فضَّل مؤنس فوزي البقاءَ في أحد مقاهي العاصمة العراقية بغداد، دون بذل جهدِ التوجه للمشاركة في الانتخابات التشريعية، التي تشهدها البلاد، السبت 12 مايو/أيار 2018.
قرَّر هذا الحلاق، البالغ من العمر 27 عاماً، أن يجتمع بأصدقائه على رصيف مقهى في شارع الكرادة التجاري في بغداد، حاملاً معه تبريراته لعدم المشاركة.
يقول فوزي، ذو الشعر المصفف بإتقان "كل الانتخابات متشابهة، لا شيء يتغيَّر"، مضيفاً: إن "لدينا مشكلات وعقبات كثيرة".
وهذه الانتخابات هي الأولى التي يشهدها العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتُشكِّل بارقة أمل للبعض.
لكن بالنسبة للشباب في بلد أنهكته الحرب، تبدو أسباب التفاؤل ضئيلة مع عزوف عدد كبير عن التصويت.
ويشكل الشباب في العراق نسبةً من السكان تعدُّ من الأعلى في العالم؛ إذ إن 60% هم دون الـ25 عاماً، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان.
واليوم، وبعد 15 عاماً من العنف الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق، تبدو الآفاق ضيقةً أمام هؤلاء الشباب.
فأكرم العقيلي (27 عاماً)، الذي درس إدارةَ الأعمال في الجامعة، انتهى به المطاف للعمل في متجر لبيع السجاد لتغطية نفقاته.
يقول العقيلي، إن "العراق بلد غنيٌّ، لكن حينما تنظر حولك ترى أطباء ذوي كفاءة، ومهندسين يعملون في وظائف غير مناسبة".
ويضيف: "لقد فقدنا الأملَ فعلاً، حتى بين أصدقائي المتعلمين".
وتُشكِّل البطالة أزمةً كبيرةً في العراق؛ إذ إن واحداً من بين خمسة عراقيين عاطل عن العمل. وتُقدِّر الأمم المتحدة نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب العراقيين، البالغة أعمارهم بين 15 و27 عاماً، بـ18%.
وتطال البطالة خصوصاً الشباب من حاملي الدرجات العلمية العالية، غير القادرين على تحصيل وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم.
"لا يقدمون لنا شيئاً"
أما بالنسبة لأولئك الذين يملكون وظائف، فلم يكن لديهم الوقت للتفكير في السياسة، رغم بحر الإعلانات الانتخابية الذي أغرق الشوارعَ المحيطة بهم.
يُظهر عقيل ستار (19 عاماً) عدمَ اهتمامه بالانتخابات، لدى تقديمه الخبز الساخن لأحد زبائنه في كشك على جانب الطريق.
يقول وهو يعيد ترتيب أرغفة الصمون العراقي، على طاولة أمامه "أنا مشغول جداً هنا، ولا يمكنني الذهاب للتصويت. السياسيون لا يقدِّمون لنا شيئاً".
يطغى شعور عام بالظلم بين العراقيين، الذي يرون في النخبة السياسية المهيمنة على السلطة جشعاً واهتماماً بالمصالح الذاتية.
وبالنسبة إلى الشباب خصوصاً، فإن رؤية صور مرشحين قدامى من عهد نظام صدام حسين، تُحبط حماستهم إلى الاقتراع.
من بين الشبان العشرة الجالسين بلا عمل في محل حلاقة نور الصباح، بشارع البتاوين في وسط بغداد، شخصٌ لم يُبدِ رغبةً في الذهاب للإدلاء بصوته.
يتساءل محمد عاصي (27 عاماً)، وهو ينظر إلى الشارع الذي ملأته القمامة "ما هي الحظوظ والفرص المتاحة؟ لا شيء للشباب".
يضحك عاصي، الذي كان يرتدي نسخةً مقلدةً من زي بايرن ميونيخ الألماني عند سؤاله عن عمله، ويقول إنه يجمع المال عبر العمل من وقت لآخر في أحد المقاهي.
يبدي هذا الشاب اقتناعه بأن الانتخابات "مزوَّرة"، وأنه رغم التضحيات التي قدَّمها الناس في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فإن النتيجة تأتي ضدهم.
ويوضح "داعش هُزم، ولكن مَن الذي هزمه؟ الفقراء من الناس، من إخوتنا وأقاربنا. هزمنا داعش، والحكومة لا تفعل لنا شيئاً".