تبدو إسرائيل كما لو تلوح باستخدام السلاح النووي في وجه إيران، لكن الصواريخ إن أطلقتها فستستغرق أكثر من ساعة ما يعرضها لاحتمالية فشل الوصول لهدفها هذا ما تريد أن تصل إليه مجلة National Interest الأميركية، في مقال للكاتب يباستيان روبلين
حيث تناول موقف إسرائيل من الاعتراف بامتلاك أسلحة نووية بشكل علني، وقال إن تل أبيب ترغب في أن يعلم الجميع بحيازتها هذه الأسلحة، فضلاً عن كونها لا تتردد في تقديم إشارات دقيقة؛ لتبين أنها مستعدة لاستخدامها متى دعت الحاجة إلى ذلك، أو في حال تعرضها للتهديد. ويتراوح عدد المخزون النووي لتل أبيب بين 80 و300 سلاح نووي، وهو ما يتجاوز حجم الترسانة النووية الصينية بأكملها.
وأشار الكاتب الأميركي، الحائز شهادة ماجستير في حل النزاعات من جامعة جورجتاون، وعمل بمجال التعليم والتحرير وإعادة التوطين في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. يكتب حالياً عن الأمن والتاريخ العسكري لصالح موقع War Is Boring، إلى أنه لطالما اعتمدت القوات الإسرائيلية على القنابل النووية التي يتم إسقاطها من الجو، بالإضافة إلى صواريخ أريحا الباليستية.
استخدمت إسرائيل القنابل النووية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973
وعندما هاجمت الجيوش المصرية والسورية إسرائيل خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول، التي تُعرف باسم حرب يوم الغفران، عمدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير، إلى وضع سرب من 8 طائرات فانتوم إسرائيلية من طراز "F-4" محمَّلة برؤوس نووية على أهبة الاستعداد؛ وذلك تحسباً لإطلاقها بهدف شن غارات على القاهرة ودمشق، حيث إن مثل هذا العدوان كان من شأنه اختراق الجيوش العربية.
على الرغم من كون إسرائيل الدولة الوحيدة المسلحة نووياً في الشرق الأوسط، فإن حكومة تل أبيب قلقة من أن يحاول أحد الخصوم القيام بضربة استباقية في يوم ما لتدمير ترسانتها النووية، أو إطلاق الطائرات لقصف أراضيها قبل تمكنها من إبداء رد فعل. وفي الوقت الحالي، يبدو أن سوريا وإيران الوحيدتان القادرتان على القيام بمثل هذا الأمر وتقويض الأمن الإسرائيلي.
لإحباط هذه الاستراتيجية، استهدفت إسرائيل برامج الصواريخ والتكنولوجيا النووية في كل من العراق وسوريا وإيران، وذلك من خلال القيام بعدة غارات جوية، كما قامت القوات الإسرائيلية بعدة أعمال تخريبية واغتيالات داخل هذه البلدان. وطوَّرت تل أبيب سلاح الضربة الثانية، وهو سلاح قابل للبقاء ويتم استعماله للانتقام إزاء الضربات النووية التي يشنها العدو، وذلك بغض النظر عن قوتها.
تعمل معظم القوى النووية على تشغيل الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية، والتي تعمل في العادة بالاعتماد على المفاعلات النووية، وهو ما يخول لها البقاء عدة أشهر تحت سطح الماء وإطلاق صواريخ باليستية في أي لحظة لهدم المرافق الأساسية للخصوم وإحداث دمار مروع. ونظراً إلى صعوبة تحديد موقع هذه الغواصات قبل قيامها بتنفيذ الضربة الأولى، يفكر هؤلاء الخصوم ملياً قبل تنفيذ ضربتهم الأولى.
في المقابل، يُعتبر تشغيل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية أمراً مكلفاً للغاية بالنسبة لدولة لا يتجاوز عدد سكانها عدد سكان نيوجيرسي، فضلاً عن التكلفة المرتفعة لعملية إطلاق الصواريخ الباليستية من هذه الغواصات؛ وهو ما دفع السلطات الإسرائيلية لإيجاد حل بديل بتكلفة معقولة.
ولبرلين دور في مساعدة إسرائيل بملف الأسلحة النووية
خلال حرب الخليج سنة 1991، ظهر جلياً أن العلماء والشركات الألمانية لعبوا دوراً هاماً في إطلاع بعض الحكومات العربية على خبايا تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والكيميائية، وهو ما ساعد الرئيس صدام حسين على قصف الأراضي الإسرائيلية بواسطة صواريخ سكود. وكانت هذه الحقيقة غيضاً من فيض، حيث قام العديد من العملاء الإسرائيليين منذ بداية الستينيات بمحاولات اغتيال واختطاف وتفجير استهدفت علماء أسلحة ألماناً يعملون لصالح حكومات عربية.
