شنَّ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، هجوماً حاداً على إيران، متعهداً باستخدام القوة الأميركية الاقتصادية والعسكرية لتدمير اقتصاد طهران والقضاء على عناصره ووكلائه حول العالم.
وأدرج بومبيو، في خطابه السياسي الأول عقب توليه منصب وزير الخارجية، لائحة تضم عشرات المطالب المتعلقة بمشاريع إيران الخارجية وبرامجها النووية والصاروخية. وأضاف أنه في حالة قبول إيران الامتثال لتلك المطالب، فسترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات المفروضة عليها، وستعيد مد أواصر العلاقات التي تربطها بطهران، إضافة إلى إتاحة حصولها على التكنولوجيا المتقدمة، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
وقال بومبيو كذلك إنه سيعمل مع وزارة الدفاع (البنتاغون) ومع الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، وهي المجموعة التي تضم إسرائيل والسعودية ودول الخليج، من أجل "ردع العدوان الإيراني" في المنطقة، وضمن ذلك المناطق البحرية والفضاء الإلكتروني.
وقال: "سنضمن حرية الملاحة في المياه بالمنطقة"، مضيفاً: "وسنعمل على منع أي نشاط إلكتروني إيراني خبيث، وسنتصدى له. وسوف نتتبع النشطاء الإيرانيين ووكلاء حزب الله العاملين حول العالم ونسحقهم. لن يكون لإيران تفويض مطلق مرة أخرى للسيطرة على الشرق الأوسط".
خارطة الطريق الأميركية
ويقول مسؤولو وزارة الخارجية إن الهدف من الخطاب هو تحديد مسار صحيح بعدما أعلن الرئيس ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها، وهو قرار يجعل الولايات المتحدة تُخلُّ بالتزاماتها على الفور.
وقد أعادت وزارة الخزانة بالفعل فرض العقوبات على رئيس البنك المركزي الإيراني وغيره من الشركات والمجموعات.
وحذَّر بومبيو قائلاً: "يجب على النظام الإيراني أن يعلم أن هذه مجرد البداية".
وأضاف: "بعد أن تبلغ عقوباتنا ذروتها، ستكافح إيران من أجل الحفاظ على اقتصادها على قيد الحياة"، متابعاً: "ستُجبَر إيران على اتخاذ خيار من اثنين: إما أن تكافح للحفاظ على اقتصادها في الداخل، وإما أن تستمر في تبديد ثروات ثمينة بمعاركها في الخارج. لن يكون لديها الموارد للقيام بكلا الأمرين".
تهديد لأوروبا أيضاً
وبحسب الصحيفة الأميركية، غضب العديد من المسؤولين الأوروبيين، وضمنهم أولئك الذين تفاوضوا على اتفاقية إيران إلى جانب الولايات المتحدة، من مواقف إدارة ترمب بشأن إيران، واتفاق باريس بشأن المناخ، ونقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل إلى القدس، هذا بالإضافة إلى الرسوم الجمركية التجارية. واحتج رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في الآونة الأخيرة، قائلاً: "مع أصدقاء من هذا القبيل، من يحتاج إلى أعداء!".
وأوضح وزير الخارجية الجديد، الذي يُمضي الأسبوع الرابع في منصبه، أنَّ الولايات المتّحدة مستعدة لبدء الجدال والمواجهة مع أوروبا، باستخدام العقوبات الثانوية ضد الشركات التي تعمل في إيران.
وقال مايك بومبيو: "نحن نفهم أنَّ إعادة فرضنا العقوبات وحملة الضغط القادمة على النظام الإيراني، سوف تُشكِّل صعوبات مالية واقتصادية لعددٍ من أصدقائنا. لكن، يجب أن تعرفوا أننا سنحاسب أولئك الذين يقومون بأعمال محظورة في إيران".
