قبل أيام فقط من زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مارس/آذار 2018، إلى الولايات المتحدة، تم توقيف لُجين الهذلول، التي تُعَد واحدةً من أبرز السعوديات الناشطات، بينما كانت تقود سيارتها على أحد الطرق السريعة قرب جامعتها بأبوظبي.
اقتيدت صاحبة الـ28 عاماً من سيارتها، وتم نقلها إلى بلادها على متن طائرة، بحسب ما أوردته صحيفة The Washington Post الأميركية.
قضت لُجين عدة أيام في السجن قبل أن يُطلَق سراحها، ومُنِعَت من استخدام الشبكات الاجتماعية أو مغادرة البلاد، في حين بدأ ولي العهد حملة علاقاته العامة الماراثونية التي استمرت 3 أسابيع في الولايات المتحدة، حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأوبرا وينفري وآخرين.
وأثار تسليم الهذلول من الإمارات، حيث كانت تدرس للحصول على درجة الماجستير، العديد من التساؤلات عما قد يكون "تناقضاً" -بحسب الصحيفة الأميركية- بين حملة العلاقات العامة السعودية التي تروج للإصلاح، والواقع على الأرض بالنسبة لأولئك الذين يطالبون بحقوق للنساء.
وأظهر كذلك، التعاون الوثيق بين الإمارات والسعودية، اللتين تروِّجان معاً لنموذجٍ في المنطقة يمنح الأولوية للاستقرار والتنمية الاقتصادية، في حين يتم الحد من النشاط السياسي بصرامة.
وروت "واشنطن بوست" تفاصيل إعادة لجين عن أشخاص على اطلاعٍ بالواقعة، فضَّلوا عدم ذكر أسمائهم. ولم تردَّ السلطات في الرياض على طلباتٍ من أجل التعليق على الأمر الأحد 20 مايو/أيار 2018.
وبرغم ما يبدو أنَّه امتثالٌ من جانب لجين لمحاولات إسكاتها -آخر تغريدة لمتابعيها البالغ عددهم 316 ألف كانت في 12 مارس/آذار 2018- تم إيقافها من جديدٍ الأسبوع الماضي، فيما بدا أنَّها حملة على الناشطات في المملكة بشكل خاص.
واعتُقِل ما مجموعه 7 سعوديين، هم 5 نساء ورجلان كانا قد دعما قضيتهن، من بينهما محامٍ مثَّل لُجين في الماضي. واتهمت السلطات هؤلاء رسمياً بجرائم تتضمَّن "التواصل المشتبه فيه مع أطراف أجنبية"، وتقويض "أمن واستقرار" السعودية، وشهّرت بهم وسائل إعلام مقربة من الحكومة علناً، فيما وصفه ناشطون بأنَّها حملة "تشهير خبيثة".
وقال جمال خاشقجي، الكاتب السعودي الموجود في المنفى الاختياري بالولايات المتحدة: "يجب الاحتفاء بلُجين الآن. لم يكن توقيفها ضرورياً بعد الجهود الهائلة التي قام بها محمد بن سلمان في الولايات المتحدة، مُقدِّماً نفسه كإصلاحي".
وتركَّز نشاط لُجين على السماح للنساء بقيادة السيارات وإنهاء الولاية على المرأة في البلاد.
وحقَّقت الحركة بعض النجاح، وبدا أنَّها متسقة مع رؤية محمد بن سلمان لتحديث السعودية.
منحت المملكة النساء حق قيادة السيارات العام الماضي (2017)، وخُفِّفت قوانين الولاية. وبحسب نساء، من المفترض أنَّ المرأة بات الآن بإمكانها الحصول على خدماتٍ حكومية وفتح شركاتٍ دون إذن رجل، ولو أنَّ الإذن ما زال يُطلب عملياً في كثيرٍ من الأحيان. ولا يزال إذن الولي مطلوباً للمرأة من أجل السفر أو الزواج.
لكنَّ إصلاحات المملكة التي تتقدم ببطءٍ جاءت مصحوبة بتضييقٍ، على نحوٍ متزايد، على أولئك الذين ينادون بالتغيير. ووصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش بأنَّها أثارت "نوبة خوف" لأولئك المنخرطين بشكلٍ حقيقي في الإصلاح.
قالت ناشطة تعرف بعض أولئك المعتقلين: "حملة الاعتقال هذه هي حملة اعتقالٍ ضد النسوية في السعودية. وحتى إن الرجلين اللذين اعتُقِلا كانا معنا".
