لم تتوانَ إسرائيل وحلفاؤها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، في توظيف الذكاء الاصطناعي لقتل وملاحقة ومراقبة الفلسطينيين ومؤيديهم سواء في داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، منذ أن شنّ جيش الاحتلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتكشفت آخر هذه الجهود لاستهداف الفلسطينيين وملاحقتهم بعدما أشارت تقارير إلى أن وكالة مراقبة عسكرية إسرائيلية استخدمت مجموعة بيانات لاتصالات الفلسطينيين التي اعترضتها لبناء أداة ذكاء اصطناعي مشابهة لبرنامج تشات جي بي تي.
فيما كشف موقع أكسيوس الأمريكي أن وزارة الخارجية الأمريكية ستستخدم الذكاء الاصطناعي لإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين تعتقد أنهم مناصرون لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

ومنذ أن شنت إسرائيل حرباً شرسة على غزة أسفرت حتى الآن عن نحو 154 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، أشارت تقارير عدة إلى توظيف الاحتلال الإسرائيلي لأنظمة الذكاء الاصطناعي في توسيع عمليات القتل وتحديد الأهداف، فضلاً عن عمليات المراقبة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
ومؤخراً، برزت انتقادات لاستخدام المشاريع المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي طورتها المؤسسات الإسرائيلية بتمويل حتى أوروبي مقدم في إطار برامج البحث والابتكار التابعة للاتحاد الأوروبي، في "مراقبة واستهداف" الفلسطينيين.
وقدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 250 مليون دولار من إجمالي التمويل للمؤسسات الإسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة، في إطار برامج البحث والابتكار، بحسب بيانات حكومية أوروبية رصدتها وكالة الأناضول.
وفيما يلي نظرة على أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي وظفها الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لقتل وملاحقة الفلسطينيين:
أولاً: إسرائيل
1- تطوير أداة ذكاء اصطناعي جديدة شبيهة بتطبيق شات جي بي تي
- استخدمت الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية مجموعة بيانات لاتصالات الفلسطينيين التي اعترضتها لبناء أداة ذكاء اصطناعي مشابهة لبرنامج تشات جي بي تي، بحسب تحقيق مشترك لصحيفة الغارديان البريطانية مع مجلة +972 الإسرائيلية وموقع Local Call الناطق بالعبرية.
- التحقيق أشار إلى أن الوحدة 8200 دربت نموذج الذكاء الاصطناعي على فهم اللغة العربية المنطوقة باستخدام كميات كبيرة من المحادثات الهاتفية والرسائل النصية، التي تم الحصول عليها من خلال مراقبتها المكثفة للأراضي المحتلة.
- وأضاف التحقيق أن الوحدة شرعت في بناء النموذج لإنشاء أداة متطورة تشبه روبوت المحادثة، قادرة على الإجابة على أسئلة حول الأشخاص الذين تراقبهم، وتوفير رؤى حول كميات هائلة من بيانات المراقبة التي تجمعها.
- وسارعت الوحدة إلى تطوير النظام الذي يعرف باسم نموذج اللغة الكبيرة "إل إل إم" بعد بدء الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقاً للتحقيق.
2- نظام أربيل
- كشفت وثائق أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم نظام أسلحة يعتمد على الذكاء الاصطناعي في غزة، تم إنتاجه بالاشتراك مع شركة دفاع هندية، وأطلق عليه اسم أربيل.
- التقارير أضافت أن النظام يحول المدافع الرشاشة والبنادق الهجومية إلى آلات قتل محوسبة، مع تعزيز القدرة على ضرب الأهداف بدقة وكفاءة أكبر باستخدام الخوارزميات.
- يُروَّج لنظام أربيل باعتباره "نظاماً ثورياً يغير قواعد اللعبة ويحسن من قدرة المشغل على القتل والقدرة على البقاء ".
- يعمل النظام على تحسين قدرة المدافع الرشاشة والأسلحة الهجومية ــ مثل تافور وكارمل ونيجيف التي تنتجها إسرائيل ــ وتحويلها إلى سلاح يستخدم الخوارزميات لتعزيز فرص الجنود في ضرب الأهداف بدقة وكفاءة أكبر.
3- نظام لافندر
- التقارير بشأن توظيف إسرائيل لبرنامج ذكاء اصطناعي يُدعى "لافندر" جاءت من خلال تحقيق استقصائي مشترك أجراه موقع +972 Magazine وموقع Local Call الناطقان بالعبرية.
- بحسب التحقيق، اعتمد برنامج لافندر على معايير واسعة من أجل تحديد الأهداف المحتملة، واختار نحو 37 ألف شخص للاستهداف بالقصف الجوي المحتمل.
- ورد أن البرنامج استخدم التعلُّم الآلي لتحديد سمات المسلحين، وكان يمنح الناس درجةً من 1 إلى 100 بحسب المصادر العسكرية، وذلك بناءً على عوامل تشمل العلاقة بمسلحين مشتبه بهم أو تغيير الهاتف باستمرار.
4- نظام غوسبل
- استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي نظاماً قائماً على الذكاء الاصطناعي يسمى "غوسبل" في الحرب على غزة "لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة".
- من خلال الاستخراج السريع والآلي للمعلومات الاستخباراتية، يصدر "غوسبل" توصيات مستهدفة لباحثيه "بهدف المطابقة الكاملة بين توصية الآلة والتعرف الذي يقوم به الشخص".
- أكدت مصادر متعددة مطلعة على عمليات الاستهداف التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وجود برنامج "غوسبل"، قائلة إنه استُخدِمَ لإصدار توصيات آلية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه في أنهم نشطاء بـ"حماس" أو "الجهاد الإسلامي".