بدأت إدارة أوباما، عند التفاوض على الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، بقائمة طويلة من المطالب. لكنَّهم قدّموا تنازلات طوال فترة التفاوض، في مسائل عدُّوها أقلّ أهميّة من هدف فرض قيود مستقبليّة على الاتفاق النوويّ الإيرانيّ، والحصول على مفتشين دوليّين لمراقبته.
وقال جيرمي شابيرو، مدير الأبحاث في المجلس الأوروبيّ للعلاقات الخارجيّة، للصحيفة الأميركية: "إنَّ قائمة المتطلّبات طلبت كلّ شيءٍ من إيران عدا اعتناقها المسيحيّة! ويُنظر إلى هذه المتطلّبات باعتبارها متطلبات من أجل الاستسلام غير المشروط أكثر من كونها محاولة حقيقيّة للتفاوض".
وقال بومبيو إنَّ الإدارة تسعى إلى عقد معاهدة كاملة مع إيران، وليس مجرّد "إصلاحات" للاتفاق النوويّ، المعروف رسمياً باسم "خطّة العمل الشاملة المشتركة". وطالبت بدلاً من ذلك باستسلام إيران الكامل للنقاط الـ12. وإذا حكمنا على ردّ فعلها على اقتراحات مشابهة سابقة، فمن المرجّح أن ترفض طهران معظمها، إن لم يكن كلّها.
الاعتراف أولاً!
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن من بين الأشياء الموجودة في قائمة رغبات بومبيو، الاعتراف الكامل بمحاولة إيران السابقة لتطوير سلاح نووي. أكدت إيران أنها لم ترِد بناء أسلحة نووية قط. ولكن المفاوضين الأميركيين حاولوا بغير طائل جعل إيران تعترف بأنها حاولت بناء واحد في بدايات الألفية الثالثة.
تتضمن المطالب الأخرى، التي من غير المرجح أن توافق عليها إيران، إيقاف تخصيب اليورانيوم واختبارات الصواريخ الباليستية، وأيضاً السماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى كل المواقع، ومن ضمنها المواقع العسكرية، حيث يشك النقّاد في أن الأبحاث السرية تتم هناك. أما في الوقت الحالي، فيجب على المفتشين تحديد قاعدة الأساس التي تبنى عليها شكوكهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
المطلب الوحيد الذي قد تصدّق عليه إيران نظرياً هو إطلاق سراح كل المواطنين الأميركيين المسجونين على خلفية تهم مختلفة، إضافة إلى مواطني بلدان أخرى حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا وبريطانيا. هناك على الأقل 6 مواطنين أميركيين مسجونين أو مجهولي المصير ويتم استخدامهم كأوراق مساومة وضغط على الولايات المتحدة.
تريتا بارسي، رئيسة المجلس الوطني الإيراني-الأميركي، اعتبرت أن معظم مطالب بومبيو "لا تجدي نفعاً".
"ستؤدي إلى شيء واحد: التحدي"، كما قالت: "ولا يَسَعَ المرء إلا التفكير في أن هذه هي استراتيجيتهم وهدفهم"، بحسب الصحيفة الأميركية.
لم يصرح بومبيو، بشكل مباشر، بتغيير النظام، لكنه حثّ الإيرانيين على أن يفكروا في الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف كجزء من نظام فاسد وخطير، قائم على الرشوة. يعتبرهم المسؤولون الأميركيون والأوروبيون السابقون براغماتيين وليسوا أقل دوغمائية من الثيوقراطيين المتطرفين، كما يقول وزير الخارجية الأميركي.
وقال بومبيو، متحدثاً بشكل مباشر إلى الشعب الإيراني: "عادة ما يتعامل الغرب مع الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف كأنهما مستقلان عن تصرفات النظام الإرهابية والمؤذية وغير الحكيمة. ومع ذلك، فإن روحاني وظريف هما من قادتكم المنتخَبين. هل هما غير مسؤولَين عن مشاكلكم الاقتصادية؟ هل هما غير مسؤولَين عن ضياع أرواح الإيرانيين في الشرق الأوسط؟ هذا أمر يستحق أن يفكر فيه الشعب الإيراني".