ووفقاً لـ"منظمة القسط"، وهي مجموعة حقوقية سعودية مقرها لندن، دُوهِم منزل لُجين عند الساعة 2:30 بعد الظهيرة في يوم 15 مايو/أيار 2018، وتم توقيفها في حجرة نومها. وقالت المنظمة إنَّها اقتيدت إلى سجن "الحائر"، وهو السجن نفسه الذي احتُجِزَت فيه بعد توقيفها في الإمارات. ووفقاً لمجموعات حقوقية، نُقِل منذ ذلك الحين المعتقلون إلى جدة.
ليست غريبة على الاحتجاز
وهي ليست غريبة على الاحتجاز؛ إذ برزت لُجين على الساحة في 2014، حين استقلَّت سيارتها في أبوظبي المجاورة وحاولت قيادتها عبر الحدود إلى السعودية. أُلقي القبض عليها آنذاك وأُحيلت إلى محكمةٍ للإرهاب، لكن أُطلِق سراحها قبل المثول للمحاكمة وبعد 73 يوماً من الاحتجاز.
وفي العام التالي، شاركت في انتخابات المجالس البلدية، بعد أمرٍ ملكي سَمَح للنساء بكلٍ من الترشُّح والتصويت في البلديات. لكنَّ اسمها لم يُضَف قط إلى أوراق الاقتراع.
واحتُجزت مجدداً في يونيو/حزيران 2017، بعد العودة من زيارة عائلية إلى الولايات المتحدة.
أدَّى نشاطها إلى تقديرٍ دولي لها؛ إذ التُقِطَت صورةٌ لها العام الماضي (2017) إلى جانب الممثلة ميغان ماركل، التي تزوَّجت الأمير البريطاني هاري، السبت الماضي 19 مايو/أيار 2018، في أثناء قمة إنسانية بكندا. وقد صنَّفتها مجلة Arabian Business، العام الماضي (2017)، في المرتبة الـ45 على قائمةٍ للعرب الأكثر نفوذاً في العالم.
لكنَّ هذا يأتي بثمن؛ إذ ذكرت صحيفة "عكاظ" السعودية، الأحد 20 مايو/أيار 2018، أنَّ المحتجزين قد يواجهون عقوبة تصل إلى 20 عاماً بالسجن. وصوَّرتهم وسائل الإعلام المقربة للسلطات علناً باعتبارهم "خونة".
وتجمع المحتجزات عدة أجيال من الناشطات السعوديات.
إذ تناصر عزيزة اليوسف، وهي أستاذة بجامعة الملك سعود، حقوق النساء في السعودية منذ عقود. وحين وقَّعت النساء على عريضة ضد نظام الولاية، أخذت عزيزة العريضة إلى القصر الملكي.
ومن بين المعتقلات أيضاً، عائشة المانع (70 عاماً)، وكانت مِن بين أوائل مَن تحدَّين حظر قيادة السيارات، فكانت واحدةً من بين 40 سيدة قُدن السيارات في قافلة بالرياض عام 1990، إلى جانب مديحة العجروش، وهي طبيبة نفسية في منتصف الستينيات من عمرها، وهي أيضاً مُحتجَزةٌ الآن.
وقالت الناشطة السعودية، التي قامت بحملة على الإنترنت بصفة مجهولة: "لُجين وعزيزة والناشطات الأخريات تستخدمن هوياتهن الحقيقية، إنَّهن شجاعاتٍ للغاية. ولديهن أُسر داعِمة جداً وحيواتٍ جميلة، لكنَّهن اخترن أن يَكُنَّ صوتنا".
وبعد ساعاتٍ فقط من إعلان رفع حظر قيادة السيارات في سبتمبر/أيلول 2017، جرى الاتصال بالنساء اللاتي كُنَّ قد ناصرن هذا الحق وطُلِب منهن ألا يُعلِّقن علناً، حتى ولو بشكلٍ إيجابي.
وتكهَّنت إحدى الناشطات، التي تحدثت قبل الحملة الأخيرة، بإمكانية وجود "معسكر قديم" يحاول مواجهة إصلاحات محمد بن سلمان. ورفض آخرون ذلك، قائلين إنَّه يُحكِم بصورة كاملة على السلطة.
وقال خاشقجي: "لا يوجد حرس قديم. محمد بن سلمان مسيطرٌ تماماً. ما يحدث الآن غير مسبوق". وأضاف أنَّ ذلك لا يمثل السعودية "القديمة"؛ بل "السعودية الجديدة".