اعتبرت صحيفة Washington Post الأميركية، أن الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر تحول إلى صانع للملوك في العراق بعدما كان العدو الأول للولايات المتحدة في العراق بعد الفوز الساحق الذي حققه تحالفه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وقالت الصحيفة الأميركية بدأ مقتدى الصدر، رجل الدين الشاب الذي يحمل على عاتقه إرثاً عائلياً أثقل من إنجازاته الخاصة، مسعاه نحو السيادة بعد الإطاحة بصدام حسين. وقد بنى هذه المساعي على شعورٍ متنامٍ بالوطنية، ومعارضة شديدة للهيمنة الأجنبية، ورغبة في القتال.
وانتقد الشخصيات السياسية المدعومة من إيران أو التي يروج لها الأميركيون باعتبارها غير جديرة بالقيادة.
فقال "الناس الذين يستحقون الحكم هم الذين بقوا هنا"، وقد أرسل الموالين له لمحاربة القوات الأميركية بشكل متكرر في السنوات الأولى للاحتلال الأميركي.
تعكس الألقاب التي حصل عليها من المسؤولين الأميركيين شهرته المتزايدة: مع مرور الوقت، تحول من "متمرد فوضوي" إلى "خارج عن القانون"، مطلوب من قبل الحكومة الأميركية.
الآن، يستعد الصدر لنيل لقب جديد: صانع الملوك، بعد قيادته لائتلاف سياسي حقق تقدماً مبكراً في الانتخابات الوطنية في العراق. لم يخض الصدر الانتخابات، لكنه قد يكون قادراً على اختيار الزعيم العراقي التالي.
إذا استمرت نتائج الإنتخابات على هذا الحال، فإنها ستظهر تطوراً مذهلاً للصدر، إذ تؤشر لتحوله من زعيم مهاب لإحدى الميليشيات الشيعية إلى زعيم سياسي شعبي ينبذ الطائفية المتجذرة في العراق. إن التحالف الذي جمعه من أجل الانتخابات، والذي يضم شخصيات شيوعية وعلمانية، يمكن أن يقلب النظام السياسي للعراق ويقلص من نفوذ الولايات المتحدة وكذلك إيران.
وقال أحمد الميالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إن صورة الصدر تحولت من مسلح طائفي إلى زعيم قومي في أعقاب هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، التي مكنت هذا التنظيم المتطرف من السيطرة على مساحات كبيرة في شمال وغرب العراق، بحسب الصحيفة الأميركية.
استغل الصدر قوته العظيمة لتعبئة مئات الآلاف من الناس لحركة احتجاج شعبية مستمرة تدعو إلى إصلاحات سياسية.
وقال ميالي "بدأ بالمطالبة بما يطالب به الشارع". "احتجّ معهم وواجه جميع العراقيين بلغة بسيطة يفهمها الجميع. لغة "أنا واحد منكم، وليس من النخبة".
وأضاف ميالي: "لقد منحه هذا المزيد من المؤيدين، أكثر من ذي قبل".
شعبية الصدر
في أعقاب الغزو الأميركي للعراق مباشرة في عام 2003، استمد الصدر شعبتيه من اسم عائلته الشهير. كان والده، آية الله العظمى محمد صادق الصدر، رجل دين موقر اغتيل مع اثنين من أبنائه على يد قوات الأمن العراقية في عام 1999.
في فوضى ما بعد الغزو، استغل الصدر الأصغر شبكة والده ليقدم الدعم والإعانة لسكان أكثر الأحياء فقراً في بغداد.
كتب الكاتب ومراسل صحيفة الواشنطن بوست أنتوني شديد في كتابه "Night Draws Near" الذي يعد تأريخاً للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق وما أعقبه من حوادث، قائلاً "أصبحت منظمته التي اعتنقت أفكار أبيه القومية نوعاً ما معبرة عن حركة الشارع، ابتداء من الأحياء العراقية المشابهة للباريو الإسبانية، وهي الأحياء التي تشبعت بمعاداة السلطة الشيعية التقليدية والقوة التي تمثلها تلك العائلات".
وكتب شديد: "كان الصدر متميزاً عن المنفيين العراقيين العائدين الذين كانوا يبحثون عن السلطة في بغداد لأنه بقي في العراق خلال أسوأ مراحل القمع التي مارسها صدام حسين".
"على غرار الفقراء الشيعة، عانى الصدر من الخسائر: كان والده، إخوته، والعديد من أقاربه الآخرين شهداء المجتمع. تكلم مثل المحرومين؛ حتى أنه بدا مثلهم"، بحسب الصحيفة الأميركية.
تحول خطابه -المتمثل في التمرد ومقاومة النفوذ الأجنبي- إلى مواجهة عنيفة حيث قاد جيش المهدي التابع للصدر انتفاضات ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العديد من المدن العراقية وأصبح واحداً من أكثر الميليشيات مهابة خلال سنوات الحرب الأهلية الطائفية في العراق.
بعد سنوات من التقاعد الذي فرضه على نفسه من السياسة، عاد الصدر بشكل درامي إلى الأضواء قبل عدة سنوات، متشبثاً بحركة احتجاج ضد فساد النخبة السياسية في العراق، تطالب بتشكيل حكومة جديدة، بحسب الصحيفة الأميركية.
بحلول (فبراير/ شباط) 2016، تولى الصدر دوراً مهيمناً في المظاهرات، حيث أظهر موهبته في انتهاج سياسة حافة الهاوية وتعزيز شعبيته وقدرته على قيادة الشارع. نظم أنصاره احتجاجات جماهيرية قامت باقتحام جدران المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، حيث قام رجال الميليشيا الذين أعادوا تسمية أنفسم باسم "ألوية السلام" بتأمين محيط المنطقة.
عندما دخل الصدر بنفسه إلى المنطقة الخضراء، كانت لحظة غنية بالرمزية: رجل الدين المنشق، الذي استبعد ووصم من قبل المؤسسة واستهزأ به من قبل الغرب باعتباره سياسياً متطرفاً، تمشى في معقل النخب السياسية في العراق. الجنود الذين كانوا هناك لحراسة المكان تقبلوا وجوده، وقبل جنرال يده، بحسب الصحيفة الأميركية.
في الخيام الاحتجاجية، قام الصدر بتنفيذ خدعة أخرى غير متوقعة، إذ سعى لاكتساب ثقة الحركات العلمانية والإصلاحية لتشكيل تحالف غير عادي يتحدى النظام السياسي الجامد المتصلب في العراق، ويزيد من فرصة المتنوعة في انتخابات يوم السبت.
وحصل على حلفاء جدد لقاعدته السياسية المتنامية من المؤيدين، وهي حركة تتميز بنوع من الولاء الذي كان يتمتع به والد الصدر قبل جيل مضى والذي سمح لرجل الدين الشاب بالخروج من ظل عائلته.
وقالت ميالي: "إنهم يتبعونه لأنهم مقتنعون به".