في الوقت الذي كانت تشهد فيه شركات بناء السفن الألمانية تراجعاً كبيراً بسبب خفض الدول سياساتها الدفاعية بعد الحرب الباردة، وضع المستشار الألماني هلموت كول استراتيجية لتعويض إسرائيل عن الأضرار التي لحقتها. وبداية من سبعينيات القرن العشرين، بدأت شركة هووالدتسويركي-ديوتشي ويرفت "HDW" لبناء السفن صنع غواصات كهربائية تعمل بالديزل من طراز "209" من أجل تصديرها للخارج.
ويمكن إيجاد نحو 60 غواصة من هذا النوع بصدد التجول في البحار والمحيطات بالوقت الحالي. وتمكنت إحدى هذه الغواصات، والتي تدعى "San Luis"، من نصب كمين لسفن البحرية الملكية البريطانية في مناسبتين خلال حرب جزر الفوكلاند، لكنها عجزت عن إغراق أي سفينة منها؛ بسبب طُوربيداتها المعيبة.
وعرض كول تقديم دعم كامل لبناء نوعين معدلين من غواصات 209، حيث تتم زيادة سعتها بشكل ملحوظ. ووقع تصنيف هذه الغواصات المعدلة ضمن فئة "Dolphin"، كما عمل المستشار الألماني على وضع استراتيجية تمول ألمانيا بموجبها 50% من تكلفة عملية بناء غواصة ثالثة سنة 1994. وفي أثناء غمرها بالمياه، كانت غواصات "Dolphin"، التي يبلغ طولها 57 متراً، قادرة على حمل حمولة تقدر بنحو 1900 طن، وهو ما استوجب وجود طاقم قوامه 35 فرداً لقيادتها، بالإضافة إلى استيعابها نحو 10 أفراد من القوات الخاصة على متنها. ودخلت هذه الغواصات الخدمة بين سنتي 1999 و2000، وحملت اسم "INS dolphin"، و"Leviathan"، و"Tekuma".
زُودت غواصات "Dolphin" بـ6 أنابيب لإطلاق طُوربيدات "سي هاك DM2A4" الثقيلة، التي يبلغ طولها 533 مليمتراً، والتي يمكن توجيهها بواسطة تكنولوجيا الألياف البصرية، وصواريخ "بوينغ هاربون" المضادة للسفن. وتحتوي هذه الغواصات على 4 أنابيب بطول 650 مليمتراً، وهو ما يعد من النادر وجودها في الغواصات الحديثة، والتي يمكن استخدامها لنشر قوات الكوماندوز البحرية للقيام بمهام الاستطلاع والتخريب، التي لعبت دوراً هاماً في إنجاح مهام الغواصات الإسرائيلية.
مع ذلك، تستعمل أنابيب الطوربيد ذات الحجم الكبير في مهام إضافية؛ إذ يمكن أن تسع، بشكل خاص، الصواريخ الجوالة الكبيرة التي تطلق من الغواصات، والتي تعتبر قذائف كبيرة بما يكفي لحمل رأس حربي نووي. وفي حين تبلغ سرعة الصاروخ الباليستي الذي يطلق في الفضاء سرعة الصوت، تتميز سرعة صواريخ الجوال بأنها أشد بطئاً، وتطير بمقربة من سطح الأرض.
وعلى الرغم من علاقتهما القوية رفضت واشنطن في التسعينيات دعم إسرائيل
ورفضت الولايات المتحدة الأميركية في تسعينيات القرن الماضي تزويد إسرائيل بصواريخ من طراز "Tomahawk" التي تُطلَق من الغواصات؛ بسبب قواعد نظام تحكم تكنولوجيا القذائف التي تحظر نقل صاروخ جوال يتجاوز مداه 300 ميل. في المقابل، مضت تل أبيب قدماً وطورت صواريخها الخاصة. وفي سنة 2000، اكتشفت الرادارات التابعة للبحرية الأميركية تجارب لإطلاق صواريخ جوالة تُطلَق من الغواصات في المحيط الهندي والتي أصابت هدفاً عن بُعد 930 ميلاً.
يُعتقد أن هذا السلاح المستعمل هو صاروخ "Popeye Turbo"، وهو مستوحى من الصاروخ الجوال دون سرعة الصوت الذي يطلق من الجو، والذي يُزعم أنه يستطيع حمل رؤوس حربية نووية بقوة 200 كيلوطن. ومع ذلك، يتم حجب خصائص الصواريخ الجوالة التي تطلق من الغواصات، وتفيد بعض المصادر باستخدام أنواع أخرى من الصواريخ المختلفة كلياً. ومن المرجح أن تكون غواصة طراز "Dolphin" التابعة لإسرائيل قد ضربت ميناء اللاذقية بصاروخ جوال عادي سنة 2013؛ بسبب بعض الإفادات عن شحنة صواريخ من طراز "P-800" المضادة للسفن الروسية.