5- نظام هبسورا
- نظام "هبسورا" هو برنامج للتعلم الآلي مبني على مئات من الخوارزميات التنبؤية، والذي يسمح للجنود بالاستعلام بسرعة عن مجموعة ضخمة من البيانات.
- بمراجعة كميات هائلة من البيانات المستمدة من الاتصالات التي تم اعتراضها، ولقطات الأقمار الصناعية، والشبكات الاجتماعية، تعمل الخوارزميات على استخراج إحداثيات الأنفاق والصواريخ وغيرها من الأهداف العسكرية.
- باستخدام تقنية التعرف على الصور في البرنامج، يمكن للجنود اكتشاف أنماط دقيقة، بما في ذلك تغييرات طفيفة جرت خلال سنوات، من لقطات الأقمار الصناعية لغزة تشير إلى أن حماس دفنت قاذفة صواريخ أو حفرت نفقاً جديداً في أرض زراعية.
- بدأ العمل على تطوير البرنامج منذ عام 2020 تحت قيادة يوسي سارييل، قائد وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، التي تعد العمود الفقري لمنظومة الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تختص بالتجسس الإلكتروني وجمع الإشارات وتحليل البيانات.
ثانياً: الولايات المتحدة
لم تتخلف الولايات المتحدة عن ركب حليفتها إسرائيل في توظيف الذكاء الاصطناعي لمراقبة الطلاب المؤيدين لفلسطين ضمن محاولات إدارة ترامب لمحاربة الحركة الطلابية المناصرة لغزة، التي شهدتها الجامعات الأمريكية منذ أبريل/نيسان الماضي.
ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين كبار بوزارة الخارجية الأمريكية أن جهود "الضبط والإلغاء" التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي ستشمل مراجعات بمساعدة تلك التقنية لعشرات الآلاف من حسابات حاملي تأشيرات الطلاب على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقاً لأكسيوس، فإن وزارة الخارجية تعمل مع وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي بهذا الشأن.
ولم تعلق وزارة الخارجية بشكل مباشر على التقارير، لكن وزير الخارجية ماركو روبيو قال على وسائل التواصل الاجتماعي إن الولايات المتحدة "لا تتسامح مطلقاً مع الزوار الأجانب الذين يدعمون الإرهابيين".
Those who support designated terrorist organizations, including Hamas, threaten our national security. The United States has zero tolerance for foreign visitors who support terrorists. Violators of U.S. law — including international students — face visa denial or revocation, and…
— Secretary Marco Rubio (@SecRubio) March 6, 2025
وأضاف أن "مخالفي القانون الأمريكي، بما في ذلك الطلاب الدوليون، سيكونون عرضة لعدم منحهم التأشيرات أو إلغائها والترحيل".
وذكرت قناة فوكس نيوز بشكل منفصل أن وزارة الخارجية ألغت تأشيرة طالب قيل إنه شارك في ما وصفته الوزارة بأنها "اضطرابات داعمة لحماس". ووفقاً للتقرير، فإن الإلغاء يمثل أول إجراء من نوعه.
انتقادات حقوقية
فيما عبر مدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوف بشأن حرية التعبير بعد ورود أنباء عن خطة إدارة ترامب لاستخدام الذكاء الاصطناعي لترحيل الطلاب الدوليين الذين يعتبرون "مؤيدين لحماس".
ويكفل التعديل الأول للدستور الأمريكي حماية حرية التعبير والتجمع. ويقول مدافعون عن حرية التعبير مثل (مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير) والجماعات المناصرة للفلسطينيين إنه لا ينبغي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التقييمات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود والمليء بالتفاصيل الدقيقة، وفق تقرير لوكالة رويترز.
وقالت سارة ماكولفلين، الباحثة بمؤسسة الحقوق الفردية، إن أدوات الذكاء الاصطناعي "لا يمكن الاعتماد عليها لتحليل الفروق الدقيقة في التعبير عن مسائل معقدة ومتنازع عليها مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وقالت اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز إن التطورات التي تحدثت عنها التقارير "تشير إلى تآكل مثير للقلق لحرية التعبير وحقوق الخصوصية المحمية دستورياً".
وقالت منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة على موقع إكس: "تذكير، سيدي الرئيس، جميع الناس – بغض النظر عن وضعهم في الهجرة – بما في ذلك الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، لديهم الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير، بغض النظر عن الموضوع. إذا كانت التقارير الإخبارية صحيحة، فإن "الضبط والإلغاء" فكرة مروعة وهجوم على حقوق الإنسان".

فيما أفاد ناشطون أن شركة التحليلات المدعومة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتي ستعتمد عليها وزارة الخارجية في تطبيق سياسة "الضبط والإلغاء"، وهي شركة Palantir، يعتمد عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي لتسهيل استهداف الفلسطينيين في حربها على غزة، وفقاً لتقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وكتب أحد الناشطين على موقع إكس: "إذا كنت لا تعرف، فإن شركة Palantir هي الشركة التي تنشئ "قوائم القتل" للفلسطينيين في غزة لصالح جيش الدفاع الإسرائيلي. والآن، يتم استخدام نفس النوع من تقنية "تتبع المخالطين" في الولايات المتحدة".
وأضاف: "إذا كان بإمكانهم استخدام هذا الذكاء الاصطناعي لملاحقة المتعاطفين مع حماس، فيمكنهم استخدامه لملاحقة أي واحد منا، في أي وقت، ولأي سبب".