تكون بداية النهاية لدحر الإرهاب". وفي حين دعا تيلرسون دول الخليج لرفع حصارها عن قطر، صرَّح ترمب للصحافيين بأنَّ "دولة قطر، للأسف، كانت تاريخياً مُموِّلةً للإرهاب بدرجةٍ كبيرة".
تيلرسون شعر بالإحباط من موقف ترمب
ووفقاً لتقريرٍ إخباري، شعر تيلرسون بإحباطٍ من البيت الأبيض؛ بسبب تقويض الأخير جهوده، وشكَّ مساعدوه في أنَّ هذا التعليق، الذي ورد في تصريحات ترمب المُعَدّة سلفاً بحديقة الورود بالبيت الأبيض، كتبه السفير الإماراتي يوسف العتيبة، وهو شخصية نافذة في العاصمة واشنطن، أبقى على "تواصلٍ مستمر تقريباً عبر الهاتف ورسائل البريد الإلكتروني" مع صهر ترمب غاريد كوشنر، بحسب مجلة Politico الأميركية.
في ذلك الوقت، كان كوشنر شخصياً يتولَّى معظم الجهود الدبلوماسية للإدارة الأميركية مع بلدان الخليج، وكان قادة السعودية والإمارات يختارون التواصل والتعامل معه بدلاً من مؤسستي الدفاع أو الاستخبارات الأميركيتين. وكان كوشنر يتواصل مباشرةً مع وليَّي عهد السعودية والإمارات باستخدام خدمة الرسائل المشفرة "واتساب".
ويخمن بعض مراقبي الشأن الخليجي أنَّ الدافع للغزو المُخطَّط ربما كان جزئياً دافعاً مالياً. فنظام الرفاهة السعودي "من المهد إلى اللحد" يعتمد على أسعار النفط المرتفعة، التي تراجعت في عام 2014 ولم تستعِد عافيتها كاملةً. ومنذ وصول الملك الحالي إلى السلطة في 2015، أنفقت البلاد أكثر من ثلث احتياطياتها المالية البالغة 737 مليار دولار، ودخل الاقتصاد السعودي العام الماضي (2017)، في حالة ركود مؤلمة. ورداً على ذلك، بحثت الحكومة عن سبل لجمع المال، من ضمنها بيع حصصٍ في شركة النفط المملوكة للدولة "أرامكو"، بحسب الموقع الأميركي.
وقال بروس ريدل، الزميل في معهد بروكينغز والذي ظلَّ مسؤولاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) 30 عاماً، بمحاضرةٍ له في نوفمبر/تشرين الثاني 2017: "هذا غير مستدام. في السنوات الثلاث منذ صعود الملك سلمان إلى العرش، أُنفِقت بالفعل ثلث الاحتياطيات المالية السعودية. ولا يتعين عليك أن تكون حاصلاً على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية وارتون لتستنتج ما يعنيه ذلك بعد 6 سنواتٍ من الآن".
صناديق قطر السيادية كانت هي الهدف
لو كان السعوديون نجحوا في الاستيلاء على الدوحة، فلربما استطاعوا الوصول إلى صندوق الثروة السيادي في البلاد البالغ 320 مليار دولار. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد أشهرٍ من انهيار الخطة، جمع ولي العهد السعودي واعتقل عشراتٍ من أقاربه في فندق ريتز كارلتون بالرياض، وأرغمهم على التنازل عن ملياراتٍ من أصولهم. وبرَّرت الحكومة الاعتقالات بأنَّها جزء من حملة على الفساد، لكنَّها سمحت للدولة باسترداد ملياراتٍ من الأصول لاستخدامها من جانب الحكومة، بحسب الموقع الأميركي.
وابتداءً من خريف 2017، بدأ وليا العهد في الرياض وأبوظبي الضغط على البيت الأبيض لإقالة تيلرسون، وذلك بحسب مصدر مقرب من الأسرة الإماراتية الحاكمة ومصدر آخر مقرب من الأسرة السعودية الحاكمة.
ولم يكن المسؤولون الحاليون أو السابقون الذين أجرى موقع The Intercept معهم مقابلاتٍ، مطلعين على السبب الذي جعل ترمب يقرر إقالة تيلرسون. لكنَّ أحد المصادر صرَّح للموقع بأنَّ التوقيت كان مهماً؛ إذ جاءت الإقالة قبل أسبوعٍ من وصول ولي العهد في زيارةٍ إلى واشنطن، صاحبَها الكثير من الترويج. وكان من المقرر أن يناقش ولي العهد السعودي أزمة قطر، ومستقبل صفقات السلاح مع الإدارة الأميركية، في أثناء الزيارة.
وأشارت أيضاً 4 من المصادر التي أجرى الموقع مقابلاتٍ معها إلى حملةٍ مستمرة من جانب الإمارات لمحاولة استفزاز قطر ودفعها لتصعيد الأزمة. واستمرت قطر في الشكوى بشأن انتهاك طائراتٍ إماراتية مجالها، وفصَّلت اتهاماتها في خطابٍ للأمم المتحدة في وقتٍ سابق من هذا العام. (2018).
وتتضمَّن المضايقات الإماراتية أيضاً إهاناتٍ علنية فجّة توجّهها القيادة الإماراتية للأسرة القطرية الحاكمة. وتصدر هذه الإهانات بشكلٍ متكرر من حساب تويتر المُوثَّق لحمد المزروعي، وهو مسؤول رفيع في الاستخبارات الإماراتية واليد اليمنى لولي العهد محمد بن زايد.