لقد اشترى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، 3 غواصات أخرى، ما أثار جدلاً كبيراً، خاصةً أن العديد من المسؤولين قد شعروا بأن هذه الخطوة كانت غير ضرورية. وفي سنة 2012، نشرت مجلة Der Spiegel تفاصيل كشفت من خلالها كيف كان المهندسون الألمان على دراية بأن الغواصات من طراز "Dolphin" كانت ستُستعمل كجهاز لإيصال الأسلحة النووية.
وقد أثارت هذه التفاصيل بدورها بعض الجدل في صفوف العامة، خاصة أنه من المفترض أن تكون المستشارة الألمانية ميركل قد وافقت على البيع مقابل وعود، لم تتحقق، من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بتبني سياسات توفيقية تجاه الفلسطينيين. ومع ذلك، استقبلت إسرائيل غواصتين من طراز "Dolphin"، وهما "Rihav" أو "Neptune" و"Tanin" أو "Crocodile" وفي انتظار "Dakar"، الغواصة الثالثة، التي من المتوقع أن تصل إلى إسرائيل سنة 2018 أو 2019.
تستند الغواصة من طراز "2 Dolphin"، التي يبلغ وزنها 2400 طن، على الغواصة فائقة التطور من طراز "Type 212"، التي تتميز بتكنولوجيا منظومة الدفع اللاهوائية، وتسبح بسرعة تفوق 25 عقدة. في حين تعتمد الغواصات التي تعمل بوقود "Diesel" على مولدات الوقود الصاخبة التي تستهلك الهواء، الذي يتطلب أن تطفو الغواصة وتغطس بشكل منتظم، ويمكن للغواصات التي تعمل بنظام "AIP"، أو منظومة الدفع اللاهوائية، الغوص تحت الماء بهدوء شديد وبسرعة منخفضة، أسابيع في كل مرة.
عموماً، لا يعني ذلك فقط أن هذه الغواصات تستعمل بمثابة منصات سرية للتحكم في البحار؛ بل يجعلها أكثر نجاعة في الدوريات المطولة للردع النووي. وفي الوقت الحالي، تعتبر الغواصة الصينية التي تعمل بنظام "AIP" نوع 32، الغواصة الوحيدة التي تعمل بهذا النظام والمسلحة بالصواريخ الباليستية.
ومن ثم فإسرائيل الآن تعمل على مجابهة إيران بالسلاح النووي
على الرغم من ذلك، وكما يشير كاتب زميل في TNI، يدعى روبرت إيلي، تقلل العقبات الجغرافية من التطبيق العملي للردع النووي الإسرائيلي الموجود بالبحر. في الوقت الراهن، لا يوجد سوى هدف واحد تركز عليه إسرائيل، وهو إيران البلد الذي يبعد مئات الأميال عن إسرائيل. وعلى الرغم من إمكانية وصول صواريخ الغواصة الإسرائيلية، التي يبلغ مداها 930 ميلاً، إلى طهران انطلاقاً من قاعدتها في حيفا إلى البحر الأبيض المتوسط، فإن الصواريخ ستضطر إلى قضاء أكثر من ساعة في التحليق فوق سوريا والعراق، الأمر الذي يطرح العديد من التحديات الملاحية، خاصة فيما يتعلق بقدرة الصواريخ على الوصول إلى الهدف.
في المقابل، هناك مكان أقرب للخليج العربي يمكن أن تشن منه إسرائيل هجماتها؛ إذ يشمل إما نقل الغواصات عبر قناة السويس التي تسيطر عليها مصر، حول إفريقيا التي تعتبر مسافتها بعيدة بالنسبة للغواصات من طراز "Dolphin"، أو تمركز بعضها في القاعدة البحرية الموجودة بمدينة إيلات التي تطل على خليج العقبة على الطرف الجنوبي لإسرائيل وتحيط بها كل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. باختصار، يتطلب نشر غواصات إسرائيلية إلى الجناح الجنوبي لإيران التعاون والدعم اللوجيستي من دول شرق أوسطية أخرى قد تكون غير واردة في سيناريو الأزمات.
ربما يكون فارلي محقاً في قوله إن الصواريخ الجوالة التي تطلَق من الغواصات والمجهزة برؤوس نووية، ليست نشيطة مقارنة بمنصات الأسلحة النووية الأخرى في تل أبيب. وفي هذا الشأن، لا تواجه إسرائيل في الوقت الحالي أي خصوم يمتلكون قدرات نووية لتقوم بردعهم. ومع ذلك، وعلى غرار قدرة الهجمات الثانية في العموم، قد يكون تهديد الأسلحة النووية الذي تطلقه إسرائيل عبر البحر سلاحاً سياسياً أكثر من كونه سلاحاً مخصصاً تماماً لفاعليته العسكرية.